بالمؤامرات الكونية وحدها يحيا الإعلام

بالمؤامرات الكونية وحدها يحيا الإعلام

11 سبتمبر 2015
الأحاديث المتكررة لنظام السيسي هي تخدير للشعب المصري وطموحاته(تويتر)
+ الخط -
في كل مرة يظنّ فيها المشاهد/القارئ المصري أن الإعلام في البلاد بلغ حدّه الأقصى، في الترويج للخرافات والإشاعات، يثبت هذا الإعلام قدرته على تخطّي نفسه.

هذه المرة الأمر لم يقتصر فقط على إلصاق كل الاتهامات والكوارث القدرية منها والطبيعية بجماعة "الإخوان المسلمين"، ولا على أسطورة "قائد الأسطول الأميركي السادس المعتقل بواسطة قوات الأمن المصرية"، ولا على "حروب الجيل الرابع"؛ بل وصل إلى مرحلة "المجلس الأعلى للعالم" الذي يتحكم في الدول من خلال تسليط القدرات الخارقة للفضاء عليها.

هكذا يُدار الإعلام المصري خلال السنوات الأخيرة الماضية؛ فالقنوات المصرية الفضائية الخاصة منها والحكومية، فرّغت نفسها ليلاً نهاراً لترويج شائعات وأكاذيب ومعلومات مضللة، مستندة بذلك إلى دعم السلطة لها، وعدم وجود جبهة إعلامية حقيقية قادرة على التصويب.

وقاحة المعايير المزدوجة

وفي ظل هذا المناخ من الافتراء والعبث الإعلامي، باتت المطالبات بعودة برنامج "البرنامج" للإعلامي الساخر، باسم يوسف، ملحة. وما يهوّن من الأمر قليلا؛ وجود منابر إعلامية موازية، هي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، التي وجد فيها الشباب متنفساً للتعبير عن استيائهم من إعلام تمكن بجدارة من أن يكون ذراعاً للسلطة الحاكمة، تتحكم به كيفما تشاء.

التناقضات، فجة للغاية، في ما يتعلق بتصريحات الإعلاميين ومقدمي برامج "التوك شو" عن قضايا ثابتة مع اختلاف الأنظمة الحاكمة. فالإعلامي تامر أمين، الذي كان يلزم حكومة الإخوان المسلمين بتوفير كافة الخدمات للمواطن، بقوله "الحكومة غصب عنها توفر الخدمة"، عدل عن أمره تماماً حالياً بتصريح "أنا لا أحمل الحكومة مسؤوليات فوق طاقتها".

والإعلامية المصرية دينا رامز، اختارت من قاموس مصطلحاتها "لأقول للصراصير من حركة حماس، فكروا كدا بس اتمشوا ناحية الحدود المصرية، فسيكون الرد موجع وفي أماكن حساسة.. الصراصير عندنا يا بتترش.. يا بتضرب بشبشب.. زنوبة" في واحدة من حلقاتها.
والإعلامية رانيا البدوي التي تطالب المصريين حالياً بترشيد الاستهلاك؛ كانت تصرخ على الفضائيات في فترة حكم الإخوان قائلة "أنتم تسمونه ترشيد، وإحنا بنسميه خنقة للشعب".

اقرأ أيضاً: صافيناز تقود مجلس تامر أمين لإدارة العالم

المؤامرة الكونية

وعلى غرار تصريحات الإعلامي المصري تامر أمين، بشأن وجود ما يسمى بـ"المجلس الأعلى للعالم" الذي يتحكم في مصير الدول والشعوب من خلال إرسال نيازك من الفضاء أو إشعال براكين، أو إرسال فيضانات، فإن واقعة أخرى مشابهة كانت في 7 مارس/آذار 2014، عندما أكدت الكاتبة سكينة فؤاد، مستشارة رئيس الجمهورية لشؤون المرأة، أن مصر تواجه حرباً كونية وتحتاج إلى حكومة قوية وقائد يستطيع أن يكون على قدر كبير من الثقة والاطمئنان لدى المصريين، ما يجعله قادراً على اتخاذ القرارات الصعبة.

وقالت مستشارة رئيس الجمهورية في حوار مع صحيفة "العرب" اللندنية إن "هذا البلد على قدر غناه بالثروات، فقد زرع في داخله كثير من عناصر التمزيق، وسقوطه هو الجائزة الكبرى في المخطط الذي يهدف لصناعة المحيط الآمن حول إسرائيل، ويتحول العرب إلى لاجئين. وتابعت: "أذكر هنا أنه كان مطلوباً من مصر أن تذهب للمأساة التي تعيشها سورية".

كما أفردت صحيفة "اليوم السابع" الخاصة، المقربة من الأجهزة الأمنية المصرية، في 26 أغسطس/آب الماضي تغطيات واسعة، عن المؤامرة الكونية التي تقودها أميركا ضد العالم مع صورة للرئيس الأميركي، باراك أوباما، تحت عنوان: "أميركا تتجسس على موبايلات المصريين، تكنولوجيا أميركية للتجسس على المحمول تم بيعها لعشرات الدول".

