الباب السورية... غياب الإدارة يفاقم الأزمات

الباب السورية... غياب الإدارة يفاقم الأزمات

04 اغسطس 2022
مدينة الباب بلا خدمات حقيقية (العربي الجديد)
+ الخط -

نظّم أطباء وعاملون في القطاع الصحي في مدينة الباب، الواقعة في ريف حلب الشرقي، شمالي سورية، يوم الإثنين الماضي، وقفةً احتجاجية، رفضاً للتمييز بينهم وبين نظرائهم الأتراك في سلّم الرواتب في المشافي المدعومة من الاتحاد الأوروبي بالمنطقة. وأعادت الوقفة، مدينة الباب، التي تعاني من مشاكل عدة، إلى دائرة الاهتمام الإعلامي. وطالب المحتجون بـ"المساواة بالحقوق والواجبات"، مشيرين إلى أن "العمل لقاء الطعام والشراب، هو نوع من أنواع العبودية".

وتعاملت الشرطة المدنية في المدينة بـ"قسوة" مع الإعلاميين الذين كانوا يقومون بواجبهم في تغطية هذا الاحتجاج، الذي امتد أيضاً إلى بلدة الراعي ومدينة عفرين في الشمال السوري الخاضع للنفوذ التركي. وطالب "اتحاد الإعلاميين السوريين" في الشمال، الشرطة المدنية في الباب، بـ"إصدار بيان اعتذار رسمي، ومحاسبة ومحاكمة الأشخاص الذين قاموا بالاعتداء على الإعلاميين، والتعهد بالالتزام بميثاق الشرف الإعلامي، ومن ضمنه عدم التعرض لعمل الإعلاميين وحمايتهم والحفاظ على سلامتهم".

الباب السورية... غياب الاستقرار المعيشي والأمني

وكانت مدينة الباب شمالي سورية، شهدت أواخر مايو/أيار الماضي، احتجاجات واسعة إثر إفراج السلطات المحلية التابعة للمعارضة السورية عن متهم بارتكاب جرائم قتل واغتصاب بحق مدنيين أثناء خدمته في قوات النظام، قبل وصوله إلى مناطق سيطرة المعارضة.
ولطالما شهدت الباب احتجاجات شعبية بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها سكّان هذه المدينة التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب، مركز محافظة حلب، بنحو 40 كيلومتراً، والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية منذ مطلع عام 2017، حين انتزعت هذه السيطرة من تنظيم "داعش"، إبان العملية العسكرية التركية المعروفة بـ"درع الفرات".

يرفض عاملون بالقطاع الصحي في الباب التمييز بينهم وبين نظرائهم الأتراك في سلّم الرواتب

"5 سنوات تقريباً كانت كفيلة بحصول نهضة كبيرة في المدينة، ولكن للأسف هذا لم يحدث"، يقول عامر إبراهيم، أحد شبان المدينة، في حديثه مع "العربي الجديد". ويضيف: "لا فرص عمل حقيقية للشباب في كلّ الشمال السوري الذي تسيطر عليه الفصائل. أندم لأني لم أهاجر إلى أوروبا عندما كان الطريق مفتوحاً أمام السوريين للوصول إلى هناك".  

وتضم مدينة الباب، التي تعد من كبريات المدن الخارجة على سيطرة النظام في شمالي سورية، عشرات آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية، والذين وجدوا في هذه المدينة ملاذاً آمناً لهم من القصف والعمليات العسكرية في مناطق سيطرة النظام. ولكن مدينة الباب لم تشهد استقراراً أمنياً، على مدى سنوات، حيث تتكرر كلّ فترة وأخرى، حوادث الاقتتال بين الفصائل المعارضة في سياق صراع على النفوذ في الشمال السوري محدود الموارد، تؤدي في كل مرة إلى مقتل وإصابة عسكريين ومدنيين.

وكانت مدينة الباب قد شهدت في شهر يونيو/حزيران الماضي وقفات احتجاجية واسعة بعد مقتل مدير منظمة إنسانية تنشط في الشمال السوري( مدير مكتب "هيئة الإغاثة الإنسانية" العاملة في الشمال السوري، عامر ألفين)، جراء انفجار عبوة ناسفة بسيارته في الباب.

