جنيف السوري بشروط روسية إيرانية... والمعارضة تتجه للمقاطعة

جنيف السوري بشروط روسية إيرانية... والمعارضة تتجه للمقاطعة

26 يناير 2016
المحادثات تبدأ بـ29 يناير وتمتد لستة أشهر (فرانس برس)
+ الخط -
لم يترك المبعوث الدولي الخاص بسورية، ستيفان دي ميستورا، مجالاً للشك حول اتجاه مفاوضات جنيف السورية لتلبية الشروط الروسية ــ الإيرانية التي ترجمتها ضغوط وزير الخارجية الأميركية جون كيري وتهديداته للوفد السوري المفاوض، لناحية تحويل المفاوضات إلى محادثات على أساس دراسة وقف إطلاق النار وإنشاء حكومة وحدة وطنية مع النظام بدل هيئة حكم انتقالية مثلما كان مقرراً وفق جنيف1 ولقاء فيينا، فضلاً عن دراسة تنظيم انتخابات جديدة وكتابة دستور جديد بشكل يجمع بين النظام والسلطة. وقال دي ميستورا، في مؤتمر صحافي عقده أمس في جنيف، أمس الإثنين، إن اليوم الثلاثاء يبدأ فريقه بتوزيع الدعوات إلى الشخصيات السورية، ملمحاً إلى أن من حق وفده، بحسب القرار 2254، توسيع لائحة المدعوين لضمان أوسع مشاركة ممكنة، في إشارة إلى نيته دعوة شخصيات تطالب بها روسيا بزعم أنها تمثل المعارضة، من خارج وفد الهيئة التفاوضية العليا، التي علمت "العربي الجديد" أن الرأي الغالب فيها هو مقاطعة المحادثات نظراً إلى أنها ستحصل "من دون شروط مسبقة"، وقبل توقف آلة القتل الروسية النظامية وحصار التجويع بحق السوريين من قبل النظام والمليشيات الحليفة له.

وقال دي ميستورا إن الموعد الجديد لمحادثات فيينا هو 29 يناير/كانون الثاني الحالي، وإن عقدة المدعوين لا تزال قائمة، موضحاً أن المحادثات ستمتد إلى ستة أشهر في جلسات غير علنية، مصراً على الجزم بأنها "لن تكون عبارة عن جنيف 3" لتفادي الأخطاء التي شابت مسارات جنيف1 و2. وفي مؤتمره الصحافي، أوضح دي ميستورا، عملياً، أن جدول الأعمال سينطلق من الشروط الإيرانية ــ الروسية التي تختصر بأربع نقاط: بحث وقف إطلاق النار، ثم الاتفاق على حكومة وحدة وطنية (بدل هيئة حكم انتقالي) ثم ثالثاً الاتفاق على تحديد موعد لانتخابات جديدة (سبق لكيري أن لمّح إلى حق رئيس النظام بشار الأسد المشاركة فيها) وصولاً إلى الاتفاق على لجنة لصياغة دستور جديد. واللافت أن هذه البنود الأربعة هي جوهر المبادرة الإيرانية القديمة التي طرحتها طهران ورفضتها المعارضة بالكامل في حينها، وهو ما تتجه الهيئة التفاوضية لتكراره، إذ علمت "العربي الجديد" أن الهيئة تتجه لإعلان موقفها اليوم الثلاثاء برفض المشاركة في ظل هذه الظروف، خصوصاً بعدما لمّح دي ميستورا إلى أنه سيوسع قائمة المشاركين السوريين باسم المعارضة، وهو ما ترفضه المعارضة بشكل حاسم، بما أنه يعني إدخال أسماء محسوبة على النظام وموسكو، وإن بصفة مستشارين للمبعوث الأممي، مثل قدري جميل وهيثم مناع وصالح مسلم. واعتبر دي ميستورا أنه "يجب ضمان تمثيل واسع للنساء في محادثات جنيف فضلاً عن دعوة ممثلين عن المجتمع المدني".

