السيسي ينقلب على إعلامه

السيسي ينقلب على إعلامه

03 مايو 2015
السيسي أصابه الضيق من الحشد الجماهيري لصالحه (الأناضول)
+ الخط -

يسود توتر العلاقة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وبعض وسائل الإعلام الموالية لنظامه، والتي ساهمت في الترويج له كمرشح للرئاسة قبل الانتخابات التي أتت به رئيساً، وساهمت من قبل ذلك في الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي والحشد لتظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013.

فعدد من الصحف والفضائيات التي طالما عُرفت بعلاقتها القوية بالسيسي ومدير مكتبه اللواء عباس كامل، والتي جاء ذكر بعض العاملين فيها كأشخاص يتلقون التعليمات من هذا الأخير، بدا في موقف المعارض للنظام والراغب في محاسبته وتقييم ما مضى من فترة حكم السيسي التي تقترب من العام.

والانتقادات الموجّهة للنظام في الإعلام المصري محدودة، وتقتصر على ضعف الإنجاز الاقتصادي العام، وسوء مستوى بعض الوزارات والوزراء، وعدم إجراء انتخابات برلمانية حتى الآن، مع الإسهاب في تحميل الوزراء ورئيس الحكومة إبراهيم محلب الجزء الأكبر من المسؤولية، إلا أن وضع السيسي في جملة انتقادية أو عنوان يحرض على محاسبته، أمر بدا مستغرباً، ما دفع للتساؤل عما طرأ على علاقة السيسي بإعلامييه.

وتؤكد مصادر متطابقة، بعضها ينتمي لقنوات فضائية موالية للسيسي وبعضها مقرب من رئاسة الجمهورية، أن السيسي أصابه الضيق من الحشد الجماهيري الذي تمارسه وسائل الإعلام لصالحه، إذ شعر بأن هذا الحشد سيف مسلط على حكمه، إذ إن رفع الآمال كثيراً سوف يعرضه لمصير محتوم إذا أصاب الفشل برنامجه السياسي القائم على الانفراد بالسلطة، أو الاقتصادي المتمحور على جذب الاستثمارات الأجنبية بأي وسيلة.

وتوضح المصادر أيضاً أن "السيسي تحدث بصراحة مع عباس كامل أخيراً، عن أنه يريد عودة الإعلام إلى الحالة التي كان عليها في عهد (الرئيس المخلوع) حسني مبارك، بحيث تكون الأولوية في البث والنشر للموضوعات المنوعة البعيدة عن الجدل السياسي الذي قد يؤدي إلى مزيد من الانفتاح في تناول الموضوعات الحساسة، كما شهدت الساحة الإعلامية منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى وقت قريب".

وبحسب المصادر، فإن رؤية السيسي تقف وراءها تقارير أمنية واستخباراتية، حذرته من انخفاض ملحوظ في شعبيته في الشارع المصري مع استمرار الحشد الإعلامي في اتجاه واحد لصالحه، وهو ما يستوجب وفقاً لها واحداً من طريقين؛ الأول تقليل جرعة السياسة والشأن العام في الإعلام، والثاني فتح باب الانتقاد والمعارضة بحساب لنظام السيسي مع زيادة الانتقادات للوزراء والمسؤولين الوسطاء.

اقرأ أيضاً: "ذي إيكونوميست": السيسي أسوأ من مبارك في القمع

وتعترف المصادر بأنها تجهل الاتجاه الذي انحاز إليه السيسي، غير أن الأكيد هو أن عباس كامل طلب من أصحاب القنوات الفضائية صراحة، تخفيض جرعة السياسة والموضوعات المرتبطة بالدين والبرلمان وغيرها مما يثير حساسية الرأي العام في البرامج، وهو ما رفضه أصحاب الفضائيات الذين يعانون من أزمات مالية طاحنة، نتيجة انخفاض معدلات الإعلان وضعف الإقبال على الإعلان في البرامج الرئيسية.

