إدمان الإنترنت... قصّر يعيشون بعالم افتراضي في الصين

إدمان الإنترنت... قصّر يعيشون بعالم افتراضي في الصين

29 يونيو 2023
يبدو منغمساً في ألعاب الفيديو (ميغيل كانديلا/ Getty)
+ الخط -

أشار تقرير حكومي إلى أن 191 مليون مستخدم للإنترنت في الصين تتراوح أعمارهم بين 6 و18 عاماً. ويمثل الرقم 96 في المائة من سكان البلاد لهذه الفئة العمرية التي تصنّف على أنها دون السن القانونية. ولطالما كان إدمان الإنترنت مشكلة رئيسية بين المراهقين في الصين، وعُدّ سبباً في تدهور البصر، وضعف اللياقة، والأداء الأكاديمي، ما دفع السلطات إلى اتخاذ تدابير مختلفة، بما في ذلك تقليص وقت اللعب، وتحديد الفئة العمرية المسموح لها بالوصول إلى التطبيقات الخاصة بتحميل ألعاب الفيديو
وأظهر التقرير الصادر عن مركز معلومات شبكة الإنترنت، أن القصّر في المناطق الريفية يقضون وقتاً أطول على الشبكة العنكبوتية من نظرائهم في المناطق الحضرية، بسبب عدم وجود مراقبة من قبل المدارس وأولياء الأمور، وأن انتشار الإنترنت بين قصّر الريف كان أعلى بنحو 1 في المائة من مثيله في المناطق الحضرية. كما أن معظم القصّر في المناطق الريفية يستخدمون الهواتف الذكية للوصول إلى الإنترنت في الغالب لأغراض الترفيه، بينما يستخدم أولئك الموجودون في المدينة أجهزة رقمية أخرى، مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والأجهزة اللوحية، والساعات الذكية، وذلك للدراسة والتصفح العام.
تشو جين، والد طفل يعاني من إدمان الإنترنت، يعمل في العاصمة بكين، بينما يعيش ابنه البالغ من العمر تسعة أعوام مع جده في منطقة ريفية جنوب البلاد، منذ أن انفصل والداه قبل ثلاث سنوات. يوضح في حديث مع "العربي الجديد" أن ابنه يقضي نحو ثلاث ساعات في تصفح الإنترنت عبر هاتف جده المحمول خلال أيام الأسبوع، وأكثر من خمس ساعات خلال الإجازة الأسبوعية (يوما السبت والأحد) والعطلات الرسمية. ومعظم الوقت، يتصفح منصات مقاطع الفيديو القصيرة، ويمارس بعض ألعاب الفيديو، مشيراً إلى أنه لا يستطيع النوم من دون أن يستمع إلى موسيقى وأغنيات محددة، أو يحمل الهاتف في يده. 
ويقول جين إنه يشعر بالأسف للحالة التي وصل إليها ابنه، ويعتقد بأنه يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، بسبب ظروف عمله التي تحتم عليه العيش بعيداً عن العائلة. يضيف أنه يخشى من تداعيات إدمان الإنترنت على صحة ابنه العقلية والنفسية، وقد لاحظ خلال العام الماضي عدم اختلاطه بالناس والأطفال من حوله، ورغبته في البقاء منعزلاً عن الآخرين.

الصورة
تستخدم الهاتف ساعات طويلة (Getty)
تستخدم الهاتف ساعات طويلة (Getty)

في توصيف حالة إدمان الإنترنت بين القصّر وتداعياتها الاجتماعية والصحية، يقول الخبير في الصحة النفسية لو يانغ، في حديث لـ "العربي الجديد": "من المهم أولاً الإشارة إلى أن هناك فجوة كبيرة في معدلات انتشار الإنترنت بين القصّر في المناطق الحضرية والريفية، الأمر الذي يعكس بشكل أساسي دور الوعي الاجتماعي في تقنين وضبط سلوك الأبناء". 
يضيف: "تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 40 في المائة من مستخدمي الإنترنت دون السن القانونية في المناطق الريفية لا يعيشون مع والديهم، وما يزيد بنحو 20 في المائة عن الوضع في المناطق الحضرية. وهذا يعني أن نسبة كبيرة من أطفال الريف تستخدم الإنترنت من دون إشراف أو رقابة من الآباء والأمهات". 
يتابع: "من المؤسف أن منصات مقاطع الفيديو القصيرة أصبحت إحدى القنوات الرئيسية للقصّر للحصول على المعلومات ومتابعة الأحداث الاجتماعية والتطورات في البلاد، وهي قنوات غير موجهة للأطفال على وجه الخصوص. لذلك، لا شك أن لجودة محتواها تأثيرا كبيرا على أفكار القصّر. فنصف المستخدمين من صغار السن يحصلون على معلومات حول الأحداث الاجتماعية الكبرى من خلال مقاطع الفيديو القصيرة والمنصات الشهيرة، مثل منصة دوين، وهي نسبة أعلى بكثير من تلك الموجودة في مختلف المواقع الإعلامية الرسمية التي تخضع لرقابة مباشرة وشديدة من الدولة. كما أن مستخدمي الإنترنت دون السن القانونية لا يملكون وعياً كافياً لتحديد مصادر المعلومات عبر الإنترنت، وبالتالي فهم عرضة للوقوع في مخاطر كثيرة".
وفي ما يتعلق بالمخاطر، يقول يانغ إنها "تتعلق بالاحتيال الإلكتروني، وتسريب المعلومات، والشائعات، والعنف، وغيرها من الظواهر السلبية. أما الأخطر، فهي التداعيات الصحية والنفسية والاجتماعية، مثل الميل نحو العزلة، والعيش في عالم افتراضي، فضلاً عن الأضرار التي تتعلق بضعف البصر، وضمور الكتلة العضلية، وحتى تلف بعض خلايا الدماغ". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويلفت إلى أن "للعائلات تأثيراً كبيراً على توجيه القصّر، وتعد الأسرة المكان الرئيسي للقصّر للاتصال بالإنترنت، وتؤثر الطريقة التي يدير بها الوالدان أبناءهم بشكل مباشر على سلوكهم وعاداتهم". يضيف: "في ظل العصر الراهن الذي يشهد انتشاراً واسعاً للإنترنت وسهولة الوصول إلى المعلومة، أصبح القصر عبيداً للتكنولوجيا، وأصبح الإنترنت أمراً لا غنى عنه في حياتهم اليومية. لذلك، يتوجب على الحكومة والمدرسة والأسرة والمجتمع وجميع المؤسسات الأهلية أن يعملوا معاً للامتثال لقوانين تطوير المجتمع الرقمي، واستخدام مناهج متعددة لحماية النمو الصحي للأجيال الجديدة". 
وكانت الإدارة المركزية للفضاء الإلكتروني في الصين قد أطلقت العام الماضي، حملة وطنية على مستوى البلاد، لتقليل نسبة مستخدمي الإنترنت القصّر. وفي وقت سابق، وصفت صحيفة تديرها الدولة ألعاب الإنترنت بـ "الأفيون الروحي" للمراهقين. وعلى الرغم من القواعد الصارمة، لا يزال العديد من الأطفال قادرين على الوصول إلى المنصات الإلكترونية باستخدام حسابات آبائهم، لتجاوز الضوابط الخاصة بعمر المستخدمين.

المساهمون