الصيد البري... جزائريون يعيدون الحياة إلى الغابات

الصيد البري... جزائريون يعيدون الحياة إلى الغابات

10 ابريل 2021
تضررت أرزاق العديد من المزارعين (Getty)
+ الخط -

 

أتاح استقرار الأوضاع الأمنية في الجزائر الفرصة مجدداً للصيادين للعودة إلى ممارسة هواية الصيد في الغابات، بعد حظرها لأسباب أمنية. وكان وجود الصيادين في الغابات يشكل خطراً على حياتهم بسبب تمركز الجماعات المسلحة في الغابات قبل عام 2005. من جهة أخرى، أدى التوقف المؤقت لنشاط الصيد إلى انتشار الخنازير وغيرها من الحيوانات التي تهاجم الحقول والمزارع وحظائر المواشي، وتلحق أضراراً بممتلكات المزارعين. واقع جعل بعض الحيوانات، كالخنازير، قادرة على الوصول إلى وسط المدن والبلدات بعدما وجدت الأمان فيها. إلا أن عودة الصيد بعد استقرار الأوضاع الأمنية جعلت المزارعين يتنفسون الصعداء. 

وفي الوقت الحالي، تُنظّم رحلات الصيد البري استجابة لنداءات المزارعين الذين أنهكتهم الأضرار الكبيرة بالمحاصيل الزراعية والبساتين بسبب الخنازير. بالتالي، تستهدف رحلات الصيد هذه القضاء على الخنازير. ويدعو المزارعون جمعيات الصيادين من مختلف المناطق، إلى تنظيم رحلات صيد في محيط مزارعهم وحقولهم في المناطق الجبلية على وجه خاص، حيث يجري وضع خطط ميدانية لمحاصرة الخنازير والقضاء عليها. 

وشجعت السلطات، عبر برامج تلفزيونية، الصيادين على ممارسة هوايتهم في إطار جمعيات لتنظيم عمليات الصيد. وفي عام 2008، أسس علي لحسن جمعية الصيادين، وتضم عشرات الصيادين من مختلف المحافظات المحاذية للجزائر العاصمة، وتتولى التنسيق في ما بينهم لتنظيم رحلات صيد في الغابات الواقعة في ولاية تيبازة والعاصمة. يقول لـ"العربي الجديد"، إن فكرة تأسيس الجمعية راودته منذ سنوات طويلة خلال عمله في صفوف الجيش الوطني الشعبي. ونتيجة لانخراطه في مجموعات الدفاع الذاتي (مجموعات سلحتها السلطات للمساعدة في مكافحة الإرهاب خلال تسعينيات القرن الماضي)، كان يمضي جل وقته في الغابات والجبال، ويلتقي بالعديد من الصيادين، الذين كانوا ينظمون رحلات صيد جماعية في الولاية الذي يقطن فيها وغيرها من الولايات القريبة. 

وانطلاقاً من الالتزم بالشروط والقواعد التي حددتها السلطات، وتلافي العديد من المشاكل والعراقيل التي قد تصادف الصيادين، بدأ التفكير بجدية بإطار قانوني يمكن العمل من خلاله، ويكون عبارة عن هيئة لتسهيل مهمات الصيادين والدفاع عن حقوقهم. ومن بين العراقيل عدم السماح بالصيد إلا بعد الحصول على ترخيص من سلطات الولايات. "ففي حال الصيد من دون ترخيص، نلاحق من قبل أعوان حراسة الغابات والثروة الحيوانية البرية الذين لا يتسامحون مع الصيد العشوائي والدفاع عن الحقوق". في البداية، كانت الجمعية تضم صيادي ولايتي تيبازة والبليدة لتتوسع لاحقاً حتى باتت تشمل صيادي محافظة الجزائر العاصمة. يقول لحسن: "ننسق في ما بيننا عبر صفحات التواصل الاجتماعي لنختار المكان المناسب للصيد بحسب المناخ والظروف المحيطة بالمنطقة".

