احتجاجات السويداء تنذر بالعودة إثر تردي الوضعين الأمني والمعيشي

احتجاجات السويداء تنذر بالعودة إثر تردي الوضعين الأمني والمعيشي

02 نوفمبر 2020
تردي الأوضاع المعيشية والأمنية في السويداء(جالا مرعي/فرانس برس)
+ الخط -

تعود محافظة السويداء، جنوبيَّ سورية، إلى واجهة الأحداث من جديد، إذ تجددت الدعوات للخروج بتظاهرات في مركز المحافظة، نتيجة تفاقم سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، جراء تدهور الليرة السورية المستمر أمام العملات الأجنبية، بسبب العقوبات والمشاكل الداخلية، ما أدى إلى نقص حاد في السلع والمواد التموينية، بالإضافة إلى فقدان فرص العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ومنها السويداء، التي تعيش كذلك توترات أمنية، ولا سيما منذ اندلاع احتجاجات داخلها بداية يونيو/ حزيران الماضي، هتفت ضد رأس النظام بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، وانتقدت سوء أداء حكومة النظام.  
وشهد يوم السبت الماضي دعوات للتظاهر، أمس الأحد، إلا أن الدعوة لم تنجح في تحقيق أهدافها، ذلك أن قوات النظام استقدمت تعزيزات أمنية إلى ساحة المحافظة، نقطة الانطلاق المعتادة للتظاهر، وأقامت حواجز أمنية بغية منع التجمع وتجمهر المحتجين.

 وأشارت معلومات "العربي الجديد" إلى أن الدعوة للاحتجاج ليست جديدة في الآونة الأخيرة، إذ سبق أن تجمّع نحو 15 متظاهراً الأحد قبل الماضي في ساحة المحافظة، مرددين شعارات ضد تردي الأوضاع المعيشية، وجابوا بعد ذلك أحد شوارع المدينة قبل أن تنفض التظاهرة، لافتةً إلى أن الحركة الاحتجاجية دعا إليها ناشطون من الذين شاركوا في الدعوة وتنظيم الاحتجاجات التي خرجت في يونيو/ حزيران الماضي.


وتعيش السويداء كغيرها من المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام، أزمات معيشية عدة، كنقص الخبز وغلائه، وندرة المحروقات وانقطاعها، ما أدى إلى رفع أسعار المواصلات العامة وسيارات الأجرة بشكل مضاعف عمّا كانت عليه من قبل، فضلاً عن فقدان مادة الغاز المنزلي، والانقطاع المتكرر للمياه والكهرباء. 
ويترافق ذلك مع ركود في الحركة الاقتصادية وقلة فرص العمل داخل المحافظة، حيث كانت السويداء تعتمد في جزء كبير من اقتصادها على اغتراب شبانها في الخارج والتحويلات التي يرسلونها، إلا أن شروط السفر وصعوبة التنقل، حتى إلى أقرب بلدين كانا وجهتين رئيستين لشبان السويداء، لبنان والأردن، باتت صعبة ومعقدة بسبب العوائق التي تضعها جميع البلدان على دخول السوريين بعد عام 2011، ما فاقم من المعاناة وقلة المواد المادية التي كانت تتلقاها المحافظة.  

"تأديب" السويداء
كذلك فإن الأوضاع الأمنية في المحافظة ومحيط مركزها، باتت تؤثر بالوضع العام للمدنيين، ولا سيما مع المخاوف من استغلال التوترات الأمنية لـ"تأديب" السويداء بورقة الإرهاب و"داعش"، وربما تحركات أخرى من قبل النظام. فلا تزال الأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة الفاصلة بين محافظتي درعا والسويداء نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، ترخي بظلالها، ولا سيما على الأخيرة، التي حملت الجانب الأكبر من الخسارة في المواجهة بالنسبة إلى عدد القتلى، وبات وجهاؤها اليوم يحاولون ترتيب شروط التفاوض مع قائد اللواء الثامن في "الفيلق الخامس" أحمد العودة، الطرف الآخر في المواجهة والمحسوب على روسيا بعد إبرام المصالحات في درعا، مع الحذر من ارتكاب الأخطاء في أي مسعى قادم خشية تجدد المواجهات من جديد، وأخذها طابعاً مذهبياً. 

