جنيف 3: النظام يزيد العراقيل أمام المفاوضات

جنيف 3: النظام يزيد العراقيل أمام المفاوضات

12 ابريل 2016
شدد دي ميستورا على ضرورة استمرار الهدنة(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -


لا يشعر النظام السوري بأي حرج عندما يجاهر بانعدام رغبته إزاء إيجاد حلّ سياسي معروفة معالمه التي تبدأ بإنشاء هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية بلا رأس النظام ورموز حكمه، وخارطة طريقه التي تنطلق من مفاوضات جنيف. لا يجد حرجاً في عدم التوجه إلى سويسرا، غداً الأربعاء، بحجة أن لديه استحقاقاً انتخابياً، وهو ما أبلغه رسمياً للموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أمس في دمشق. أكثر من ذلك، يجاهر النظام، من دون أن يجد من يندد على الأقل بتصريحاته، بنيته إلغاء ما تبقى من مفاعيل الهدنة السورية، بإعلان رئيس حكومته، وائل الحلقي، قرب انطلاق معركة "استرداد" حلب عشية بدء جنيف 3. هي حلب التي تمكنت المعارضة السورية المسلحة من تحرير أجزاء واسعة من ريفها الشمالي من يد تنظيم "داعش"، قبل أن تعود وتخسر عدداً من بلداتها ومدنها، ربما كنتيجة سريعة للغارات العنيفة التي تنفذها المقاتلات الروسية والسورية منذ يوم السبت الماضي، ما يؤكد مرة جديدة، أنه ليس من مصلحة النظام في دمشق، ولا موسكو، إظهار فصائل المعارضة السورية كطرف قادر على حسم المعركة في وجه "داعش"، بما أن من شأن ذلك أن ينتزع من يد النظام الورقة الأقوى التي لا يزال يتمسّك بها.
وفي ظل تعنّت نظام بشار الأسد، وإصراره على عدم مناقشة انتقال سياسي يؤدي إلى سقوطه، جاءت زيارة دي ميستورا أمس إلى دمشق، ليظهر النظام من خلالها عدم تعامله بجدية مع المفاوضات، بإصراره على عدم حضورها قبل 15 أبريل/نيسان الحالي، بحجة إجراء الانتخابات التشريعية في 13 منه. وأكد دي ميستورا، بعد لقائه أمس وزير خارجية النظام وليد المعلم، أن "الجولة المقبلة من محادثات جنيف ستكون بالغة الأهمية، لأننا سنركز فيها بشكل خاص على عملية الانتقال السياسي وعلى مبادئ الحكم (الانتقالي) والدستور"، مضيفاً: "نأمل ونخطط لجعلها بناءة، ونعمل لجعلها ملموسة"، ومعلناً أنه اتفق مع الجانب السوري على أن اتفاق وقف العمليات القتالية هش، إلا أنه يجب أن يستمر. في غضون ذلك، كان المعلم يعلن "جاهزية الوفد السوري للمحادثات اعتباراً من 15 الحالي بسبب الانتخابات البرلمانية"، مؤكداً على "الموقف السوري بشأن الحل السياسي للأزمة، والالتزام بحوار سوري وقيادة سورية من دون شروط مسبقة"، كما ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام. وأفادت الوكالة بأن دي ميستورا والمعلم "عرضا الأفكار والجهود المبذولة لإنجاح المحادثات حول الأزمة في سورية المقرر استئنافها خلال أيام في جنيف، وخطة عمل هذه الجولة".