من جهته، يشكو الصياد علي من صعوبة الحصول على البارود، لافتاً إلى أنها إحدى أبرز المشاكل التي تواجه الصيادين في الوقت الحالي بسبب الإجراءات الأمنية التي تتبعها السلطات، ما يدفع بعضهم في الكثير من الأحيان إلى اعتماد الوسائل غير القانونية من أجل الحصول عليه، إذ لم تسمح الظروف الأمنية التي مرت بها البلاد بوجود محال خاصة لبيع البارود ومعدات الصيد على غرار بلدان أخرى. كما أن شراء أو حيازة بنادق الصيد تخضع لإجراءات قانونية وإدارية معقدة، ويتطلب الحصول على ترخيص من السلطات المعنية وقتاً طويلاً، الأمر الذي حال دون ممارسة الكثير من الصيادين هوايتهم.

وتتطلب عمليات الصيد البري الكثير من التنسيق بين المجموعات التي توزع في الغابات أو محيط الصيد (عبارة يستخدمها الصيادون)، من أجل تجنب الحوادث والإصابات وضمان الإطاحة بأكبر عدد من الخنازير أو الأرانب أو الحجل البري. وتوضع خطط مسبقة قبل الدخول إلى الغابة، مع الاستعانة بالكلاب المدربة على منطقة الصيد. ومهمة هذه الأخيرة إيقاظ وإخراج الحيوانات المستهدفة من جحورها ودفعها نحو مجال الرمي كما يسمى. 

في المقابل، يخشى بعض الخبراء والمعنيين بالبيئة من أن يؤدي الصيد إلى تهديد الثروة الحيوانية بالانقراض، في ظل استمرار صيادين في اصطياد الأرنب البري والحجل وبعض الحيوانات البرية خارج الأوقات التي تحددها السلطات الوصية. فهذه الأخيرة تمنح الضوء الأخضر لعمليات الصيد بدءاً من شهر سبتمبر/ أيلول وحتى فبراير/ شباط. وبعد هذا الشهر، يبدأ موسم التزاوج والولادة ويمتد حتى أغسطس/ آب. وكل رحلات الصيد خارج هذه الفترة تؤثر بشكل كبير على الثروة الحيوانية. ففي حال اصطياد أنثى الأرنب أو الحجل البري وهي حامل أو لديها صغار في الجحر، سيموت الصغار جوعاً. ويؤكد أن بعض السلالات أصبحت تتناقص من عام إلى آخر وقد تنقرض في حال استمرار الصيد العشوائي.  

وتحرص جمعيات الصيادين والسلطات على توعية الصيادين بهذه الأساسيات البيئية وضرورة احترام مواعيد الصيد. وتتولى شرطة الغابات القيام بدوريات في الغابات لتطبيق ذلك. في هذه السياق، يؤكد الناشط البيئي محمد عواد، وهو أحد هواة الصيد المعروفين على مستوى منطقة مراد، التي تبعد 105 كيلومترات غربي العاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد"، أنه أحب هواية الصيد منذ صغره متأثراً بالرحلات التي كان يقوم بها مع والده. ويحرص في الوقت نفسه على حماية البيئة والغابات والحيوانات واحترام المنظومة البيئية التي تقوم عليها الحياة البرية، وضمان تكاثر الحيوانات. وأصبح ينظم بعض التجمعات لصيادي المنطقة للقيام برحلات صيد على مستوى الغابات الواقعة على الحدود مع محافظة عين الدفلى، غربي الجزائر. هذه الأخيرة معروفة بالتنوع الكبير في الثروة الحيوانية والنباتية. كما تنظّم دورات لتعليم الصيادين كيفية التعامل مع الأسلحة وكلاب الصيد والحيوانات المستهدفة في الصيد، مع التعريف بأهم القوانين التي تضبط هذه العمليات للالتزام بها والتدرب على الرماية الصحيحة.  كذلك، نجحت جمعيات الصيادين في الترويج للسياحة الجبلية من خلال التعريف ببعض المناطق السياحية التي يمكن أن تتحول إلى وجهة سياحية للعائلات، خصوصاً خلال فصلي الربيع والصيف. وقامت جمعية الصيادين على مستوى بلدة بوجبرون الجبلية، بتنظيم مخيم أتاح للعائلات وهواة السياحة الجبلية من مختلف البلديات والمحافظات الاحتفال بما جناه الصيادون، قبل بدء الشواء وتناول العشاء في الهواء الطلق.  

المساهمون