"أطباء لحقوق الإنسان" تدعو للتحقيق في تدمير إسرائيل لقطاع الصحة بغزة

"أطباء لحقوق الإنسان" تدعو لتحقيق دولي في تدمير إسرائيل للقطاع الصحي في غزة

26 فبراير 2024
دعوة للتحقيق باستهداف القطاع الصحي كجريمة حرب (كرم حسن/الأناضول)
+ الخط -

أدانت منظمة أطباء لحقوق الإنسان، يوم الأحد، في ورقة، إسرائيل لمطالبتها برفع الحماية عن المرافق الطبية في قطاع غزة، محاولةً منها لتبرير الأضرار الهائلة التي لحقت بها.

وأكدت المنظمة أن مطالب الجيش الإسرائيلي بإخلاء المستشفيات "كانت غير واقعية"، وتشير إلى "تفاوت واضح بين أقوال المتحدث باسم الجيش والأدلة المقدمة". وتعبّر المنظمة عن قلقها البالغ من الضرر الجسيم الذي لحق بنظام الرعاية الصحية، معتبرةً أنه "كان متعمّداً ومنهجياً ومبالغاً به".

وركزت المنظمة في ورقتها على التحليل الشامل للأضرار التي لحقت بالمستشفيات والمرافق الطبية في قطاع غزة، والتي أدت إلى تعرّض الطواقم الطبية والمرضى لأضرار جسيمة. ورفضت المنظمة بشدة ادعاءات إسرائيل برفع الحماية عن المستشفيات، على خلفية المزاعم باستخدامها من قبل حماس لـ"أغراض عسكرية"، مؤكدة أن "هذا لا يبرر إلحاق الضرر الكبير بالمرافق الطبية".

دمار البنية التحتية الصحية

وتسلّط ورقة الموقف الصادرة عن منظمة أطباء لحقوق الإنسان الضوء على الوضع المأساوي الذي ألمّ بنظام الرعاية الصحية في قطاع غزة. وفقاً للبيانات المقدمة من منظمات الصحة العالمية ووزارة الصحة الفلسطينية، فقد لحق الضرر بنحو 142 مؤسسة صحية، بما في ذلك 30 مستشفىً، وتوقف الخدمة في 53 مركزاً طبياً.

وتعكس الأرقام القاتمة والمأساوية حجم الكارثة التي ألمّت بالقطاع، حيث كان هناك فقط 8 مستشفيات قادرة على تقديم الخدمات حتى ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من بين 36 مستشفىً في القطاع، وذلك في ظل صعوبات وقيود متزايدة.

وما يزيد من الصعوبات، النقص الحاد في القوى العاملة الطبية، حيث قتل 326 من أفراد الطواقم الطبية، وأصيب 350 آخرون، واعتقل واحتجز 99 في إسرائيل. وتدهورت البنية التحتية الصحية في القطاع كثيراً، إذ انخفض عدد الأسرّة الاستشفائية من 3500 إلى 1400، ما أدى إلى زيادة نسبة الإشغال في المستشفيات التي لا تزال تعمل إلى 209%.


آثار الهجمات على المرضى والجرحى

تنبّهت ورقة الموقف إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمرضى والجرحى جراء تدمير البنى التحتية الطبية. وبسبب هذه الأضرار الجسيمة، فقد تعثرت قدرة نظام الرعاية الصحية على تقديم الرعاية الطبية اللازمة لهؤلاء المرضى، ما أدى إلى تفاقم الأزمة في مجال الصحة العامة.

  • تأثير الهجمات في مرضى السرطان والكلى

ورد في الورقة تفاصيل مؤلمة، إذ ذكرت أن قصف مستشفى "التركي" لعلاج السرطان سبّب وفاة 10 مرضى، وتُرك مئات آخرون دون علاج لعدة أيام حتى نُقلوا إلى مستشفيات بديلة. ويضاف إلى ذلك إغلاق معبر إيرز، الذي حال دون خروج مئات مرضى السرطان لتلقي العلاج في المناطق المحتلة، ما أضاف إلى معاناتهم.

بالإضافة إلى ذلك، تضمنت الورقة كيف تأثر حوالى ألف مريض بمشاكل الكلى، بمن فيهم 30 طفلاً، بسبب تقليص جلسات غسل الكلى لنقص الوقود والمعدات الطبية.

  • تأثير الهجمات في الجرحى

وفقًا للورقة، فإن قدرات نظام الرعاية الصحية في علاج الجرحى انخفضت بنسبة 70 في المئة منذ ديسمبر/ كانون الأول، حيث توقفت المستشفيات الرئيسية عن العمل. وتوضح كيف أن توقف المستشفيات الرئيسية عن الخدمة أدى إلى مشهد مأساوي، حيث كان الجرحى يموتون على أرض المستشفيات نتيجة نقص حاد في الموارد والمعدات الطبية الأساسية.

