ليبيا: أزمة السكن تزيد معاناة النازحين

ليبيا: أزمة السكن تزيد معاناة النازحين

09 اغسطس 2022
غياب الأمن يمنع عودة النازحين الليبيين (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

لازالت آثار الحرب تلقي بتبعاتها على آلاف المواطنين الليبيين رغم توقفها منذ قرابة العامين، ومن بين آثارها الواضحة استمرار ظاهرة النزوح، وعدم قدرة عشرات الأسر النازحة على العودة إلى منازلهم، سواء لكونها مدمرة، أو لأسباب أمنية.
وتسبب استمرار النزوح في تفاقم ارتفاع إيجارات المساكن، خصوصاً في العاصمة طرابلس ومدن ليبية كبرى، من بينها بنغازي ومصراته والزاوية، وكلها تعاني من أزمة سكن فعلية لم تتمكن السلطات الرسمية من وضع ترتيبات للتغلب عليها، أو إيجاد حلول لها.
اضطر مصطفى المنصوري إلى النزوح من مدينة درنة (شرق)، إلى العاصمة طرابلس، بعد الحرب الدامية التي شهدتها منطقته، وهو حالياً يعاني من عدم قدرته على سداد إيجار بيت يسكنه منذ أربع سنوات في حي بلخير بالعاصمة، بعد أن رفع صاحب البيت قيمة الإيجار أكثر من مرة.
يقول المنصوري لـ"العربي الجديد": "كان شقيقي الأصغر أحد المشاركين في مقاومة المليشيا المسلحة التي سيطرت على المدينة، وبسبب استمرار سيطرتها هناك، أصبح كل فرد من أفراد عائلتنا مطلوباً لتلك المليشيا".
بعد ارتفاع إيجار البيت الذي لا يتناسب مع دخله الشهري، اضطر المنصوري إلى الانتقال إلى بيت أصغر، ويقول: "على مدار أكثر من سنة، كنت أحصل على إعانات من جمعيات خيرية ساعدتني على دفع الإيجار، لكن تكرار رفع قيمة الإيجار دفعني إلى الانتقال إلى بيت صغير لا تكفي عدد غرفه أفراد أسرتي، لكن لا خيارات أخرى لدي".
تشير الباحثة الاجتماعية حسنية الشيخ، إلى أن عدد سكان ليبيا يزيد عن ستة ملايين نسمة، وأنهم يتركزون في المدن الكبرى، موضحة أن العاصمة طرابلس وحدها يقطنها قرابة ثلاثة ملايين نسمة، وفي بنغازي قرابة المليون، وأعداد قريبة موزعة بين مصراته والزاوية، وأقل منها في مختلف المناطق الأخرى.
وتؤكد الشيخ لـ"العربي الجديد"، أن "البلاد تعيش أزمة سكن منذ فترة طويلة، لكنها تفاقمت بشكل كبير لأسباب عديدة، أبرزها الحرب والخلفيات السياسية، لكن هناك أسباب أخرى من بينها دمار منازل كثير من الأسر، وهجرة الكثيرين من الأرياف إلى المدن الكبيرة بسبب ندرة الخدمات فيها".

الصورة
الصراعات المسلحة لازالت تهدد حياة الليبيين (محمود تركية/فرانس برس)

تذكّر حسنية الشيخ بهجوم الأهالي على المشاريع السكنية غير المكتملة أثناء ثورة فبراير 2011، وتقول: "حين شعر الناس بضعف النظام، اقتحموا تلك المشاريع، ونقلوا إليها متاعهم وأسرهم، رغم أنها لم تكن مكتملة، وهذا دليل واضح على أزمة السكن التي تعاني منها البلاد منذ عقود". وتحذّر من مخاطر تأزم ملف السكن، مطالبة السلطات بضرورة العمل على حلحلته، وتضيف: "من الممكن، كخطوة أولى، صرف إعانات مالية للنازحين حتى يتمكنوا من دفع الإيجارات، أو العمل على توفير مساكن جاهزة لهم، لكن ترك الحبل على الغارب سيفاقم المشكلة القائمة".
وبدلاً من النظر في أوضاع النازحين، وحلحلة أزمة السكن، تداولت وسائل إعلام حكومية الأخبار حول لقاء مسؤولين حكوميين برجال أعمال وشركات كبرى لدراسة إطلاق مشاريع مدن ذكية توفر فرص السكن للشباب والمتزوجين الجدد.
يصف المسؤول في جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان الحكومي، ربيع الهوني، هذا الأمر بأنه "تفكير غير مسؤول"، معتبراً أن "الحديث عن مدن ذكية مرحلة لا تزال بعيدة عن الواقع الليبي الذي يتطلب حلولاً عاجلة لأزمة السكن".

ويضيف الهوني لـ"العربي الجديد": "لدينا آلاف النازحين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى مساكنهم المتضررة من الحرب في جنوب طرابلس، وهناك أيضاً مئات الأسر المهجرة من مدنها قسراً، وهؤلاء سيفترشون الأرض ويتغطون بالسماء إذا استمرت أزمة السكن".
من جهته، يتحدث المواطن مصطفى المنصوري عن اضطرار بعض الأسر النازحة إلى السكن في بنايات غير مكتملة، ويقول: "هذا الأمر معروف للرأي العام، فهناك أسر اضطرها ارتفاع الإيجارات إلى اللجوء إلى المشاريع السكنية المتوقفة منذ عقود، وإجراء إصلاحات في الشقق لسكنها رغم عدم توفر البنى التحتية فيها، وعدم وجود أي مرافق".
وتعلق حسنية الشيخ: "الوضع مزعج، خصوصاً لو تحولت هذه المشاريع السكنية إلى تجمعات للنازحين، وقد تضطر الأسر للعيش فيها لسنوات، وظروف نشأة الأطفال فيها ستكون تبعاتها مأساوية، سواء على المستوى النفسي أو السلوكي".

المساهمون