من جهتها، لم تكن تتوقع المعارضة السورية أن يكتفي وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بنقل ما سمّته "إملاءات" من الجانبين الروسي والإيراني لعقد مفاوضات نهاية الشهر الجاري في مدينة جنيف السويسرية. وتؤكد مصادر في المعارضة، لـ"العربي الجديد"، أن "الإملاءات ستكون وفقاً لرؤية دي ميستورا، بمثابة عقد إذعان، توقّعه المعارضة لإعادة إنتاج النظام، وفق ما يرغب الروس والإيرانيون".

اقرأ أيضاً تهديدات كيري للمعارضة السورية: الشروط الروسية -الإيرانية بصياغة أميركية

في هذا السياق، يشير الأمين العام لـ"الائتلاف الوطني" السوري يحيى مكتبي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن "الموفد الأممي لم يُوجه دعوات ضمن القنوات الرسمية، لحضور مفاوضات جنيف 3". ويضيف أنه "بعد تسلّم الهيئة العليا للمفاوضات الدعوات، ستدرسها وتتخذ القرار الذي يحقق مصلحة شعبنا". ويلفت مكتبي إلى أن "هناك محاولة احتيال تُمارس من خلال محاولة دعوة أطراف مرفوضة من المعارضة السورية بصفة مستشارين".

من جهته، يكتفي عضو "الائتلاف" نصر الحريري بالقول: "هناك اجتماع للهيئة العليا للمفاوضات في الرياض (اليوم الثلاثاء) لتخرج بقرارات بشأن كل شيء"، رافضاً التعليق على أي شيء يتعلق بموقف المعارضة من المفاوضات ومن الطرح الأميركي".

وكان مصدر في المعارضة السورية، قد كشف لـ "العربي الجديد"، أمس الإثنين، أن "كيري حمل معه رسائل روسية وإيرانية واضحة، أثناء اجتماعه مع الهيئة العليا للمفاوضات مساء السبت في الرياض، وهددها في حال عدم الالتزام بها". وأوضح المصدر أن "كيري قال إن ما سيجري في جنيف 3، هو محادثات، لا مفاوضات، وستفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لا هيئة حكم انتقالية".

وأضاف أن "وزير الخارجية الأميركي قال لوفد الهيئة إن من حق دي ميستورا التدخّل في تشكيل وفد المعارضة وتعيين مستشارين له، وإن إجراءات الثقة التي تطالب بها المعارضة قبل اجتماعات جنيف كإطلاق المعتقلين، وفك الحصار عن المدن المحاصرة، وإيقاف قصف المدنيين، وإدخال مساعدات إنسانية وسواها هي جزء من المحادثات التي ستجري في جنيف". كما كشف المصدر أيضاً، أن "كيري أكد خلال الاجتماع أن من حق بشار الأسد الترشح للرئاسة في أي انتخابات رئاسية ستجرى لاحقاً".

وطلب رئيس الدبلوماسية الأميركية، حسب المصدر، من الهيئة العليا للمفاوضات الذهاب إلى جنيف و"إلا فستفقد حلفاءها، وعليها أن تتحمّل مسؤولية ذلك". كما أشار كيري إلى أن "بلاده لن تتدخل في سورية، إلا لمحاربة الإرهاب، وليس لشيء آخر"، طبقاً للمصدر.

وأحدثت تسريبات "العربي الجديد" حالة جدل واسع في الشارع السوري الذي شعر بـ "صدمة" من تخلي الأميركيين عن الحدّ الأدنى لحقوق السوريين، ونقل الملف السوري برمته إلى المربعين الروسي والإيراني الهادفين لإعادة إنتاج النظام لضمان مصالحهما في المنطقة. الأمر الذي دفع بعض أعضاء الائتلاف للظهور عبر وسائل الإعلام والتقليل من خطورة إملاءات كيري.

