كامب ديفيد: تفاصيل أمنية تنتقص من السيادة المصرية

كامب ديفيد: تفاصيل أمنية تنتقص من السيادة المصرية

10 نوفمبر 2021
أقام الاحتلال مستوطنة في سيناء قبل هدمها عام 1982 (كريس بورنكل/فرانس برس)
+ الخط -

"على مدار أربعة عقود، ومنذ توقيع معاهدة كامب ديفيد، حجر الأساس للسلام في المنطقة، لم نر العلاقات بين مصر وإسرائيل أكثر قوة مما هي عليه اليوم، وذلك من خلال الزيارات المتكررة، وآخرها زيارة نفتالي بينت إلى شرم الشيخ ولقاء الرئيس السيسي".. هكذا تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مستهل مؤتمر صحافي عقده أمس الأول الإثنين في العاصمة واشنطن، مع نظيره المصري سامح شكري، عن أول معاهدة سلام بين دولة عربية والاحتلال الإسرائيلي، وعن مآلاتها بعد أكثر من 40 سنة على توقيعها، فماذا حدث خلال تلك الفترة الطويلة؟

وافقت الحكومة الإسرائيلية، مجدداً، أخيراً على طلب مصري لزيادة القوة العسكرية المنتشرة في محافظة شمال سيناء، لا سيما الموجودة في المناطق المتاخمة للحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وجاء ذلك بعد أسابيع قليلة من لقاء جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينت في شرم الشيخ، جنوب سيناء، تمخّض عنه لقاء للجنة العسكرية المشتركة للجيشين الإسرائيلي والمصري، كان من أبرز نتائجه المعلنة تعديل اتفاقية تنظيم وجود قوات حرس الحدود في رفح المصرية، لصالح تعزيز القبضة الأمنية للجيش المصري، بما يعني زيادة القوة العسكرية في المنطقة الحدودية.

وكثيراً ما أثارت معاهدة السلام التي وقّعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن بحضور الرئيس الأميركي جيمي كارتر، الجدل، وكانت من أكثر البنود إثارة للجدل حتى اليوم هي البنود الخاصة بخفض الوجود العسكري للجيش المصري في سيناء، والذي يعني غياب السيادة الكاملة للدولة المصرية على جزء من أراضيها.

أستاذ القانون الدولي العام أيمن سلامة قال في تصريحات خاصة، إن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقّعة عام 1979، حددت مناطق منخفضة القوات والتسليح في سيناء والنقب، ولم تحدد "مناطق منزوعة السلاح"، موضحاً أن "التعديل الأخير في حجم القوات المصرية الموجودة في سيناء، عدّل الأمر الواقع إلى الأمر القانوني"، مؤكداً أن ما حدث هو "تعديل البروتوكول العسكري لمعاهدة السلام، وليس تغييراً للبروتوكول". وأكد سلامة أنه "يمكن تعديل البروتوكول كل يوم وكل ساعة، شرط ألا يتجاوز السياق الموضوعي للوثيقة المعدلة، وإلا يتم التغيير بدلاً من التعديل"، مضيفاً أن "اتفاق التعديل أو المراجعة، لا يلغي المعاهدة الأصلية التي تبقى سارية بنصوصها المراجعة أو المعدلة، وذلك بعكس الحال عند إبرام معاهدة جديدة تغاير أحكامها أحكام المعاهدة السابقة، حيث تحل المعاهدة الجديدة محل المعاهدة السابقة في مثل هذه الحالة".

التعديل الأخير في حجم القوات المصرية الموجودة في سيناء، عدّل الأمر الواقع إلى الأمر القانوني

