إيران تجني مكاسب إقليمية باتفاق أو بدونه

إيران تجني مكاسب إقليمية باتفاق أو بدونه

22 نوفمبر 2014
+ الخط -

تولي طهران اتفاقاً مع الغرب بخصوص ملفها النووي أهمية كبرى، إذ ستمنح خطوة كهذه إيران وضعاً مميزاً بين دول المنطقة، وسوف تغلق باب الخلافات التي تراكمت مع أميركا والغرب منذ اقتحام السفارة الأميركية في طهران، غداة نجاح الثورة على نظام الشاه. وإذا كان البدء في جولات التفاوض، قبل نحو عام، مع الدول الخمس  الكبرى زائد ألمانيا، قد أشاع جواً "إيجابياً" مقارنة بالأجواء السابقة، يمتزج فيه الاختلاف  مع التقبل،  فإن طهران تراهن، ولها الحق في ذلك، على أن اتفاقاً حول الملف النووي سوف يفتح الباب أمام علاقات راسخة مع الغرب، حتى لو بقي يشوبها اختلاف، كما الحال، مثلاً، مع تركيا غير النووية، العضو في حلف الأطلسي التي لا يمنع الاختلاف بينها وبين واشنطن من إدامة علاقةٍ ذات طابع استراتيجي بين الجانبين،  بل مع الغرب عموماً، وبالخصوص الاتحاد الأوروبي الذي ما زال يمانع في انضمام أنقرة إليه.

الأهم من ذلك أن طهران تربط توقيع أي اتفاق برفع العقوبات الغربية والدولية المفروضة عليها، وبعض هذه العقوبات قضت بها قرارات لمجلس الأمن، منذ العام 2006.

وترى طهران أن العقوبات المفروضة تمت لأسباب سياسية، وليست فنية، والمقصود بالأخيرة مستويات التقدم في البرنامج النووي الإيراني، أو ما يعرف بمستوى تخصيب اليورانيوم. وترغب في الوقت نفسه، بل تتمسك بالفصل بين هذه المفاوضات والقضايا الاقليمية التي تمارس فيها طهران نفوذاً واسعاً ومضطرداً. في واقع الأمر، تريد طهران تحويل مكاسبها الإقليمية إلى أمر واقع يكتسب الشرعية بالتقادم، ثم بدفع الولايات المتحدة، بعد الاتفاق النووي المأمول، للانتقال من سياسة غض النظر عن النفوذ الإيراني، إلى القبول به، وفتح باب التعاون تحت عنوان مكافحة الإرهاب (السنّي).

ليست هناك تسريبات حول أجواء المفاوضات سوى ما يفيد بصعوبتها. وكان الاتفاق المزمع قد أرجىء من 20 يوليو/تموز الماضي إلى 24 نوفمبر الجاري. فيما تولي طهران أهمية للاتفاق، فإن المفاوضات شكلت خياراً ثابتاً وطموحاً للإدارة الديمقراطية في واشنطن. ولطالما تسرب، على ألسنة مسؤولين أميركيين، أن التفاوض أفضل من خيار المواجهة أو الحرب. ولا شك أن هناك حاجة داخلية للإدارة الحالية في واشنطن لإبرام اتفاق يمثل كبحاً للطموحات النووية الإيرانية. ويجسد نجاحاً أميركياً على الساحة الدولية، بعد سلسلة من الإخفاقات. صعود المنافسين الجمهوريين في الكونغرس يضع أوباما وإدارته في دائرة الاختبار، ويقيده في السعي إلى نجاح بأي ثمن. أوروبا، ممثلة بفرنسا وبريطانيا وألمانيا، ترغب، من جهتها، بالتوصل إلى اتفاق بعد فرض عقوبات على روسيا، ناجمة عن التنكيل الروسي بالأوكرانيين، وتخشى من تبعات التحالف الروسي الإيراني، وانعكاسات ذلك على إمدادات الغاز لأوروبا.