المخاوف الكبرى: ورقة داعش
أما المخاوف الكبرى لأهالي المحافظة، فتكمن في تحرك جديد لمسلحي "داعش" في الريف الشرقي للسويداء، ذلك أن الكثير من أهالي المحافظة يوجهون أصابع الاتهام نحو القوى الأمنية للنظام باستغلال الاحتجاجات وما تسببه من بلبلة داخلية لتحريك ورقة "داعش" ضد المدنيين للتخويف بها كما حصل في منتصف عام 2018 من أحداث دامية. كذلك يحاول النظام اللعب على وتر المواجهة الطائفية بين السويداء ذات الغالبية الدرزية، وجارتها درعا ذات الغالبية السنية، إذ لا يزال أهالي المحافظتين ومسلَّحوهما يتوخون الحذر لدى أي صدام من تحوله إلى صراع مذهبي مباشر، ما سيجعل النظام أكبر المستفيدين من اقتتال الطرفين.  
حالات خطف
كذلك شهد اليومان الماضيان حالات خطف متبادل بين فصيل محلي وأمن النظام، بعد أن أقدم عناصر يتبعون لفصيل محلي في بلدة عتيل شماليّ السويداء على خطف ضابطين، الأول ضابط برتبه مقدم في فرع الأمن السياسي، والآخر ضابط شرطة، بعد أن أقام الفصيل حاجزاً على طريق السويداء – دمشق قبل أن ينسحبوا مقتادين الضابطين إلى جهة مجهولة، وذلك رداً على اعتقال عنصر يتبع لذلك الفصيل من قبل جهات أمنية تابعة للنظام في السويداء.  


انتشار أمني
ومن خلال مشاهدات "العربي الجديد" داخل السويداء، اليوم الاثنين، فإن الحركة اعتيادية في الأسواق، وهذا ما كان عليه خلال اندلاع الاحتجاجات السابقة، إلا أن محيط مبنى المحافظة يشهد انتشاراً أمنياً مكثفاً، إذ انتشرت على مداخل الساحة المؤدية للمبنى وسط المدينة سيارات دفع رباعي ثُبِّتَت فوقها رشاشات متوسطة، ونُشر مثل هذه العربات في شوارع قريبة من مبنى المحافظة، وأُدخل كذلك نحو أربع عربات مصفحة، نُشرَت اثنتان منها في الساحة، فيما تمركزت اثنتان أمام مركز قيادة الشرطة القريب من الساحة.  
كذلك استطلع "العربي الجديد" نظرة الناس لهذه الحركة داخل المربع الأمني في المحافظة، إذ بينت أن المدنيين متخوفون من هذه التحركات، ولا سيما أن لديهم معلومات عن استقدام النظام لعناصر أمن و"شبيحة" ارتدوا زياً مدنياً وانتشروا بين الناس، وجميعهم قادمون من خارج المحافظة، وتداول بعض النشطاء صوراً لهؤلاء الأشخاص للتحذير منهم على أنهم سيقمعون أي حركة احتجاجية قرب مبنى المحافظة في حال تجدد الاحتجاجات.  
وأشارت مصادر لـ"العربي الجديد" فضلت عدم الكشف عن هويتها، إلى أن لجوء النظام إلى استقدام عناصر أمن وجعلهم ينتشرون بين المدنيين لقمع أي تحرك فور اندلاعه، يرجع إلى النظرة الاجتماعية السلبية تجاه من استخدمهم النظام لقمع الاحتجاجات السابقة من أبناء السويداء، ولا سيما أعضاء في فرع السويداء لـ"حزب البعث" الذين يقودهم حسن الأطرش، عضو قيادة فرع السويداء، وهؤلاء تعرضوا لنبذ اجتماعي، بل لتهديد أمني بعد نقمة الأهالي.  
وأشارت المصادر إلى أن كل التحركات الأمنية في السويداء يشرف عليها فرع "الأمن العسكري" التابع للمخابرات العسكرية، بإشراف مباشر من الضابط كفاح الملحم، رئيس شعبة المخابرات العسكرية، الذي يحاول تعقيد ملف السويداء لتسهل السيطرة عليه.  
وقال نبيل سليم، وهو أسم مستعار لأحد أبناء السويداء، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المخاوف الأمنية قد تكون سبباً في إحجام الناس عن التعاطي مع دعوات التظاهرات الأخيرة هذا الأسبوع، إلا أن الأسباب الرئيسية تكمن في عدم يقين الناس بجدوى المطالبة بشعارات كبيرة خلال التظاهرات، كإسقاط النظام ورئيسه بشار الأسد، والدعوى لطرد المليشيات الأجنبية الإيرانية والروسية، لكون الناس باتوا يدركون أن الموضوع أكبر من أن يكون بيد السوريين، بدليل ما حدث في محافظات أخرى كانت فيها حركة الاحتجاجات عشرات الأضعاف عما شهدته السويداء ولم تؤدِّ إلى نهاية النظام، رغم حالة التعاطف الواسع معها، بحسبه.  

