انتخابات اسكتلندا... الرغبة بالاستقلال ستحسم النتيجة

انتخابات اسكتلندا... الرغبة بالاستقلال ستحسم النتيجة

06 مايو 2021
إذا حقق "الحزب الوطني" نجاحاً فسيعتبر ذلك مؤشراً على تقبّل الشعب فكرة الاستقلال (Getty)
+ الخط -

تعتبر الانتخابات العامة الاسكتلندية، اليوم الخميس، بمثابة امتحان حقيقي لساسة البلد ومستقبل علاقتهم بالمملكة المتحدة. فالنزعة الاستقلالية حاضرة بقوة، مثلما هي الرغبة بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، بعد أن فرض استفتاء 2016 خروجهم منه.

حظوظ يسار الوسط ممثلاً بـ"الحزب الوطني" الاسكتلندي، و"الخضر" اليساري، تبدو قوية بطرحهما مشروع "استفتاء شعبي" للاستقلال عن بريطانيا.

وإذا ما حقق "الحزب الوطني" (SNP) نجاحاً كبيراً فسيعتبر ذلك مؤشراً على مدى تقبل الشعب لفكرة الاستقلال، وبالأخص في مجال سياسات البلد الخارجية ومصالحه مع أوروبا، ونموذج الدولة التي يريدها.

وعوّل الوطنيون الاسكتلنديون منذ تصويت البريطانيين على "بريكست" ونشوء نزعة انفصالية، حتى في مسألة التعاطي مع جائحة كورونا، على تنامي المشاعر القومية في الشارع لتحقيق مكاسب بوجه البريطانيين.

من جانبها، شعرت لندن أثناء الحملة الانتخابية في إدنبره بمخاطر نقاشات الانفصال، ما دفع رئيس الوزراء بوريس جونسون، في نهاية الأسبوع الفائت، إلى محاولة التأثير على النتائج، من خلال وعود مالية بحزمة مليارية لأجل تحسين قطاعي النقل والصحة في البلد، ولكن لا يبدو أن ذلك سيؤثر كثيراً. فالاستطلاعات تفيد بهيمنة "الحزب الوطني" و"الخضر" على البرلمان، بحوالي 50%، ما يسهل الدعوة إلى استفتاء ثانٍ للاستقلال بعد استفتاء 2014.

والعلاقة بين لندن والاسكتلنديين علاقة معقدة منذ 300 سنة من الوحدة، وينظر البريطانيون إلى دعوات الانفصال على أنها خطر على المملكة المتحدة وقوتها العالمية، رغم أن نحو ثلث البريطانيين غير مكترثين لبقاء اسكتلندا أو خروجها من المملكة المتحدة، فيما عبر نحو 45% منهم عن معارضتهم منح إدنبره الاستقلال التام عن بلادهم، في حين يؤيد نصف الشعب منحهم حق الاستفتاء.

ويشكل الاسكتلنديون نحو 8% من شعب المملكة المتحدة، ولا يتجاوز حجم اقتصاد البلد أكثر من 15% من مجموع الاقتصاد البريطاني والناتج القومي الإجمالي.

وبدون الاسكتلنديين يصعب على أحزاب بريطانيا، وبالأخص "العمال"، الحصول على مقاعد كالتي يحصل عليها بفضل توجه الاسكتلنديين يساراً، في ما خص انتخابات المملكة المتحدة عموماً. وبالنسبة للمحافظين في لندن فإن خروج اسكتلندا يعني هيمنتهم على أغلبية البرلمان البريطاني. ويعارض "المحافظون" و"العمال" في لندن إجراء استفتاء جديد على استقلال اسكتلندا، الأمر الذي دفع حكومة جونسون للتوعد برفض أي طلب استفتاء بعيد انتخابات اليوم.

ويعيش "حزب العمال" البريطاني من ناحية أخرى معضلة حقيقية مع دعوات الاستقلال، فبدون أصوات الاسكتلنديين ما كان لتوني بلير في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الوصول إلى داونينغ ستريت، وهو ما يقلق قيادة "العمال" الحالية، الأكثر توجهاً نحو يمين الوسط بعد إقالة جيرمي كوربن عن قيادته، ما أدى أيضاً إلى تراجع شعبية الحزب بين الاسكتلنديين عموماً، فمن حصوله على نحو 41 نائباً من أصل 59 مخصصة لاسكتلندا في البرلمان البريطاني عام 2010؛ تراجع في 2015 إلى نائب واحد فقط.

وفي المقابل حصد "الوطني الاسكتلندي" 56 مقعداً، ولم يستطع العمال البريطاني استعادة الثقة والشعبية السابقة. وعبرت رئيسة الحزب، نيكولا ستورجون، في انتخابات بريطانيا 2019 عن أنها لن تدعم حكومة بقيادة "العمال" إلا إذا تعهد بمنح شعبها حق الاستفتاء مجدداً. وبدون تسمية يسار الوسط الاسكتلندي لـ"العمال" لتشكيل حكومة بريطانية يستحيل عليه الوصول إلى الحكم، وخصوصاً بعد فترة خروج كوربن من زعامة الحزب. 

وللاسكتلنديين سابقة في تنفيذ وعيدهم بعدم دعم "العمال" إذا لم يلبِ شروطهم. ففي عام 1979 سحب "الحزب الوطني" الاسكتلندي دعمه لحكومة "العمال" المصغرة ما جعل المحافظة مارغريت تاتشر تصل إلى الحكم، وهو ما عقد العلاقة كثيراً مع "العمال" البريطاني منذ ذلك الوقت.

ويحمل "الوطني" الاسكتلندي برنامجاً سياسياً يستند إلى تعزيز دولة الرفاهية ويتخذ من النموذج الاسكندنافي مثالاً في حال حقق الاستقلال عن بريطانيا.

وفي الأحوال جميعها، فإنّ بوريس جونسون الذي يُنظر إليه على أنه المتسبب بخروج بلده من النادي الأوروبي، والذي يستعرض نفسه كالزعيم التاريخي للمملكة المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية، وينستون تشرشل؛ يخاطر بأن يكون عهده عهد انهيار تلك المملكة. ورغم أنه لا يمكن القول إن أوروبا تتدخل في الانتخابات الحالية فإنه يصعب إنكار تأثير المفاوضات الصعبة للخروج البريطاني وفرض رأي لندن على أغلبية معارضي ترك الاتحاد الأوروبي في استفتاء 2016. 

وأدت مثابرة الاسكتلنديين على طرح حقهم في الاستقلال إلى تشكل نسبة معتبرة، تقدر بـ50%، بين البريطانيين الذين يعتقدون أنه يجب السماح للاسكتلنديين بتقرير مصيرهم ومستقبلهم بأنفسهم.

وستحسم نتائج انتخابات اليوم المسار التصاعدي للاستقلال الاسكتلندي، والخسارة الفادحة التي سيمنى بها زعيم "العمال" البريطاني الجديد، كير ستارمر، الأقرب إلى الدوائر الصهيونية، بعد انقلابه على توجه كوربن اليساري. وسواء وافق ساسة لندن ومشرعوها أم لم يوافقوا، فإنّ الاسكتلنديين بمختلف اتجاهاتهم السياسية، باستثناء أقلية مرتبطة بالتاج البريطاني، مصممون على اعتبار نتائج انتخابات اليوم بمثابة تصويت على تقرير مصير مستقبلي لبلدهم.

المساهمون