العرب بين مؤشّري الديمقراطية والفساد

العرب بين مؤشّري الديمقراطية والفساد

27 فبراير 2022
+ الخط -

كعادتها كلّ سنة، نشرت مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية، في 9 فبراير/ شباط الجاري، تقريرها السنوي عن حالة الديمقراطية في العالم، والعوائق التي تواجهها في مختلف المناطق. وجاء هذا العام الأسوأ نتيجة منذ إنشاء المؤشر سنة 2006، إذ يعيش فقط 45.7% من سكان العالم في ظل نظام ديمقراطي، مقابل 49.4% سنة 2020، بينما يعيش أكثر من ثلث سكان العالم تحت حكم استبدادي. وإذا كانت جائحة كورونا قد ألقت بظلها على النتائج، بسبب الإجراءات المقيدة للحريات، فإنّه يجب التمييز بين الدول التي قيّدت الحريات لمنع انتشار الفيروس وتلك التي اتخذت الجائحة ذريعة لمنع التظاهر ولقمع المواطنين وتقييد حقوق الإنسان، وهذا ما تفننت فيه دول عدة، في مقدمتها الدول العربية، ولا غرو في ذلك فهي تتذيل الترتيب العالمي.

تراجع حاد~ عرفته تونس في عهد نظام الرئيس قيس سعيّد. ومع أنها ما زالت تحتل الصدارة من بين الدول العربية باعتبارها ديمقراطية هجينة، إلا أن هبوطها من الدرجة 54 إلى الدرجة 75 يظهر مدى تدهور الحالة الديمقراطية في هذا البلد الذي يرأسه دكتاتور متدرّب، لم يحصل بعد على وسام الدكتاتورية الكاملة التي يسعى إليها، والرئيس الأستاذ، أو الأستاذ الرئيس، أصبح تلميذا في ميدان لا يتقنه، فهو يتعلّمه من خبراء عرب لهم باع طويل، وما الدليل إلّا مرتبة دولهم المتدنية في اللائحة. ومن هنا يمكن القول إنّ نظام قيس سعيّد سيهوي بتونس إلى درجاتٍ أسفل، فهو يسير بالخطى الحثيثة نفسها على نهج سلفه المطاح بفضل الربيع العربي. وقراراته، أخيراً، ضد القضاء دليل آخر على خريطة الطريق التي سُربت قبل الإجراءات الانقلابية المتخذة منذ 25 يوليو/ تموز الماضي.

لا يخفى الارتباط الوطيد بين الفساد والاستبداد، والترابط الوثيق بين تراجع الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان

أما المغرب فحافظ على الترتيب العالمي نفسه، باحتلاله المركز 95 بوصفه نظاماً ديمقراطياً هجيناً. وهي بشرى سارّة للحكومة الحالية التي يرأسها حزبٌ خرج من رحم السلطة، فالمغرب حصل على النقطة نفسها التي حصل عليها سنة 2020، ولم يتراجع كما حصل السنة الماضية من النقطة 5.10 إلى 5.04، ما يزكّي، بطريقة غير مباشرة، نتائج الانتخابات العامة التي عرفها المغرب في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي شهدت خسارة مدوّية لحزب العدالة والتنمية، وخروجه من إدارة الشأن العام محليا ووطنيا، من دون أن يتمكّن حتى من تكوين فريق برلماني معارض، وهي خسارةٌ قبلها الحزب على مضض، ولم يجرؤ على انتقادها، فوقّع بذلك ضمنيا على مصداقيتها.

عدا هذين البلدين المغربيين، صنّف التقرير باقي الأنظمة العربية الأخرى في خانة الأنظمة المستبدّة ولا عجب، إذ إنّ بعضها تذيّل الترتيب العالمي، كما حال سورية واليمن وليبيا، ما جعل العالم العربي، أو ما تسمّى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأسفل منزلة بين كلّ مناطق العالم، بمعدل 3.41، وراء منطقة "دول أفريقيا جنوب الصحراء" وهي رتبة من العيب أن تُذكر، أو نخوض في تحليلها بغية تبريرها، خصوصاً أنّ المستقبل لا يبشر بخير، فمنذ بدء الثورة المضادّة التي أعقبت الربيع العربي سنة 2012، لم يفتأ معدّل المنطقة في النزول نزولا مستمرا ومضطردا، كما ورد في التقرير.

هبوط تونس من الدرجة 54 إلى 75 يظهر مدى تدهور الحالة الديمقراطية تحت رئاسة دكتاتور متدرّب

مؤشّر آخر، مدركات الفساد في الدول، حسب المستويات المتصوّرة لفساد القطاع العام، حيث لا يخفى الارتباط الوطيد بين الفساد والاستبداد، والترابط الوثيق بين تراجع الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فكلما ازدادت الدولة استبداداً وإنكاراً للمبادئ الديمقراطية ازدادت عتواً في الأرض وفساداً، إذ لا تخضع للمساءلة والمحاسبة، وهذا ما يوضحه التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية، الصادر في 25 الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني)، إذ إنّ البلدان التي تنتهك الحريات المدنية تسجّل أضعف درجات مكافحة الفساد. وهذا ما أكدته رئيسة المنظمة، بقولها: "إنّ النهج الاستبدادي يدمّر الضوابط والتوازنات المستقلة، ويجعل جهود مكافحة الفساد تعتمد على أهواء النخبة". ولهذا نجد الدول نفسها التي تحلّ في الصدارة في مؤشّر الديمقراطية هي نفسها تقريباً التي تحتل الصدارة في مؤشّر مدركات الفساد والعكس صحيح، إذ كيف يحارَب الفسادُ إذا كانت النخبة السياسية نفسها فاسدة مفسدة؟

حتى نكون منصفين، بالرغم من أنّ أغلب الدول العربية احتلت ترتيباً مشابهاً لتصنيف مؤشّر الديمقراطية، ثمّة استثناءات، بعض دول الخليج العربي التي احتلت مراكز متقدّمة. وهذا يحسب لها ويجدر التنويه به، بيد أنّ تقرير منظمة الشفافية يؤكد على أنّ الفساد السياسي في المنطقة العربية من أهم الأسباب التي تعرقل التقدّم نحو مكافحة الفساد والطريق نحو الديمقراطية، وحول هذه ندندن، وعنها ننافح.

يُبنى مؤشر الديمقراطية على معدل مقاييس خمس فئات: العملية الانتخابية والتعدّدية، الأداء الحكومي، المشاركة السياسية، الثقافة السياسية، الحريات المدنية. وإذا توقفنا عند الأخير، ودققنا في أرقامه، تزداد صورة المنطقة العربية قتامة، وتظهِر حجم معاناة الإنسان العربي تحت القمع والاستبداد. قد يُسَلِّم الناس بعضهم لبعض كلمات حق يراد بها باطل، من باب جعل مسألتي الأمن والاستقرار فوق أيّ اعتبار، وكأنهما لا يتأتَّيان عربياً إلّا تحت غطرسة الأنظمة الشمولية. لكن ما بال الحريات تُقمع؟ وما بال حقوق الإنسان تهضم؟ وما بال الكرامة تداس؟ وما بال الأموال تبدّد؟ وما بال الفقر ينتشر؟

69325256-4F5A-4368-9A3B-FD48F176325F
69325256-4F5A-4368-9A3B-FD48F176325F
عمر المرابط
باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية المتعلقة بمجال الخبرة
عمر المرابط