لقد استرعى الانتباه، في أجواء احتدام المفاوضات الإيرانية الغربية، أن طهران وموسكو وقعتا يوم 11 نوفمبر/تشرين ثاني الجاري اتفاقاً ممثلتين بالوكالة الإيرانية للطاقة النووية والشركة الروسية روس آتوم للتعاون النووي بين الجانبين. بمقتضاه، سوف يتم بناء ثماني وحدات لإنتاج الطاقة الذرية في إيران. روسيا تشارك في المفاوضات الغربية مع إيران، بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، وتتعاون في الوقت نفسه مع طهران تعاوناً نووياً (مقابل أموال طائلة)، علاوة على التعاون السياسي المفتوح في الشرق الأوسط. وتقترب العلاقات الروسية الإيرانية من مستوى التحالف. ويقف الطرفان معاً ضد النفوذ الأميركي في العالم، ويسعيان إلى بسط نفوذهما القومي في محيطها الإقليمي، باعتماد الأساليب الأميركية "القديمة": بسطوة السلاح، والتدخلات الفظة، وتجنيد قوى محلية في هذا البلد أو ذاك، لخدمة نفوذهما، في مقابل بذل جهود على الساحة الدولية، للتصعيد السياسي لتلك القوى. وتدفعهما الظروف الحالية (فرض العقوبات على موسكو) إلى مزيد من التعاون.

يتعذّر التوصل إلى اتفاق ذي مغزى، بمعزل عن التفاهم حول القضايا الإقليمية. فالطموح النووي الإيراني يندرج في طموح أكبر وأشمل، لبسط النفوذ في المنطقة، وغالباً على حساب قوى دولية أخرى، وقبل ذلك على حساب سيادة دول مستقلة، غير أن المنظور الأميركي ليس بهذه الرحابة، إذ يتقدم في الاعتبار ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة، والذي تتمتع فيه الدولة الإسرائيلية النووية بالتصدر بغير تهديد، وهناك، إلى ذلك، المصالح الأميركية الهائلة في الجوار الإيراني: منطقة الخليج. فيما يمثل صعود داعش والحملة العسكرية عليها ورقة بيد طهران التي يمكنها "التكفل" بمحاربة التنظيم بلا هوادة، بما في ذلك المواجهة البرية، في مقابل وقف التشدد الغربي، وتسريع خطوات التوصل إلى اتفاق ورفع العقوبات.

لا صوت مسموعاً للأطراف العربية، بمن فيها الخليجية، في المفاوضات الدائرة، غير أن أوساطاً دبلوماسية عدة تتفق على أن المسؤولين الأميركيين لطالما سمعوا من عواصم خليجية، وبالذات من الرياض، تحذيرات من أي اتفاقٍ لا يضمن الحد من الطموحات النووية الإيرانية. ولعل المصالحة الخليجية التي تسارعت وتيرتها، في الأيام القليلة الماضية، وجدت في محاذير أي اتفاق إيراني غربي محتمل حافزاً للتسريع بالمصالحة، من أجل التحصين الاستراتيجي في مواجهة مطامح طهران التي لا يحدها حد، والتي لم يوقفها وصول الرئيس حسن روحاني إلى سدة الرئاسة.

في هذه الأثناء، ومع الصعوبات الماثلة، تبرز ترجيحات بأن يتم التوصل إلى اتفاق إطار، وليس إلى اتفاق تفصيلي. مع منح طهران دفعة أخرى من تخفيف العقوبات، على شاكلة ما جرى في اتفاق جنيف في حال قبولها بتجميد مؤقت لبعض مشاريعها. وهو ما يستجيب في هذه المرحلة لمصالح إيرانية وأميركية خصوصاً، فالطرفان يسعيان إلى بعض نجاح في هذه المرحلة، مع إظهار التمسك بمواقفهما أمام الرأي العام والقوى المنافسة في البلدين. وإذا كانت سلسلة المفاوضات الماراثونية هذه قد مضى عليها نحو عقد، فماذا يمنع تمديدها إلى ستة أشهر أخرى مثلاً؟