أصبح لدينا مناعة تجعلنا قادرين على استيعاب أنّ أغنية "عربيٌّ أنا" للشاعر والمطرب والملحن والمنتج والممثل والمخرج "يوري مرقدي" نموذج للشعر العربي الأصيل.
كما أصبحنا قادرين على تفهم ذائقة سائق "الميكروباص" التي تنتشي بـ"المهرجانات"! وهي المناعة التي لم تعد اختيارية لمن أراد أن يبقى سليماً معافى من بعض الأمراض كالضغط والقلب والسكري وغيرها.
قبل المناعة، كان الإحساس بالكلمة والموسيقى مختلفاً، لدرجة طرح نقاشات حول رخاوة لحن "أخي جاوز الظالمون المدى" مقابل قوة ألفاظ القصيدة وحماسة موضوعها. وهل أخطأت "أم كلثوم" وتجاوزت قواعد اللغة حين استبدلت كلمة نعم بـ "بلى، أنا مشتاق وعندي لوعة" في رائعة أبي فراس، وكان أجدر بها ألا تفعل، لأنّ الاستفهام كان منفياً! وهل أصاب "عباس حسن" حين استخرج مبرراً لهذا اللحن اللغوي في كتابه "النحو الوافي" أم لا؟
الفنانون الكبار أيضاً كانت لهم أخطاؤهم، لكن كفى لهم فضلاً أن تُعدّ تلك الأغلاط. أذواق النقاد في عصرهم، ظلّت ترصد تلك الهنات وتستهجنها، كاستهجان البقعة السوداء في الثوب الأبيض.
كان "طه حسين" حاضراً أثناء تسجيل "محمد عبد الوهاب" قصيدة "الجندول" لعلي محمود طه، فحين وصل لقول الشاعر: ذهبيّ الشَّعر. شرقي السمات"، غنّاها (الشِّعر)، فأفسدتْ المعنى، وهنا امتقع وجه العميد وانتفض، فأربك عبد الوهاب.
وتظهر التسجيلات أنّ أخطاء عبد الوهاب في القصيدة تعددت، فالشاعر يقول "فسُرى الجندول" وهي مكتوبة في ديوانه بضم السين، فغنّاها عبد الوهاب (فسَرى). كما حوّل "يوم أنْ قابلتُه" بضمّ التاء، إلى (قابلتَه)، استدركها في إعادته للبيت، لكنها بقيت وصمة لغوية على جبينه.
وفي غنائه لقصيدة نزار قباني "أصبح عندي الآن بندقية"، نطق لفظ "هُوية" بفتح الهاء، والصواب ضمّها لأنها منسوبة لـ "هُو".
آخرون وقعوا في أخطاء مشابهة مثل "عبد الحليم حافظ" الذي غنّى: "وعانقتني وألقت برأسها فوق كَتِفي"، فنطقها (كِتْفي)، في قصيدة كامل الشناوي "حبيبها".
كذلك غنى عبد الحليم بيتيْن للملا عثمان الموصلي دمجهما بأغنية "مداح القمر" لمؤلفها محمد حمزة، وزعم عبد الحليم أنهما من التراث السوري، ومطلعهما (قدك المياس يا عمري)، فقلب قاف "قدك" إلى همزة.
التقاليد المصرية العامية فرضت نفسها على غناء القصائد الفصحى عبر تمكين اللهجة التي تختصر مجموعة من الحروف العربية مثل الذال والظاء والثاء، واستبدالها بـ "الزاي والزاي المفخمة والسين".
ولو أننا اخترنا "فريد الأطرش" القادم من جبل الدروز، نموذجاً لذلك، لسمعناه يغني قصيدة "لا وعينيك" لكامل الشناوي، وهو يعتمد على التحريف المصري للأبجدية مثل، (ثورتي- سورتي)، (لذّتي- لزّتي). أما قول الشاعر "تجنحي للجموح"، فلم يغنّها بالجيم اللبنانية (الشين المجهورة)، ولا بالجيم المعطشة (الانفجارية)! كذلك فعل في أغنية الشاعر اللبناني بشارة الخوري، كأن يقول: "أضنيتني بالهجر ما أظلمك"، فاعتمد الجيم القاهرية، ونطق الظاء، زايا مفخمة.
اقرأ أيضا:
38 عاماً على غياب عبد الحليم: أجيال العندليب
في بيتنا عبد السلام النابلسي
الفنانون الكبار أيضاً كانت لهم أخطاؤهم، لكن كفى لهم فضلاً أن تُعدّ تلك الأغلاط. أذواق النقاد في عصرهم، ظلّت ترصد تلك الهنات وتستهجنها، كاستهجان البقعة السوداء في الثوب الأبيض.
كان "طه حسين" حاضراً أثناء تسجيل "محمد عبد الوهاب" قصيدة "الجندول" لعلي محمود طه، فحين وصل لقول الشاعر: ذهبيّ الشَّعر. شرقي السمات"، غنّاها (الشِّعر)، فأفسدتْ المعنى، وهنا امتقع وجه العميد وانتفض، فأربك عبد الوهاب.
وتظهر التسجيلات أنّ أخطاء عبد الوهاب في القصيدة تعددت، فالشاعر يقول "فسُرى الجندول" وهي مكتوبة في ديوانه بضم السين، فغنّاها عبد الوهاب (فسَرى). كما حوّل "يوم أنْ قابلتُه" بضمّ التاء، إلى (قابلتَه)، استدركها في إعادته للبيت، لكنها بقيت وصمة لغوية على جبينه.
وفي غنائه لقصيدة نزار قباني "أصبح عندي الآن بندقية"، نطق لفظ "هُوية" بفتح الهاء، والصواب ضمّها لأنها منسوبة لـ "هُو".
آخرون وقعوا في أخطاء مشابهة مثل "عبد الحليم حافظ" الذي غنّى: "وعانقتني وألقت برأسها فوق كَتِفي"، فنطقها (كِتْفي)، في قصيدة كامل الشناوي "حبيبها".
كذلك غنى عبد الحليم بيتيْن للملا عثمان الموصلي دمجهما بأغنية "مداح القمر" لمؤلفها محمد حمزة، وزعم عبد الحليم أنهما من التراث السوري، ومطلعهما (قدك المياس يا عمري)، فقلب قاف "قدك" إلى همزة.
التقاليد المصرية العامية فرضت نفسها على غناء القصائد الفصحى عبر تمكين اللهجة التي تختصر مجموعة من الحروف العربية مثل الذال والظاء والثاء، واستبدالها بـ "الزاي والزاي المفخمة والسين".
ولو أننا اخترنا "فريد الأطرش" القادم من جبل الدروز، نموذجاً لذلك، لسمعناه يغني قصيدة "لا وعينيك" لكامل الشناوي، وهو يعتمد على التحريف المصري للأبجدية مثل، (ثورتي- سورتي)، (لذّتي- لزّتي). أما قول الشاعر "تجنحي للجموح"، فلم يغنّها بالجيم اللبنانية (الشين المجهورة)، ولا بالجيم المعطشة (الانفجارية)! كذلك فعل في أغنية الشاعر اللبناني بشارة الخوري، كأن يقول: "أضنيتني بالهجر ما أظلمك"، فاعتمد الجيم القاهرية، ونطق الظاء، زايا مفخمة.
اقرأ أيضا:
38 عاماً على غياب عبد الحليم: أجيال العندليب
في بيتنا عبد السلام النابلسي