لا وصاية على البندقية

لا وصاية على البندقية

17 يناير 2024
خلال تشييع شهيد في جنين،7 يناير الحالي (وهاج بني مفلح/فرانس برس)
+ الخط -

في اللحظة التي تتحول فيها الشرعية الثورية إلى وصاية على المسارات والتاريخ، يصبح من في التجربة النضالية قيد الاعتقال الذهني، والذي يعيق كل قراءة صحيحة للوقائع وفهم سليم للتطورات.

في فلسطين المحتلة وفي عز اللحظة المقاومة، يثير كثير من رجال السلطة الوطنية الفلسطينية سراً وعلانية، الجدل حول محاسبة لاحقة لـ"حماس" وفصائل المقاومة على خيار السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.

جل هؤلاء من حركة "فتح"، التي قادت النضال الفلسطيني لعقود، لكنها لم تعد "فتح" بالمعنى الذي تقتضيه استحقاقات النضال الفلسطيني بعد أوسلو، ويتصرفون بزعمهم على أساس المسؤولية التاريخية والوصاية على النضال الفلسطيني.

مع أن المأزق الذي وصل إليه مسار أوسلو كان يفرض على هؤلاء، وحرياً بهم، المبادرة - قبل تطورات السابع من أكتوبر - إلى إجراء تقييم موضوعي وإحداث المراجعات اللازمة لهذا المسار، والذي ضاق على الحق الفلسطيني أكثر مما اتسع لصالح الاحتلال، وسمح لإسرائيل بالتوسع في تطبيع علاقاتها العربية والأفريقية من دون أن تقدم أي تنازل لصالح الحقوق الفلسطينية. 

لهذا المشهد الفلسطيني نظير في تاريخ الحركة الوطنية في الجزائر. عندما ظهرت "جبهة التحرير الوطني" بخيارها النضالي المسلح، كان حزب "الشعب" الجزائري، والذي أصبح يسمى بـ"حركة انتصار الحريات الديمقراطية" بقيادة مصالي الحاج، التنظيم الوطني المسيطر على الحركة الوطنية.

وكان مصالي في صورة زعيم يقوم مقام (الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر) عرفات في النضال الفلسطيني، لذلك لم يكن مصالي وكوادر حركته ينظرون بارتياح إلى التنظيم الثوري الجديد "جبهة التحرير الوطني"، والذي قرر وضع خيار النضال السياسي جانباً، وتبنى خيار الكفاح المسلح.

وظل المصاليون (نسبة إلى مصالي) - كما كثير من قيادات السلطة الفلسطينية - يعتبرون أنفسهم أوصياء على النضال الجزائري وعلى القرار الثوري.

في كل التجارب الثورية المقاومة ضد الاستعمار، كان الالتزام النضالي والبندقية فقط هما المحددان الأساسيان للشرعية، وحالما تضمر هذه المحددات لدى مناضل أو فصيل، مهما كانت مساهمته في التاريخ النضالي، لن يكون بإمكانه احتكار الشرعية الثورية أو الحديث باسمها، خصوصاً بالنسبة لمن يحولونها إلى سجل للمزايدة السياسية باسم الأسبقية في النضال أو الوجود.

ولذلك وبعد مرور أكثر من 100 يوم من صمود المقاومة في قطاع غزة، في أقسى ظروف يمكن تخيلها وفي وضع لم تختبره أي حركة مقاومة في التاريخ الحديث، كان جديراً بالمرجعيات الفلسطينية إعادة صياغة موقف فلسطيني أكثر استجابة لاستحقاقات اللحظة التاريخية ومنعطفاتها، والتي تصب في صالح إعادة موضعة القضية والحقوق الفلسطينية في هرم الانشغال الوطني والإقليمي والدولي.

يأتي ذلك إلى جانب اتخاذ خطوات في الضفة الغربية ومدن الداخل الفلسطيني المحتل تعزز اللحمة الوطنية، وإعلان صريح لدعم كل الخيارات النضالية المشروعة لإنهاء الاحتلال.

ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله، وما بعد 11 يناير/ كانون الثاني الحالي، ليس كما بعده، فقد أعاد 7 أكتوبر المقاومة الفلسطينية إلى وضع الهجوم، وأعادت محاكمة لاهاي إسرائيل إلى وضع دفاع.

تلك متغيرات مركزية ستترك الأثر العميق وتغيّر كثيراً من مسارات القضية الفلسطينية، بينما كان يفترض أن تغير من قناعات المعتقلين داخل أسطر وثيقة أوسلو، الغارقين في حبرها.

المساهمون