وتعليقاً على هذا الموضوع، يعتبر عضو الوفد الاستشاري لوفد المعارضة السورية إلى المفاوضات، يحيى العريضي، تصريحات المعلم تأكيدا على حالة منفصلة عن الواقع يعيشها النظام، متسائلاً، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "أين هي القيادة السورية التي يتحدث عنها المعلم إذا كانت لا تخطو خطوة واحدة من دون روسيا وإيران، وقامت بتأجير سورية لهما؟"، مشيراً إلى أن النظام هو من وضع شروطاً مسبقة للمفاوضات عندما اعتبر الأسد خطا أحمر. ويرى العريضي أن قرار النظام بتأخير الذهاب إلى المفاوضات يومين، هو "نوع من الاستخفاف بالقرارات الدولية"، متسائلاً: "عن أي انتخابات يتحدثون وأسماء الفائزين فيها معدة سلفا في وقت تذبح فيه سورية؟". وجال الموفد الأممي، الذي وصل اليوم إلى طهران، على عدة عواصم منذ شروعه في جولة مكوكية الخميس للتحضير للجولة الثالثة من مفاوضات جنيف 3 في 13 الحالي، مؤكداً خلال جولته أن التخطيط لعملية الانتقال السياسي في سورية، يمثّل المهمة المحورية للمفاوضات. ويؤكد المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة، رياض نعسان آغا، أن لا تغيير في مواقفها المطالبة بهيئة حكم انتقالية لا وجود للأسد وأركان حكمه فيه، مشيراً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنه لا تعديل على أسماء وفد المعارضة المفاوض في جنيف. وتعليقاً على جولة الموفد الأممي، يقول نعسان آغا إنه لا يستطيع تقييم هذه الجولة وما أنجزه خلالها "قبل أن تظهر النتائج".
ويرى أغلب المراقبين أن هناك انسداداً في الأفق السياسي قد ينسف المفاوضات برمتها، وهذا ما يفسر قيام دي ميستورا بجولته الحالية، إذ بات يخشى أن يخرج كما خرج سلفاه (كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي) خالي الوفاض، ما لم تتدخل قوى دولية لدفع النظام إلى تليين موقفه والدخول في صلب العملية التفاوضية وهو إقرار انتقال سياسي يكون خطوة أولى في اتجاه حل القضية السورية.
ويرى المحلل والمعارض السوري أحمد رياض غنام، أن هناك "أكثر من رؤية وفهم لعملية الانتقال السياسي"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "وفد النظام، وقوى معارضة موسكو وحميميم (القاعدة الروسية في سورية)، وبعض قوى المعارضة المتلونة، تسعى لجعل العملية مجرد شراكة في حكومة وحدة وطنية، وإدخال تعديلات صُورية على الدستور القائم، والتوجّه لانتخابات رئاسية يشارك فيها الأسد".
ويعتبر أن زيارات دي ميستورا الأخيرة للدول المعنية بالصراع السوري "لن تبدل في موقف الفرقاء من عملية الانتقال السياسي، مما يعني أننا أمام مفاوضات بسقوف سياسية متباينة، وبأجندات وسقوف في غاية التباين والاختلاف، ما يؤكد انسداد الأفق السياسي للعملية التفاوضية". ويعتبر أن أي اختراق سياسي سيكون محكوماً بمواقف الأطراف، ومدى قدرتها على الصمود والثبات، أو تقديم المزيد من التنازلات نتيجة الضغوط الدولية والإقليمية التي تمارس على جميع الأطراف.
وبموازاة التعقيدات السياسية التي كان يضعها النظام أمام المفاوضات، كان يعمل أيضاً على التصعيد ميدانياً بهدف إفشالها، وهو ما بدا واضحاً في إعلان رئيس حكومة النظام، وائل الحلقي، أن نظامه يعدّ مع روسيا ما قال إنها "عملية لتحرير حلب" و"التصدي لكل الجماعات المسلحة غير القانونية التي لم تنضم إلى اتفاق وقف إطلاق النار أو تخرقه". وتعليقاً على هذا الأمر، يقول نعسان آغا، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن النظام وروسيا يريدان إنهاء الهدنة، وإفشال الجولة المقبلة من المفاوضات من خلال هذا التصعيد".
وفي السياق نفسه، استفاد تنظيم "داعش" من القصف الروسي وقوات النظام الذي يستهدف قوات المعارضة، ليستعيد السيطرة على بلدة الراعي والقرى المحيطة بها قرب الحدود السورية التركية شمال حلب، أمس، بعد يومين من المعارك العنيفة مع المعارضة التي أفضت سابقاً إلى سيطرة المعارضة على هذه المناطق.

المساهمون