وقال أستاذ القانون الدولي العام إنه "من الثابت لدى أغلبية الفقهاء أن كل معاهدة دولية تحتوي على شرط ضمني مؤداه افتراض بقاء الأشياء على حالها، وأن التغير في الظروف يؤثر في استمرار العمل بالمعاهدة، وقد يستتبع انقضاءها، أو تعديلها، وتؤسس هذه الفكرة على اعتبارين مختلفين، هما: الأول، فكرة الاتفاق الضمني بين أطراف المعاهدة على بقاء الأشياء على حالها. والثاني، هو حدوث التعارض بين الظروف الحالية ونصوص المعاهدة، وأياً كان الاعتبار المأخوذ به، فإن النتيجة واحدة وهي إمكان اعتبار المعاهدة منقضية أي منتهية، والتغير الجوهري في الظروف الأمنية - تحديداً في المنطقة (ج) في سيناء - لا يعوزه أي تدليل من جمهورية مصر العربية أو تشكيك من إسرائيل، الدولة الطرف الثاني في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية". وأضاف أن "التغير الذي يستتبع هذا الأثر يجب أن يتعلق بواقعة أو وضع موجود لحظة إبرام المعاهدة وأن يكون جوهرياً، والوقائع أو الأوضاع، وبصفة عامة، الظروف التي يؤدي تغيرها إلى تطبيق شرط بقاء الشيء على حاله، هي الظروف المادية، أو السياسية، أو القانونية، أو الاقتصادية التي كانت موجودة أثناء إبرام المعاهدة".

وكان الباحث المتخصص في الشأن القومي العربي، رئيس حركة ثوار ضد الصهيونية محمد عصمت سيف الدولة، قد قال في تصريحات سابقة، إن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقّعة في 26 مارس/ آذار 1979، والتي شملت بعض الترتيبات والتنازلات الأمنية والعسكرية المصرية في سيناء، تجرّد ثلثي سيناء من القوات والسلاح إلا بإذن إسرائيل وفقاً للملحق الأمني من المعاهدة، حتى تظل رهينة التهديدات الإسرائيلية المستمرة، بما يمثل أقوى أداة ضغط وإخضاع فعالة لأي إرادة مصرية، خصوصاً في ظل عقدة 1967 التي لا تزال تسيطر على العقل الجمعي لمؤسسات الدولة المصرية.

معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية تجرّد ثلثي سيناء من القوات والسلاح إلا بإذن إسرائيل

وأضاف سيف الدولة أن المعاهدة أدت إلى "تصفية الاقتصاد الوطني الذي كان يدعم المجهود الحربي أثناء الحرب، واستبداله بمعونة عسكرية أميركية 1.3 مليار دولار تستهدف ترسيخ النفوذ الأميركي في مصر واحتكار غالبية التسليح المصري والتحكم في موازين القوى لصالح إسرائيل مع تسليم الاقتصاد المصري الجديد لصندوق النقد والبنك الدوليين لإدارته وتوجيهه والسيطرة عليه". وتابع أن المعاهدة أدت أيضاً إلى "تأسيس نظام حكم سياسي جديد تكون على رأس أولوياته حماية أمن إسرائيل والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأميركية".

وتنص الفقرة الأولى من المادة الرابعة في معاهدة السلام بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي على أنه "بغية توفير الحد الأقصى للأمن لكلا الطرفين وذلك على أساس التبادل، تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية والإسرائيلية، وقوات أمم متحدة ومراقبين من الأمم المتحدة. وهذه الترتيبات موضحة تفصيلاً من حيث الطبيعة والتوقيت في الملحق الأول وكذلك أي ترتيبات أمن أخرى قد يتفق عليها الطرفان".

وحددت الملاحق الخاصة بمعاهدة السلام، وتحديداً ملحق (1) المتعلق بالبروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن، أربع مناطق يتم إنشاؤها وتنظيمها بغية توفير الحد الأقصى لأمن كلي الطرفين بعد الانسحاب النهائي، بحسب ما تنص المادة الثانية من الملحق، وهي: أولاً، المنطقة "أ" ويحدها من الشرق الخط "أ" (الخط الأحمر)، ومن الغرب قناة السويس والساحل الشرقي لخليج السويس كما هو موضح على الخريطة. وتوجد في هذه المنطقة قوات عسكرية مصرية من فرقة مشاة ميكانيكية واحدة ومنشآتها العسكرية وكذا تحصينات ميدانية. ولم يكتف الملحق بذلك فقط، بل إنه حدد قوة تلك الفرقة، وجاء فيه: تتكون العناصر الرئيسية لهذه الفرقة من: ثلاثة ألوية مشاة ميكانيكية، ولواء مدرع واحد، وسبع كتائب مدفعية ميدانية تتضمن حتى 126 قطعة مدفعية، وسبع كتائب مدفعية مضادة للطائرات تتضمن صواريخ فردية أرض/ جو وحتى 126 مدفعاً مضاداً للطائرات عيار 37 مم فأكثر، وحتى 230 دبابة، وحتى 480 مركبة أفراد مدرعة من كافة الأنواع، وإجمالي حتى 22 ألف فرد.

