مواجهات تسبق التفاوض السوري: درعا تحرّك الجبهة الجنوبية

مواجهات تسبق التفاوض السوري: درعا تحرّك الجبهة الجنوبية

13 فبراير 2017
معارك عنيفة في درعا تكسر هدوء أشهر(محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -



يبدو الميدان السوري في سباق مع محاولات تثبيت وقف إطلاق النار قبيل مفاوضات جنيف أواخر الشهر الحالي، مع عودة المواجهات بشكل مفاجئ إلى درعا، بعد هدوء لأشهر، بين النظام وحلفائه من جهة، و"غرفة عمليات البنيان المرصوص" من جهة أخرى، ما أثار تساؤلات عدة حول توقيت اندلاع هذه المعركة. ويأتي هذا التصعيد الميداني في موازاة تحركات سياسية حول الملف السوري يشهدها الأسبوع الحالي، تبدأ باجتماع أستانة المقرر يومي الأربعاء والخميس والذي تهدف منه روسيا لإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار بعد تعرضه لخروقات متعددة من النظام السوري والمليشيات الحليفة له، فيما تحاول المعارضة الضغط لوقف الخروقات قبل الاجتماع. يلي ذلك، لقاء بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون في ألمانيا والذي سيتطرق للملف السوري، قبل الوصول إلى مفاوضات جنيف والتي بدأت الأمم المتحدة أمس الإثنين بتوجيه الدعوات لحضورها.

وتتواصل المعارك العنيفة التي تدور رحاها منذ يومين، بين "غرفة عمليات البنيان المرصوص" من جهة، وقوات النظام المدعومة بمليشيات من جهة أخرى، عند أطراف حي السد، المُطل على أحياء مركز محافظة درعا (درعا البلد) أقصى جنوبي سورية.
وقالت وسائل إعلام تابعة للنظام، إن "الجيش سيطر على الموقف القتالي بعد محاولة تسلل لعناصر من جبهة النصرة نحو حي المنشية"، فما قالت فصائل في المعارضة السورية في درعا عن المعركة، التي أطلقت عليها اسم "الموت ولا المذلة"، أنها تأتي كردٍ على استفزازات النظام المستمرة، عبر خروقاته شبه اليومية التي لم تتوقف في درعا منذ شهر ونصف.
وشهد يوم الأحد، أشرس المواجهات بين قوات النظام المتمركزة في حي المنشية، والقوات المنضوية في "غرفة عمليات البنيان المرصوص" التي تضم فصائل إسلامية، وأخرى من الجيش الحر (فرقة 18 آذار، لواء التوحيد، فرقة شهيد حوران)، إذ تقدّمت الأخيرة نحو نقاطٍ كانت خاضعة للنظام على خط الجبهة بين درعا البلد وحي المنشية.
وتحدثت مصادر لـ"العربي الجديد" عن مقتل ثلاثة ضباط من قوات النظام السوري مع مجموعة من العناصر، إثر المعارك في حي المنشية في منطقة البلد في مدينة درعا، بينما سقط نحو عشرة قتلى على الأقل من القوات المهاجمة. في حين ذكر الناشط أحمد المسالمة، لـ"العربي الجديد"، أن قوات "الجيش السوري الحر"، أحرزت تقدّماً في بعض نقاط المواجهات، وأن "قوات النظام تواصل محاولاتها لاسترجاع المواقع التي خسرتها، خلال الساعات الماضية في حي المنشية بدرعا البلد وسط قصف مدفعي وجوّي عنيف".

وتدور تساؤلات كثيرة حول توقيت هذه المعركة المفاجئة، التي أتت بعد هدوء طويلٍ على تلك الجبهات. ويُرجح ناشطون مدنيون في محافظة درعا تحدثت إليهم "العربي الجديد"، أن "الفصائل واجهت في الفترة الأخيرة حملات تخوين من قبل حاضنتها الشعبية، بعد برود جبهات القتال مع النظام، وهي تحت هذا الضغط، وفي حين يبدو أن اتفاقاتٍ دولية تتم هذه الأيام، ودرعا من ضمنها بالتأكيد، فإن الفصائل العسكرية أرادت توجيه رسائل تمرد، برفضها أن تُدرج ضمن تفاهمات قوى إقليمية انضم لها الأردن في الفترة الماضية، ومن بينها تحييد سلاح المعارضة في درعا عن مواجهة النظام، الذي يحاول بدوره أن يعود لمدن وبلدات درعا عبر اتفاقيات مصالحة، يتفرد من خلالها بالمناطق واحدة تلو الأخرى".



في غضون ذلك، تحاول روسيا وتركيا، إنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار في سورية والذي بات يترنح على وقع خروقات لم تتوقف من قوات النظام والمليشيات المساندة لها، منذ دخول الاتفاق حيز التطبيق في الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهي خروقات قوبلت بـ"تراخٍ" روسي، وفق مصادر في وفد الفصائل المسلحة السورية. ومن المقرر أن تلتئم في العاصمة الكازاخية أستانة الأربعاء والخميس، اجتماعات تضم تركيا وروسيا وإيران، الثلاثي الضامن للاتفاق، إضافة إلى المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، وممثل عن الأردن، وآخر عن الولايات المتحدة الأميركية، ووفدي المعارضة والنظام. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس الإثنين، إن القضاء على الإرهاب هو الهدف الرئيسي لكافة القوى الخارجية العاملة في سورية، مشيراً إلى أن روسيا أرسلت قواتها الجوية إلى سورية على هذا الأساس تحديداً، وكذلك توصلت إلى اتفاق مع تركيا وإيران، وحاولت ولا تزال تعمل على التوصل إلى اتفاق مع واشنطن وفق هذا الأساس بالذات. وأعلن أن الاجتماع الجديد في أستانة يومي 15 و16 الحالي، سيعقد في الإطار ذاته، وسيضم ممثلين عن القوى الموجودة على الأرض في سورية والدول الضامنة لاتفاق الهدنة (روسيا وتركيا وإيران) وكذلك دي ميستورا، بالإضافة إلى ممثل عن الولايات المتحدة.
من جهته، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن الهدف من عقد اجتماع أستانة، تثبيت نظام وقف الأعمال القتالية على أساس الاتفاقات التي وقّعت عليها حكومة النظام، وفصائل المعارضة المسلحة، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يحضر اللقاء ممثل عن الولايات المتحدة بصفة مراقب.