فطلب كامل منهم بعد ذلك ألاّ ينظموا رحلات ترافق السيسي في زياراته الخارجية، كما حدث في جميع زياراته إلى الخليج والولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا حتى يناير/كانون الثاني الماضي، بحجة "أن الرئيس يريد ترشيد ظهوره في وسائل الإعلام، وأنه تضايق من بعض المواقف التي حدثت في زيارته قبل الأخيرة إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لحضور القمة الأفريقية".

ولم يشرح كامل، بحسب المصادر، تلك المواقف التي أغضبت السيسي، إلا أن المصادر رجّحت أن يكون قد أصابه الضيق بسبب حديث بعض الإعلاميين في برامجهم، عن أمور على لسانه للإيحاء بقربهم الشديد منه.

فالسيسي الذي أجرى عدداً من الحوارات التلفزيونية مع مذيعين مصريين وأجانب خلال حملته الرئاسية، أبلغ مقربين منه بعد فوزه بالرئاسة بأنه "لم يرضَ عن مستوى المذيعين الذين حاوروه"، كما أنه أوقف لقاءاته الدورية برؤساء تحرير الصحف ومذيعي الفضائيات التي تكررت كثيراً في النصف الأول من عام حكمه الأول، بالإضافة إلى أنه اختار طريقة الحديث المباشر إلى الشعب بدلاً من الحديث في حوار تلفزيوني خلال ظهوره الأخير عبر التلفزيون المصري، في البرنامج الذي أطلق عليه اسم "حديث الرئيس".

وأكدت المصادر أن قسماً من الإعلاميين الذين كان كامل يلتقيهم شهرياً، في أحد أندية القوات المسلحة لإثارة الموضوعات المرغوب الحديث فيها خلال الفترة المقبلة، قاطعوا هذه اللقاءات بعدما طلب كامل منهم عدم مرافقة السيسي مرة أخرى إلى الخارج، كاحتجاج على الوضع الجديد في التعامل مع الإعلام الموالي للنظام، إذ اعتبروا حديث كامل بمثابة إبعاد متعمد لهم عن دائرة صنع القرار.

ورداً على سؤال عما إذا كان هذا الأمر هو سبب تصعيد حملة الانتقادات ضد النظام، تقول المصادر إن "بعض الإعلاميين قرأوا رسالتي كامل بأن السيسي يريد خفض سقف التوقعات والطموحات لدى الشعب، وبالتالي تخفيض لهجة الحشد والإشادة المستمرة منذ عزل الإخوان، فمضوا ينتقدون في الحدود العادية كما كان يحدث في عهد مبارك، بينما قرأ البعض الرسالتين بأن كامل يحاول إبعاد الإعلاميين خوفاً على مركزه المقرب من السيسي، وكذلك الظهور بصورة مغايرة لما بدا عليها حديثه في التسريبات الخاصة بالتعاطي مع وسائل الإعلام".

وتكشف المصادر أن الفريق الثاني من الإعلاميين أرسل عبر وسطاء آخرين شكاوى إلى السيسي ضد كامل، تتهمه بتقريب إعلاميين آخرين ومحاولة عزل الرئيس المصري عما يحدث في المجتمع، وطالب بعضهم بالاجتماع بالسيسي لإبلاغه "بأمور خطيرة عن اتجاهات الرأي العام" إلا أن السيسي لم يرد على هذه الشكاوى حتى اللحظة.

وعما إذا كان هذا المشهد الملتبس دليلاً على صراع أجهزة، تقول المصادر: "بالتأكيد لا توجد أجهزة قادرة على التصارع في مصر تحت راية الحكم ذاتها، لأن وجوه السيسي تسيطر، ولو نظرياً، على جميع مفاصل الدولة، إلا أن هناك صراعاً بين شخصيات مختلفة على الحظوة لدى السيسي مع نديمه الأول عباس كامل، مثل مستشاره الأمني اللواء أحمد جمال الدين المتحكم حالياً في وزارة الداخلية، ومدير الاستخبارات خالد فوزي الذي أصبح يرافق السيسي في رحلاته الخارجية وبعض جولاته الداخلية".

اقرأ أيضاً: السيسي يحرج رئيس وزرائه: الانتخابات مؤجلة لما بعد يوليو

المساهمون