وأضاف: "يضاف إلى ذلك المخاوف من ضرب المحافظة بحجة الاحتجاجات، وتحديداً ملاحقة النشطاء، وتصفية الفصائل المحلية التي تحمي المحافظة، بالإضافة إلى التضييق على موظفي الدولة المشاركين والمتعاطفين مع الحراك والاحتجاجات، ما يجعل المدنيين يحسبون حسابات كثيرة قبل المشاركة في احتجاجات مقبلة، ورغم ذلك تبقى احتمالية اندلاع تظاهرات كبيرة أمراً وراداً بشدة، مع تدني الأوضاع المعيشية".  
وشهد يونيو الماضي اندلاع حركة احتجاجات مقبولة في السويداء نتيجة تردي الأوضاع المعيشية، إلا أن التظاهرات التي خرجت وسط المحافظة طالبت برحيل رأس النظام بشار الأسد، متهمةً إياه بالعمالة لإيران وروسيا، الأمر الذي جعل النظام يتحرك ويعتقل غالبية النشطاء المنظمين للحراك، إلا أنه اضطر إلى إخراجهم تدريجاً، نتيجة الضغط الاجتماعي والشعبي، كي لا يسبب احتجازهم واعتقالهم تمدد حركة الاحتجاج داخل المحافظة.  
المعقل الرئيسي للدروز
وتُعَدّ السويداء المعقل الرئيسي للدروز في سورية، ومع تطور مسيرة الاحتجاجات التي اندلعت عام 2011 وشاركت السويداء فيها بخجل، حاولت المحافظة النأي بنفسها عمّا يحصل، ولا سيما مع ازدياد العنف المسلح من قبل النظام والمواجهة من قبل المعارضة، وشُكِّلَت مجموعات محلية مسلحة لحماية المحافظة ضمن تقاليد عائلية مذهبية كان في ظاهرها حماية المحافظة، إلا أنها سعت بشكل أو بآخر إلى دفع الناس للثورة على النظام، وعدم السماح بضم أبناء السويداء إلى جيش النظام قسراً، ولعل أهم هذه الفصائل "حركة رجال الكرامة" التي أسسها الشيخ وحيد البلعوس عام 2014 الذي اغتيل في سبتمبر/ أيلول من عام 2015، إلا أن حركته لا تزال مستمرة، لكن بفاعلية أقل مما قبل اغتياله. 
فتنة مذهبية
وحاول النظام كثيراً دفع السويداء والدروز إلى شراكته في عمليات مواجهة الثورة، ولم ينجح، ليعمد إلى إشعال الفتنة المذهبية بين الدروز في السويداء والسنّة في درعا، ليصار له السيطرة على الطرفين، وفي ظل ذلك لعب النظام على وتر تخويف أهالي السويداء بالتلويح بورقة الفصائل المتشددة، ولا سيما تنظما "داعش" و"النصرة"، وحمّل هجوم "داعش" الدامي على المحافظة في يوليو/ تموز 2018، الذي أودى بحياة أكثر من 250 شخصاً من أبناء السويداء، أكبر الرسائل التي أراد النظام إرسالها إلى أهالي المحافظة، في لعبة كانت مكشوفة للأهالي، حيث سبقها نقل النظام لعناصر من تنظيم "داعش" من جنوب دمشق إلى محيط السويداء، ليفسح لهم المجال لتنفيذ هجومهم الوحشي.