ماجد شنكالي: تهالك النظام الصحي في العراق ينذر بالخطر

ماجد شنكالي لـ"العربي الجديد": تهالك النظام الصحي في العراق ينذر بالخطر

07 مايو 2023
تدعم لجنة الصحة البرلمانية الكشف المبكر عن السرطان في العراق (العربي الجديد)
+ الخط -

يؤكد رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي ماجد شنكالي على تردي الواقع الصحي في البلاد، ويكشف في لقاء مع "العربي الجديد"، عن مخصصات مالية كبيرة للقطاع في موازنة 2023، وعن نسب الأدوية المنتجة في العراق قياساً بالحاجة، وكمية ما يدخل عبر التهريب، مشيراً إلى ملف فساد كبير في القطاع الصحي حدث خلال جائحة كورونا.

كيف تقيمون الواقع الصحي في العراق حالياً؟

الواقع الصحي العراقي متهالك نتيجة تراكمات وإخفاقات وفساد على مدار عقود، وهناك مشاكل تزيد الوضع تعقيداً، أولها قلة مخصصات القطاع الصحي قياساً بالمطلوب، ما ينعكس سلباً على الخدمات المُقدمة، ويجعل الكثير من المواطنين يفضلون القطاع الخاص. إضافة إلى قلة عدد المستشفيات قياساً بأعداد السكان، حتى أن المستشفيات القائمة لا ترقى إلى مستوى الطموح، كما أن هناك أسباباً سياسية تعطل تطوير القطاع، إذ إن بعض القيادات اختيروا وفقاً لمبدأ المحاصصة، ويتعرض وزير الصحة لضغوط كبيرة حين يحاول تغيير أحدهم، وتصل الأمور أحياناً إلى حد منعه، ولا ننسى أن غياب العقوبات الرادعة تجاه المقصرين في المستشفيات الحكومية يشجع كثيرين على عدم القيام بواجباتهم، على عكس ما يجري في القطاع الخاص.

ما حجم مخصصات القطاع الصحي بالموازنة، وكم يحتاج ليكون مناسباً لواقع الحال؟

طلبت وزارة الصحة 19 ترليون دينار (15 مليار دولار)، بينما خصصت الحكومة فقط ما يقارب 10 ترليونات دينار (7.5 مليارات دولار)، ورغم أن هذا الرقم هو أعلى تخصيص مالي لقطاع الصحة في تاريخ العراق، لكنه ليس كافياً، فلدى الوزارة أكثر من 220 مستشفى، ومئات المراكز المتخصصة، وأكثر من 625 ألفاً من الكوادر البشرية، وبالمقابل لا تسمح الواردات لها بتمويل نفسها. القطاع بحاجة إلى 15 مليار دولار سنوياً لتطوير النظام الصحي، وعدد السنوات المطلوبة لتحقيق ذلك يعتمد على حجم ما يخصص للمشاريع.

ما تقييمكم لقانون الضمان الصحي الذي تعتزم الحكومة تطبيقه هذا العام؟

ننتظر أن يبدأ تطبيق قانون الضمان الصحي قبل أغسطس/ آب المقبل، وستكون البداية بـ10 في المائة من المشمولين من الموظفين وعوائلهم في العاصمة بغداد، ثم يتوسع تباعاً، وسيبدأ بالأجنحة الخاصة في المستشفيات الحكومية ودائرة التمريض الخاص، والمؤسسات التي تقدم الضمان الصحي ستتسلم مبالغ تساعدها على تأهيل مرافقها وتطوير إمكانياتها. لجنة الصحة النيابية لديها ملاحظات على بعض بنود القانون، لكن لمعالجتها يجب انتظار البدء بتطبيقه، لأن التعديلات ستؤخر الشروع به، ومن بين الملاحظات عدم وجود رئيس لهيئة الضمان الصحي، وإنما مجلس إدارة فقط، ونعتقد أن أي هيئة تحتاج إلى رئيس له صلاحيات تنفيذية، ومن الممكن بعد بدء التطبيق أن نكتشف ملاحظات أخرى. أما الإيجابيات، فإن الضمان الصحي إذا طبق وفق ما ورد في قانونه، فسيتكفل بدفع 90 في المائة من معاينات المرضى، و50 في المائة من كلفة الأدوية، و80 في المائة من كلفة العمليات الجراحية. 