ويطالب المعارض السوري المستقل محمود حمزة، أبرز قادة المعارضة، بالاستقالة "احتراماً لدماء الشهداء"، ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من المفترض ألا تفاجأ المعارضة بالموقف الأميركي الصريح والسافر، فقد أبلغ جون كيري الهيئة العليا للتفاوض، برسائل حملها من نظيره الروسي سيرغي لافروف".

ويشير إلى أن "اللعبة أصبحت مكشوفة، وأن هناك صفقة أميركية روسية من أول يوم في الثورة السورية لإجهاضها، وتدمير سورية، وتهجير سكّان منها لتغيير ديمغرافيتها، والإبقاء على بشار الأسد ونظامه". ويُعرب عن اعتقاده بأن "إسرائيل هي صاحبة الخطة، وما تقوم به روسيا وأميركا وغيرهما، هو تنفيذ هذه الخطة الصهيونية في قتل السوريين وإبادتهم لأنهم طالبوا بالحرية والديمقراطية".

ويتابع "إسرائيل لن تسمح بقيام مجتمعات ديمقراطية في الشرق الأوسط، لتبقى هي الدولة الوحيدة الديمقراطية حسب المنظور الغربي الحديث. وهناك من يريد تقزيم سورية، وتثبيت الحكم الطائفي في سورية لكي تحفظ إسرائيل هيمنتها على الأسد باعتباره ممثلاً لأقلية، ويحتاج لدعم خارجي وإسرائيل هي خير من يدعمه لأن نظام الأسد خدمها وحمى حدودها على مدى 45 سنة".

ويدعو حمزة إلى "تسليم قيادة الثورة للداخل، وأن تتحوّل الهيئة العليا للتفاوض إلى وزارة خارجية للثورة"، وفق تعبيره. ومن العقبات التي تعترض الطريق إلى جنيف 3، إصرار الجانب الروسي على زجّ نحو 15 شخصية سورية في وفد المعارضة، يمثلون أحزابا وتيارات سياسية سورية، ترى المعارضة السورية أنهم أقرب للنظام، والغاية من وجودهم هي "تعويم" حل سياسي يُبقي الأسد ونظامه، ويشتت شمل الثورة، من خلال الموافقة على تشكيل "حكومة وحدة وطنية" يكون للنظام اليد الطولى فيها.

ويرى المعارض السوري عماد غليون، أنه "ليس أمام وفد المعارضة السورية خيار آخر، غير الذهاب إلى جنيف 3"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "موقف المعارضة ليس قوياً بسبب التغيرات الميدانية لصالح النظام، لذا لا تستطيع الرفض لأن ذلك يجعلها خارج اللعبة تماماً. ولن تستطيع رفع سقف المطالب، ولم تستطع فرض شروط مسبقة للذهاب للتفاوض، وتُشكّل هذه بداية التنازلات المؤلمة العتيدة".

من جهته، يؤكد ممثل حزب "الاتحاد الديمقراطي" السوري الكردي في فرنسا، خالد عيسى أنه "لم تُوجه دعوة رسمية لأي طرف بعد لحضور مفاوضات جنيف". ويكشف في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن "المعارضة السورية ستمثّل بوفدين في اجتماعات جنيف، التي لم تتضح معالمها بعد".

وكانت وسائل إعلام عربية، قد تناقلت أنباء عن توجيه دي ميستورا، دعوة لحضور مفاوضات جنيف لعدة شخصيات سورية، منها رئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي" صالح مسلم، والرئيس المشترك لما يُعرف بـ "مجلس سورية الديمقراطية"، هيثم مناع، وهما محل جدل، بسبب رفض الهيئة العليا للمفاوضات حضورهما ضمن وفدها. كما أعلنت رفضها تدخل أطراف في تشكيلة هذا الوفد إلى مفاوضات جنيف.

اقرأ أيضاً المعارضة السورية "تقاوِم": ضغط أميركي-روسي لمصلحة موسكو والنظام