وكان اجتماع "فني" قد عُقد في أستانة يوم السادس من الشهر الحالي حضرته الدول الثلاث الضامنة، تركيا وروسيا وإيران، وممثل للأردن، ولم يخرج بنتائج حاسمة حيال اعتماد آليات تدعم تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار. وانسحبت فصائل شاركت في اجتماعات أستانة أواخر الشهر الماضي من اتفاق وقف إطلاق النار، اعتراضاً على استمرار خروقات قوات النظام، وبسبب استهداف الطيران الروسي لمقرات لها، وهي "فيلق الشام" و"صقور الشام" و"جيش العزة". وقال عضو الوفد العسكري في المعارضة النقيب سعيد نقرش، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تناقضاً في تصريحات الروس"، مشيراً إلى أن الروس لم يلتزموا بتعهداتهم حيال اتفاق وقف النار.

وتضغط المعارضة السورية لوقف خروقات النظام لوقف النار قبل الاجتماع، إذ نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في المعارضة قوله أمس إن على النظام السوري تقديم دلائل على حسن النية قبل اجتماع أستانة. من جهته، قال عضو وفد الفصائل السورية المعارضة الرائد عصام الريس، لـ"العربي الجديد"، إنه لم تصل حتى ظهر أمس الإثنين دعوة لوفد الفصائل لحضور اجتماعات أستانة، ولذلك "لم نناقش بعد مسألة المشاركة من عدمها". بينما أكد مصدر في وفد المعارضة السورية الذي حضر اجتماعات أستانة الماضية، أن الفصائل ستشارك في الاجتماعات المقبلة في حال تمت دعوتها "ولكن بوفد فني مصغّر، مهمته تنحصر في مناقشة جوانب تقنية متعلقة بتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بناء على ورقة قدّمها وفد الفصائل في اجتماع أستانة الأول"، مرجحاً أن يرأس محمد علوش هذا الوفد. وأشار المصدر إلى أن تخفيض مستوى المشاركة، رسالة واضحة للروس عن عدم رضى المعارضة السورية المسلحة من أداء موسكو حيال اتفاق رعته، وقطعت على نفسها عهوداً بعدم السماح للنظام باختراقه، ولكنها وقفت متفرجة بل ومساندة للنظام في خرقه، خصوصاً في محيط دمشق. وأشار المصدر إلى أنه منذ إعلان تطبيق الاتفاق، قامت قوات النظام بتهجير سكان منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق، وتواصل محاولات اقتحام الغوطة الشرقية، كما ارتكب الطيران الروسي مجزرة في إدلب، قائلاً إن "هذه أفعال تؤكد أن النظام وحلفاءه غير حريصين على التهدئة لتمهيد الطريق أمام بدء التفاوض في جنيف".
في خضم ذلك، يبدأ وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون خلال الأيام القليلة المقبلة أولى خطواته تجاه الملف السوري، إذ من المتوقع أن يلتقي نظيره الروسي في ألمانيا. وأوضح بوغدانوف، في تصريح صحافي، أمس، أن اللقاء المقبل بين الوزيرين سيتناول مسائل العلاقات الثنائية، والقضايا الدولية، ولاسيما الوضع في سورية، وذلك خلال مشاركتهما في اللقاء الوزاري لمجموعة العشرين المقرر في بون في 16 و17 فبراير، ومؤتمر ميونيخ للأمن المقرر بين 17 و19 الحالي.
وأعرب الدبلوماسي السوري المعارض بسام العمادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "الولايات المتحدة ستغير سياستها حول المنطقة وخصوصاً إيران، ولا شك أن أميركا ستطرح رؤيتها الجديدة للمنطقة، وأهمها تحجيم إيران، وهذا ما سينتج عنه وجه جديد للتحالفات". ولم يبدِ العمادي تفاؤلاً كبيراً حيال مفاوضات جنيف المقبلة، "لأن جنيف نتاج تفاهمات سابقة بين أميركا وروسيا، والآن سيتغير المشهد وستتغير هذه التفاهمات".
وتسبق هذه اللقاءات مفاوضات جنيف، التي أعلن مكتب المبعوث الأممي إلى سورية أمس أن "البداية الرسمية" لها متوقعة في 23 فبراير/شباط الحالي. وكان دي ميستورا قال إنه يتوقع استئناف المفاوضات في 20 فبراير، لكن مكتبه قال أمس إن الموفدين من المتوقع وصولهم "في 20 فبراير أو في وقت قريب من هذا" ليتمكنوا من إجراء "مشاورات مسبقة" معه. وفي رسالة إلى "أسوشييتد برس"، قالت المتحدثة باسم دي ميستورا، يارا شريف، إنه تم إرسال دعوات إلى المشاركين أمس.