تعاني وزارة الصحة من قلة الكوادر، فأين يكمن الخلل؟

الخلل الأساسي في مخرجات التعليم العالي، فالجامعات لا تضبط إيقاعها على حاجة وزارة الصحة، لذا نجد فائضاً في تخصصات، وشحاً في أخرى؛ لدينا مثلاً 15 ألف طبيب أسنان زائد، وعدد مماثل من خريجي الصيدلة، فيما هناك نقص بالأطباء والكوادر التمريضية المتخصصة في العناية المركزة، ولا يمكننا تجاهل أن القطاع الصحي الخاص يعتاش على القطاع العام، وما تفتقده من خدمة لدى طبيب القطاع الحكومي قد تجد الطبيب ذاته يوفرها خلال عمله في القطاع الخاص. مع الشروع بتطبيق الضمان الصحي يجب أن يتم تشريع قانون يمنع الأطباء والكوادر من الجمع بين العمل بالقطاعين العام والخاص، ويمنح من يبقون في القطاع العام رواتب مجزية، وخاصة أن الضمان الصحي يوفر التمويل.

كم نسبة وكلفة ما يستورده العراق من أدوية قياساً بالإنتاج المحلي، وما رأيكم بمشروع توطين الصناعة؟

ننتج ما بين 10 و15 في المائة من حاجتنا من الدواء، والباقي يتم استيراده، ويكلف الاستيراد نحو 3 مليارات دولار سنوياً، ونعول على مشروع توطين الصناعة الدوائية الذي أطلقته الحكومة لتأمين الحاجة المحلية كاملةً، ونتوقع في حال مضت الأمور كما هو مخطط لها أن يتمكن العراق من إنتاج 50 في المائة من حاجته الدوائية خلال 5 سنوات. ولضمان أن تكون أسعار الأدوية المحلية مناسبة، يجب تقليل الضرائب المفروضة على استيراد المواد الأولية، كما يجب ألا يتم منع استيراد بدائل الأصناف المنتجة محلياً قبل أن تتمكن من تغطية حاجة البلاد، وتطبيق قرار مجلس الوزراء بمنعها يجب أن يطبق فقط على الأصناف المحلية التي تكفي السوق المحلي، وبحسب تقديراتنا، فإن 70 في المائة من الأدوية المستوردة تدخل بشكل غير رسمي، فيما البقية مُسجلة.

يشتكي عراقيون من عدم فاعلية الدواء المستورد من بعض البلدان، ورغم ذلك يستمر استيراده؟

يجب على وزارة الصحة، ممثلةً بالمركز الوطني للرقابة والبحوث الدوائية، تحديد شركات الأدوية العالمية التي يسمح باستيراد منتجاتها، وألا يفتح الباب على مصراعيه لجميع الشركات، وهذا سيضمن جودة الأدوية المستوردة، كما يجب أن يتم الاتفاق مع تلك الشركات على منح القطاعين الحكومي والخاص رخصاً لمنتجاتها دعماً لمشروع توطين الأدوية، وضمان توفير أصناف تتمتع بالفاعلية اللازمة، وحقيقة استمرار دخول الأدوية بشكل غير مسيطر عليه لا يتوقف على قلة الفاعلية فقط، بل له مخاطر جمة على صحة العراقيين.

هل تتمتع الأدوية المنتجة حالياً في العراق بالمواصفات القياسية العالمية؟

المعامل والمصانع الحكومية والخاصة تنتج أدوية مطابقة للمواصفات، وبدأت في الآونة الأخيرة توسيع نشاطها عبر خطوط إنتاج جديدة لأدوية السرطان، ويجب أن يستفيد العراق من تجارب دول الجوار، كالأردن الذي ينتج 70 في المائة من حاجته الدوائية، ومصر وتونس اللتين تجاوزتا 80 في المائة. لجنة الصحة النيابية تعمل بالتعاون مع وزارة الصحة حالياً على إعداد مشروع قانون الهيئة العراقية للغذاء والدواء، لتكون المعنية بمنح الرخص والموافقات لكل ما يدخل من غذاء ودواء إلى العراق.