وتصف الورقة بالتفصيل الظروف الصعبة التي عملت فيها الطواقم الطبية، حيث كانت تفتقر إلى الماء والمواد التخديرية والمسكنات والضمادات، وكانت النظافة الصحية بمستوى متدنٍّ جداً، بسبب الضغط الهائل على الموارد.

وتسلط الورقة الضوء على مأساة غرف العمليات في مستشفى الأهلي، حيث كانت تحتاج إلى التعامل مع 500 جريح بحاجة إلى عمليات جراحية. وتحدثت عن كيفية إجراء العمليات الجراحية فقط للجرحى الذين كانوا على وشك الموت، في حين عولج مئات الجرحى الآخرين بتنظيف جروحهم دون تخدير أو مسكنات، وفي بعض الأحيان استُخدِم مسحوق الغسيل والخلّ بسبب نقص المعقّمات الطبية الأساسية.

تداعيات الأزمة على الصحة العامة

تفصّل الورقة كيف أن الضغط الكبير على المستشفيات، جنباً إلى جنب مع انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود والمياه النظيفة والمعدات الطبية، أدى إلى تفاقم أزمة صحة عامة خطيرة. هذه الأزمة أظهرت نفسها بوضوح من خلال زيادة حادة في حالات الإسهال بين الأطفال بنسب تفوق المئة مرة عن المعدل الطبيعي، بالإضافة إلى انتشار التهابات الجهاز التنفسي ومشاكل الجلد. 

النقد للمبررات الإسرائيلية للهجمات على البنية الصحية

تنتقد الورقة بشدة الحجج التي قدمتها إسرائيل لرفع الحماية عن المرافق الطبية، محاولة منها تبرير انتهاكاتها للقانون الدولي. يتمركز النقد حول ثلاث نقاط رئيسية:

  1.  مطالب الإخلاء التي لا يمكن تحقيقها: توضح ورقة الموقف أن مطالب الجيش الإسرائيلي بإخلاء المستشفيات قبل استهدافها كانت غير واقعية. وفقاً للمنظمة، لم يتمّ تأمين إجلاء آمن للمرضى والموظفين في 22 طلباً للإخلاء تقدم بها الجيش للمرافق الطبية في شمال قطاع غزة. يُعزى هذا الفشل إلى ظروف القتال التي لم تسمح بتنفيذ الإجلاء بأمان.
  2. تباين التصريحات والأدلة: تسلط ورقة الموقف الضوء على التناقض الكبير بين تصريحات الجيش الإسرائيلي والأدلة المقدمة. على سبيل المثال، في حادثة مستشفى الشفاء بغزة، غيّر الجيش روايته بعد اقتحام المستشفى، حيث تبين أن التقرير الأصلي لم يكن يفيد بوجود مقر رئيسي لحماس تحت المستشفى، بالرغم من التصريحات السابقة. هذا التباين كان حاضراً أيضاً في تصريحات الجيش حول المستشفيات الشمالية لقطاع غزة، حيث لم يقدم أي دليل موثوق به يثبت ادعاءاته.
  3. الاشتباه بالتسبب بالدمار وإلحاق الأضرار بشكل مبالغ به بجهاز الصحة الفلسطيني: على الرغم من ادعاءات إسرائيل باستخدام حماس للمستشفيات لأغراض عسكرية، و"حتى لو افترضنا أن فيها شيئًا من الحقيقة، فإن الادعاءات والأدلة التي قدمتها لا تبرر حجم الدمار الذي لحق بنظام الخدمات الطبية. فعلى سبيل المثال، تدعي ورقة الموقف أن احتجاز حماس للمختطفين الإسرائيليين في بعض المستشفيات يُعدّ جريمة حرب ويجب التحقيق فيه على اعتباره كذلك، لكن هذا لا يكفي لتبرير حجم الدمار الذي لحق بالمستشفيات التي احتُجِز المختطفون فيها، وباقي المستشفيات الأخرى بشكل عام".

ومما جاء في ورقة الموقف أن "عبء الإثبات يقع على عاتق إسرائيل في كل مرة تقوم فيها بمهاجمة مرفق طبي. ومن أجل تبرير مثل هذا الهجوم الشامل والمنهجي غير المسبوق على نظام الرعاية الصحي، سيكون مطلوباً تقديم أدلة قوية ودامغة تدل على وجود نشاط عسكري في كل مرفق وعلى تورط جهاز الرعاية الصحي بأكمله".

وتخلص الورقة إلى أنّ "التدمير الكامل الذي لحق بالمستشفيات والأضرار التي لحقت بالطاقم الطبي والمرضى والنازحين يشهدان على وجود فجوة بين التهديد -الحقيقي و/أو المتصوّر- الذي واجهه الجيش الإسرائيلي، وبين ردّه عليه، وينبغي التحقيق في هذه الفجوة كجريمة حرب".

المساهمون