كفّ يد الفصائل وتمثيل الناس

"من دون كفّ يد الفصائل عن التدخل في حياة المدنيين، لن تشهد الباب أو الشمال السوري كلّه، استقراراً"، يقول سعيد لبابيدي، وهو أحد النازحين إلى المدينة من ريف إدلب مطلع عام 2020. ويرى لبابيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "ضرورة تفعيل الأحكام القضائية الرادعة بحق المفسدين والذين يرتكبون التجاوزات بحق المدنيين الذين لا نصير لهم أمام تغوّل بعض قادة المجموعات المحسوبة على الجيش الوطني (قوات المعارضة السورية)".

ويشرح النازح السوري إلى الباب، أن المدينة "بلا خدمات حقيقية"، مطالباً بـ"الحدّ الأدنى من العيش الكريم، والأمان". ويبدي لبابيدي استغرابه من وجود مقرات للفصائل داخل المدن والبلدات، فـ"مكانهم ليس هنا، بل على الجبهات. المفترض ألا يكون لهم أي شأن في حياة المدنيين، ومن يقوم بتجاوزات بحقهم (المدنيين) يجب أن يُعاقب بشدة".

ويشير المواطن السوري إلى غياب "وربما تغييب" أي دور للحكومة السورية المؤقتة عن مفاصل القرار في الشمال السوري، مشدداً على أن "مدينة الباب وغيرها من مدن الشمال، بحاجة إلى حكومة قوية تكسب شرعيتها من الاهتمام بالناس، والتخفيف من معاناتهم".  

وتوجد في مدينة الباب مقرات لأغلب الفصائل المنضوية في "الجيش الوطني السوري" المعارض، والتي تستفيد من معابر غير قانونية مع مناطق النظام من جهة، ومناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، حيث تجري عمليات تهريب واسعة النطاق من وإلى الشمال السوري.

المواطن عامر إبراهيم: 5 سنوات كانت كفيلة بحصول نهضة كبيرة في المدينة، لكن هذا لم يحدث

وجاء في تقرير حقوقي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، نشر الإثنين الماضي، أنه منذ عام 2018 حتى الآن، وقع 69 اشتباكاً بين فصائل "الجيش الوطني" في المناطق ذات النفوذ التركي، موزعة على 28 اشتباكاً في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، و9 اشتباكات في 2021، و26 اشتباكاً في 2020، و6 اشتباكات في كل من عامي 2018 و2019.

من جهته، يشرح الناشط الإعلامي والسياسي معتز ناصر (وهو موجود في مدينة الباب)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مدينة الباب تعاني من العديد من المشاكل التي سببها عدم وجود جهة إدارية وطنية". ويتابع: "ركود الاقتصاد في مدينة الباب هو السبب الرئيسي لغالبية المشاكل الأخرى، وهذا الركود يعود إلى تقطيع الطرقات وإغلاق المعابر النظامية مع النظام، أو مع قسد". ويشير كذلك إلى تراجع مستوى القطاعين الزراعي والحيواني في مدينة الباب وريفها بسبب "الانقطاع المستمر للمياه".

وينتقد الناشط أسلوب إدارة الشأن العام محلياً، لافتاً إلى أن "تعيين أعضاء المجلس المحلي يخضع لاعتبارات عشائرية وفصائلية، ومن ثم لا يُسمح للناس بانتخاب من يمثلهم". ويصف ناصر المؤسسات الموجودة في الباب بـ"الكرتونية التي يديرها أناس لا يملكون أدنى مقومات الإدارة الرشيدة".

إلى ذلك، يبيّن ناصر أيضاً أن مدينة الباب تعاني من مشكلات أمنية "سببها الفصائل غير المنضبطة والتي استولت على مزارع وعقارات، وتتقاتل مع بعضها أحياناً داخل أحياء المدينة"، محملاً الجانب التركي "جزءاً من هذه المشاكل، لأنه الجهة الأكثر نفوذاً وقدرة على التغيير". ويعرب الناشط عن اعتقاده بأن الحلول لكل المشاكل في مدينة الباب "تأتي في حال جرت انتخابات محلية واضحة، كما يجب السماح للمنظمات بالعمل بحرّية في المدينة لتنشيط الاقتصاد، وتفعيل القضاء".  


 

المساهمون