الأحاديث المتكررة لنظام السيسي، يعتبرها مراقبون للشأن المصري، مجرد تخدير للشعب المصري الذي يرى طموحاته وتوقعاته بحياة أفضل تتبدد بصورة يومية. كمان السيسي نفسه لجأ السيسي مرات عدة للحديث عن حروب الجيل الرابع وحروب المعلومات، التي تواجهها مصر، فيما لا تتوقف أبواق الدعاية السوداء للنظام عن إلهاء الجماهير عن مطالبها ومشكلاتها الواقعية التي لا تجد لها حلاً، كما يقول الباحث السياسي أحمد علام، لـ"العربي الجديد".

إلا أن الجديد في الأمرر حالياً، هو ظاهرة "المواطن الراكور" بالتعبير الإعلامي الدارج، لوصف ضيف القناة الفضائية المصرية الدائم في معظم التقارير المصورة خارج الاستوديو؛ حيث ظهر شخص ما حوالى ست مرات، وشخص آخر حوالى أربع مرات في نفس الموقع الجغرافي أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو" في معظم التقارير الخارجية.
و"راكور" وهو تعبير فني يطلق على قطع الديكور أو الملابس الواجب تكرارها درامياً وليس في البرامج التلفزيونية.

تلك الظاهرة المستخدمة بكثرة في التلفزيون الحكومي المصري، رصدتها الباحثة ومعدة البرامج، سارة جمال منصور، ونشرتها عبر صفحتها الشخصية على "فيسبوك" كنصيحة لمتابعيها بعدم تصديق كل ما يقدمه التلفزيون.

الإعلامي المخبر

وهناك ظاهرة أخرى لا بد من التطرق إليها، وهي "إعلامي بدرجة مخبر"، حيث كرس عدد من الإعلاميين المصريين، جهودهم للإبلاغ عن المواطنين، مدعين انتماءهم إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وفي هذا السياق، يطل تامر أمين مجدداً، ليكون نموذجا بارزا في تسليم ضيوفه، كما اعترف هو نفسه بأنه سلم "ثلاثة من ضيوفه" خلال استضافتهم في برنامجه.

إلا أن أمين لا يعد الإعلامي الأول الذي يُسلم ضيوفه لقوات الأمن المصرية من الأستوديو، إلى أقسام الشرطة والسجون مباشرة، فقد سبقه فيها الإعلامي المصري، وائل الإبراشي، عندما استضاف الشيخ محمود شعبان، وسلمه قبل أن يخرج من الاستوديو إلى "بوكس" الشرطة مباشرة.

في المقابل، خرجت بعض الأصوات الرافضة لتلك الحالة من العبث التي ينتهجها القائمون على الإعلام في مصر.

فتشير دراسة أعدها "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، بعنوان "الإعلام المصري بين التقنين والتقييد"، إلى تأثير رأس المال على حالة الإعلام الخاص، وسعى رجال الأعمال نحو بناء امبراطورية اقتصادية متعددة الأنشطة لخدمة مصالحهم.

وتطرقت الدراسة إلى عدد من الأزمات التى أنتجتها حالة الانفلات واللامهنية التى أعقبت تظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013.

كما أكد نقيب الصحافيين المصريين، يحيى قلاش، أن الإعلام المصري "لم يواجه فراغا تشريعيا مثلما يحدث الآن"، مضيفاً خلال مشاركته في مؤتمر "نحو إعلام ديمقراطي حر" الأربعاء الماضي، أن الإعلام يعاني من حالة فوضى شاملة لا سيما في الفضائيات في ظل غياب أي نوع من الضوابط المتعلقة بالإعلام، متابعا "لا أتصور أن وجود مذيع يتحدث قرابة أربع ساعات في أوروبا وأميركا، ويسب ويقذف ويتحدث في شتى المجالات".

اقرأ أيضاً: (فيديو)"ترامادول" للجميع:الحروب الكونية على مصر بقيادة المجلس الأعلى للعالم
فيما تحاول الصحف المصرية، من حين لآخر، التغريد خارج السرب، ونشر تقارير ومستندات تهاجم النظام الحاكم في مصر، يكون الرد عليها مباشرة بـ"الحجب والمصادرة"، وهي الظاهرة التي وثّقتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان -منظمة مجتمع مدني مصرية ـ في تقرير حديث لها بعنوان "تلفون من جهات سيادية"، بشأن حجب ومصادرة الصحف في مصر.

وأشار التقرير إلى أنه في مصر كانت العادة قبل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 ألا تأخذ عمليات حجب الصحف ومنعها من التوزيع هذا الشكل التقليدي، مع التكامل الوثيق بين أجهزة الدولة الأمنية وبين مؤسسات الصحف القومية المالك الوحيد للمطابع الملائمة لطباعة الصحف.

واعتبر التقرير أنه لفترة قصيرة في أعقاب ثورة 25 يناير افتقدت السلطة وأجهزتها الأمنية لبعض الوقت هذا التكامل الوثيق مع آليات طباعة وتوزيع الصحف برغم أنها ظلت في مجملها مملوكة للدولة فيما عدا استثناء وحيد، وقد استمر هذا الوضع الجديد في ظل حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي حتى تم عزله في 3 يوليو/ تموز 2013. ومع النظام الناشئ عن تفاهمات يوليو في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور ثم في أعقاب انتخاب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، استعادت السلطة ما تمتعت به سابقاً من تكامل وتوافق تام بين أجهزتها الأمنية وبين المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة.

اقرأ أيضاً: تحقيق بتعذيب الصحافي عبد المقصود أنس في مصر

المساهمون