أما بالنسبة للمنطقة "ب" فيحدها من الشرق الخط "ب" (الخط الأخضر)، ومن الغرب الخط "أ" (الخط الأحمر)، كما هو موضح على الخريطة. وتنص المعاهدة على: "توفر الأمن في المنطقة (ب) وحدات حدود مصرية من أربع كتائب مجهزة بأسلحة خفيفة وبمركبات عجل تعاون الشرطة المدنية في المحافظة على النظام في المنطقة، وتتكون العناصر الرئيسية لكتائب الحدود الأربع من إجمالي حتى 4000 فرد". و"يمكن إقامة نقاط إنذار ساحلية أرضية قصيرة المدى ذات قوة منخفضة لوحدات الحدود على ساحل هذه المنطقة". و"تنشأ في المنطقة (ب) تحصينات ميدانية ومنشآت عسكرية لكتائب الحدود الأربع".

أما المنطقة "ج" كما نص عليها الملحق، فيحدها من الغرب الخط "ب" (الخط الأخضر)، ومن الشرق الحدود الدولية وخليج العقبة كما هو موضح على الخريطة. وتتمركز في المنطقة "ج" قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية فقط. وتتولى الشرطة المدنية المصرية المسلحة بأسلحة خفيفة أداء المهام العادية للشرطة داخل هذه المنطقة. وتوزع قوات الأمم المتحدة داخل المنطقة "ج" وتؤدي وظائفها المحددة.

وأخيراً تأتي المنطقة "د" في الملحق، والتي يحدها من الشرق الخط "د" (الخط الأزرق)، ومن الغرب الحدود الدولية كما هو موضح على الخريطة. و"توجد في هذه المنطقة قوة إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة ومنشآتها العسكرية وتحصينات ميدانية ومراقبي الأمم المتحدة. ولا تتضمن القوة الإسرائيلية في المنطقة (د) دبابات أو مدفعية أو صواريخ فيما عدا صواريخ فردية أرض/ جو". (وتتضمن العناصر الرئيسية لكتائب المشاة الإسرائيلية الأربع حتى 180 مركبة أفراد مدرعة من كافة الأنواع وإجمالي حتى 4000 فرد...).

قصرت المعاهدة طلعات طائرات القتال وطلعات الاستطلاع لمصر فوق المنطقة "أ"

وحددت المعاهدة أيضاً الطيران العسكري، إذ قصرت طلعات طائرات القتال وطلعات الاستطلاع لمصر فوق المنطقة "أ"، على أن تتمركز الطائرات غير المسلحة وغير المقاتلة في المنطقة نفسها، وأن تقلع وتهبط طائرات النقل غير المسلحة المصرية فقط في المنطقة "ب"، ويمكن الاحتفاظ في المنطقة "ب" بـ8 طائرات منها. ويمكن تجهيز وحدات الحدود المصرية بطائرات هليكوبتر غير مسلحة لأداء وظائفها في المنطقة "ب". كما يمكن تجهيز الشرطة المدنية المصرية بطائرات هليكوبتر غير مسلحة لأداء وظائف الشرطة العادية في المنطقة "ج".. ويمكن إنشاء مطارات مدنية فقط في هذه المناطق.

وأنشأت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل "نظام اتصال" بين الطرفين، ونصت على أن "هذا النظام يهدف إلى توفير وسيلة فعالة لتقييم مدى التقدم في تنفيذ الالتزامات وفقا لهذا الملحق وحل أي مشكلة قد تطرأ أثناء التنفيذ، كما تقوم بإحالة المسائل التي لم يبت فيها إلى السلطات العسكرية الأعلى للبلدين، كل في ما يخصه للنظر فيها. كما يهدف أيضاً إلى منع أي مواقف قد تنشأ نتيجة أخطاء أو سوء فهم من قبل أي من الطرفين". و"يقام مكتب اتصال مصري في مدينة العريش ومكتب اتصال إسرائيلي في مدينة بئر سبع، ويرأس كل مكتب ضابط من البلد المعني يعاونه عدد من الضباط. ويقام اتصال تليفوني مباشر بين المكتبين وكذا خطوط تليفونية مباشرة بين قيادة الأمم المتحدة وكلي المكتبين".