روسيا وتركيا في سورية... فرضية المساومة في نفيها

روسيا وتركيا في سورية... فرضية المساومة في نفيها

16 يونيو 2022
أكد لافرنتييف أن روسيا لا تتخلى عن حلفائها (إيكاترينا ليزلوفا/الأناضول)
+ الخط -

في موسم المساومات السياسية والجغرافية بين روسيا وتركيا، يحاول مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف نفي هذه الفرضية، لكن تصريحاته تشي بالعكس. 

ونقلت وكالات أنباء روسية عن لافرنتييف قوله، أمس الأربعاء، رداً على سؤال حول ما إذا كانت موسكو ستغض الطرف عن أي جزء من عملية تركية في شمال سورية مقابل استمرار أنقرة في منع دخول فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو): "أما بالنسبة للتبادلات المحتملة حول موقف تركيا بشأن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو مقابل أن نغض الطرف عن عملية تركية في شمال سورية، فلا يوجد شيء من هذا القبيل". وشدد على أن بلاده "لا تتخلى عن حلفائها في المنطقة".

العملية التركية خطوة غير عقلانية

وتتزامن تصريحات لافرنتييف مع انطلاق الجولة 18 من محادثات أستانة. وأشار، في بداية الجولة أمس الأربعاء، إلى أن موسكو تعتبر عملية تركيا المحتملة في سورية خطوة غير عقلانية، وتدعو أنقرة لحل القضية سلمياً. 


طه عبد الواحد: روسيا لن تذهب للتصعيد مع تركيا في سورية
 

وقال لافرنتييف: "هذا مهم بشكل خاص في ضوء خطط الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) المعلنة للقيام بعملية عسكرية في شمال سورية ضد التشكيلات الكردية. ونعتقد أن هذه ستكون خطوة غير عقلانية، قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع، وتصعيد التوتر وجولة جديدة من المواجهة المسلحة في هذا البلد".

وبحسب لافرنتييف، فإن روسيا في محادثات أستانة، التي تختتم أعمالها اليوم في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، "ستحث الزملاء الأتراك على الامتناع عن هذه الخطوة، وإنهاء المخاوف التي أثيرت من خلال الحوار بين الطرفين". 

وأضاف لافرنتييف، في تصريحات صحافية: "كثيرون الآن، ربما سمعتم، يقولون إنه فيما يتعلق بالعملية العسكرية الخاصة، ضعف اهتمام روسيا بسورية. يريد عدد من الدول الأوروبية رؤية تطور الوضع في سورية وفقاً لأنماطها. لا يوجد أي صفقة بين روسيا وتركيا حول أوكرانيا وسورية. نحن لا نتخلى عن حلفائنا في المنطقة. أريد أن أقول إن الصراع السوري والتسوية ما زالت في أولويات السياسة الخارجية الروسية". 

اختيار مكان غير جنيف

ولمح لافرنتييف لإمكانية طرح سحب عملية التفاوض السورية ــ السورية تحت الرعاية الأممية، لا سيما مسار اللجنة الدستورية من جنيف إلى مكان آخر. وأشار، في حديثه عن عقد الجلسة المقبلة للجنة الدستورية السورية، إلى أن روسيا ترى أنه من الضروري اختيار مكان جديد، أخذاً "في الاعتبار الصعوبات اللوجستية الحالية وفقدان جنيف لوضعها المحايد".

وتتشابك العديد من الملفات بين روسيا وتركيا في سورية وغيرها. وبرز أخيراً الغزو الروسي لأوكرانيا، والتعاطي الدولي معه لجهة تصاعد النبذ الدولي لموسكو ليضفي تصورات جديدة حيال التعاطي الروسي مع الملفات الراهنة والمؤجلة بين روسيا وحلفائها، أو الدول التي تتشارك معها بملفات سياسية وجيوسياسية تتطلب اللجوء إلى مساومات ومقايضات، كتركيا وإيران. علماً أن الملف السوري يعد قاسماً مشتركاً بالنسبة للسياسة الخارجية للدول الثلاث.

ورأى الباحث المختص بالشأن الروسي والمقيم في موسكو، طه عبد الواحد، أن روسيا لن تصمت في حال أطلقت تركيا عمليتها العسكرية في شمال سورية، لكنه استبعد، في الوقت ذاته، أن تقدم موسكو على القيام بخطوات عملية مؤثرة، لمنع أنقرة من تنفيذ عمليتها المرتقبة.

لا تصعيد روسياً مع تركيا

وقال عبد الواحد، في حديث لـ"العربي الجديد: "لن تذهب روسيا إلى أي تصعيد مع تركيا في سورية بسبب تلك العملية. فبين الوجود الأميركي والتركي، يبقى الثاني الأفضل للروس في سورية". 

وفي ما يتعلق برغبة موسكو بنقل عملية التفاوض الدولية من جنيف، رأى عبد الواحد أنه "عندما يدور الحديث عن مفاوضات تحت غطاء دولي فإن مسألة عاصمة التفاوض لا تحددها روسيا أو تركيا". 

طه عودة أوغلو: روسيا تحاول التفاهم مع تركيا في إطار أستانة

وقال إن "موقف موسكو من جنيف لا علاقة له بالأزمة السورية، وسببه الأزمة الأوكرانية، والتوتر غير المسبوق نتيجتها بين روسيا وأوروبا بشكل عام". 

وأعرب عن اعتقاده أن "المسألة في المسارات التفاوضية ليست في مكانها، بل في تركيبة من يشارك فيها، والأهم هو شرعيتها دولياً، واعتبارها مرجعية للمجتمع الدولي يبني عليها الخطوات التالية في عملية التسوية السورية". 

جنيف تبقى المرجعية

وقال إن "جنيف، من ناحية الأطراف المشاركة في المفاوضات، تبقى المرجعية الوحيدة المعترف بها دولياً في المفاوضات السورية، وبالتالي هي الإطار الشرعي الوحيد، رغم وجود مسارات أخرى. أما بالنسبة لمسار أستانة، فلن نكون غير واقعيين إذا قلنا إنه لم يعد أكثر من اسم لإطار يجمع روسيا وتركيا وإيران لمناقشة الوضع السوري وتنسيق الأعمال والمهمات، بما يلبي مصالح كل طرف ضمن مناطق ومجالات نفوذه في سورية".

من جهته، رأى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو أن ربط لافرنتييف موقف بلاده من العملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري باجتماع أستانة 18، بقوله إن المشاركين في الاجتماع سيناقشون الوضع على الأرض في سورية وخطط الرئيس التركي المعلنة لشن عملية عسكرية، يظهر أن المساومات بين الطرفين ما زالت مستمرة، على الرغم من أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان أعلن، خلال زيارته أنقرة أخيراً، عن تفهم بلاده للمخاوف الأمنية التركية في الشمال السوري.

وأضاف عودة أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد": "يفهم من كلام لافرنتييف أن روسيا تحاول التفاهم مع تركيا بخصوص العملية العسكرية في إطار مسار أستانة، بعيداً عن مسار جنيف". لكنه توقع أن "ترفض تركيا هذا الطرح، لأنها باتت تميل هذه الأيام أكثر إلى المحور المعادي لإيران، خصوصاً بعد التوترات التي شابت العلاقات التركية الإيرانية أخيراً، وأيضاً سياسة التقارب التركية مع دول إقليمية، كمصر والسعودية وإسرائيل".