الدولمة: سيّدة المطبخ العراقي

الدولمة: سيّدة المطبخ العراقي

03 يوليو 2014
أصلها تركي.. لكنّ العرب تفوّقوا في صناعتها وتطويرها
+ الخط -

 

 
حين يشاهد أيّ عراقي طبق "الدولمة" في أيّ مكان من العالم، فإنّه لا يستطيع منع نفسه من الشعور بالحنين الجارف إلى بلاده. فذلك الطبق يُعتبر بلا شكّ من أجمل الأطباق التي ارتبطت بالعراق، فتحوّلت من مجرّد "أكلة" عادية إلى جزء من التراث والذاكرة في بلاد الرافدين.

يرجّح أنّ "الدولمة" من الأكلات التركية الأصل، مثل طبخات كثيرة دخلت المطبخ العربي في العهد العثماني بعدما فرض العثمانيون نفوذهم  ابتداءً من القرن 15 م. وقد طوّرها العرب بعد ذلك لتصير جزءاً من تراثهم، فتفوّقوا بصناعتها، وانتشرت في بلادهم أكثر من انتشارها في بلاد الأتراك أنفسهم.

تعني كلمة "دولما" بالتركي الشيء الذي تجري تعبئته. ويمكن تفسير هذا الاسم، الذي حصلت عليه هذه الأكلة، بكون الخضروات تُعبّأ بالحشو قبل طهوها. ويوجد في منطقة باشيك طاش، بمدينة إسطنبول، قصر تاريخي شهير اسمه "دولمه باهجه". ومعنى اسمه هو: "الحديقة الردم"، أي أنّه تمت تعبئة الأرض وردمها قبل بنائه. وهو كان المقرّ الرئيسي لإدارة الامبراطورية العثمانية في العام 1856 ميلادي.

تُعد هذه الطبخة من الوجبات الأساسية في العراق، بل هي الطبق الذي يُقاس به مدى مهارة المرأة في الطهو. فتكون البنت التي تتقن طبخه مطلوبة أكثر للزواج ومرغوبة من طرف أهل العريس الذين لن يطمئنّوا إلى مستقبل ابنهم إلا في حال كانت زوجته قادرة على صنع هذه الأكلة.

لتحضير "الدولمة" يجب تفريغ الخضر المجهّزة للحشو، كالبصل والطماطم والباذنجان والبطاطا والكوسة والفلفل، إضافة إلى ورق العنب أو ورق السلق. ثم نضع الحشوة داخل كلّ حبّة خضر. والحشوة تتألّف من الأرز واللحم المفروم وصلصة طماطم والبصل والثوم، إضافة إلى بعض التوابل، وقليل من الليمون، كي نحصل على مذاق ناعم وساحر.

بعد ذلك نرصّ القطع المحشوة في القدر بشكل مرتب حتّى لا تتحرك ويتناثر حشوها مع المرق. ثم نضع القدر على نار قويّة إلى أن تغلي. حينها نخفّف النار ونتركها تُطهى على مهل حتّى تنضج وتصير جاهزة.

هناك أنواع مختلفة اشتقّت من هذه الأكلة وانتشرت في بلدان عربية، من المحيط إلى الخليج، لعلّ أشهرها "اليالنجي"، السوري الذي يُطبَخ دون لحم، بالخضروات فقط، كما قد نجد أنواعاً كثيرة أخرى، منها محشي الباذنجان، محشي الفلفل الأخضر، محشي الكوسا، واليبرق، الذي يعني اسمه "ورق الشجر" باللغة التركية، ويكون مصنوعاً من ورق العنب فقط، على عكس الدولمة التي هي مزيج منه ومن خضروات أخرى محشوّة باللحم والأرز.

ورغم أنّنا لا نجد في التاريخ قصّة محدّدة لنشوء هذا الطبق، أو حادثة اختراعه التي التهمها النسيان على ما يبدو، فالمؤكد أنّ قدر هذا الطبق اختار له أن يترك موطنه الأصلي في تركيا وأن يهاجر ويصير جزءاً من الهوية العراقية بشكل خاصّ، وإحدى أشهر الأكلات العربية التي ترتبط بذاكرة طفولتنا ومطبخ أمهاتنا. 

المساهمون