كيف تنظرون إلى التحديات البيئية في العراق، ولماذا تبدو خطط المعالجة متأخرة؟

تحديات الملف البيئي في العراق تتطلب جعل وزارة البيئة وزارة سيادية مثل وزارات المالية والتخطيط لتمكينها من مواجهة تحديات التلوث والتغير المناخي، ومن أكبر أخطاء السنوات الأخيرة، دمج وزارة البيئة في وزارة الصحة عام 2015، وتم ذلك بقرار نيابي بناءً على طلب حكومي، ما أخّر تحقيق تقدم في مواجهة التحديات، ومع قدوم الحكومة الحالية، جرى فصل البيئة في وزارة مستقلة استجابة للمطالبات، ونتيجة تعاظم تحديات التغير المناخي.

على أرض الواقع، يظل وجود مصانع وصناعات نفطية في مناطق مأهولة بالسكان يمثل خطراً كبيراً لما له من أضرار بيئية. ينبغي أن يخضع كل مشروع لتقييم الأثر البيئي، لكن هذا غير قائم في العراق، وبعض الوزارات المعنية غير متعاونة مع وزارة البيئة، فالشركات التابعة لوزارة النفط تمنع دخول فرق وزارة البيئة رغم أن الصناعة النفطية في صدارة أسباب التلوث، والعراق يصنف كخامس أكثر دول العالم تأثراً بالتغير المناخي، وبحسب اتفاق باريس للمناخ الموقع في سنة 2015، يفترض بالدول المتقدمة أن تقدم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية المتأثرة كتعويضات، والعراق لم يتحرك كما يجب للحصول على أي أموال. في المقابل، خصصت موازنة 2023 ميزانية لكل وزارة معنية بملف التلوث لتنفيذ مشاريع وتدابير سريعة لتقليل أثاره، وصولاً إلى الحد منه نهائياً.

كيف تنظرون لشكاوى نزلاء سجون عراقية حول انعدام الرعاية الصحية، وهل تنفذون زيارات مفاجئة للسجون؟

واقع السجون من ناحية الرعاية الصحية غير إنساني، ومستوى الغذاء أيضاً سيئ للغاية، وهنالك شبهات فساد في هذا الملف، ونعمل مع لجنة حقوق الإنسان النيابية على تنفيذ زيارات مفاجئة للاطلاع على الأوضاع والوقوف على ما يجري هناك، كما ندعو وزارتي العدل والصحة للتعاون معنا في معالجة هذا الملف.

حسب معلوماتكم، ما الأمراض أو الأسباب الأكثر إحداثا للوفيات في العراق؟

قد يظن كثيرون أن أبرز أسباب الوفيات هي الأمراض، بينما أكثر الوفيات في العراق ناجمة عن حوادث الطرق، وبفارق كبير عن بقية المسببات، وبعدها تأتي الأمراض المزمنة، ثم أمراض الأطفال، وخاصة في السنة الأولى من العمر.

أقرت وزارة الصحة بتأخر الكشف عن الأمراض السرطانية، فما سبب ذلك؟

هذه مشكلة حقيقية، وتتسبب بزيادة الوفيات المرتبطة بالسرطان، لدينا فقط مراكز للكشف المبكر عن سرطان الثدي، بينما نفتقر لمراكز مماثلة للأنواع الأخرى، وبالتالي يتأخر الكشف حتى وصول المصاب إلى المرحلة الثالثة أو الرابعة، ما يجعل إمكانية الشفاء محدودة، وعقدت لجنة الصحة النيابية اجتماعاً مع مسؤولين في دائرة التخطيط بوزارة الصحة، وطلبنا منهم إعداد دراسة لإنشاء مراكز للكشف المبكر عن أنواع السرطان الأكثر شيوعاً في كل محافظات البلاد.

ما أكبر ملفات الفساد المرتبطة بقطاع الصحة التي تتابعها لجنتكم النيابية؟

هناك ملفات حول شبهات فساد في عقود شراء الأدوية، وخاصة خلال فترة جائحة كورونا، لأنه جرى خلالها منح استثناء من ضوابط شراء الأدوية، وتحقق هيئة النزاهة حالياً في عدد من عقود هذه الفترة، كما ندقق في منح إجازات لمراكز تجميل، وبعض المجمعات الطبية.

كيف تنامى عدد مراكز التجميل غير المرخصة، ومن المسؤول عن الرقابة؟

هناك مشكلة كبيرة قائمة بسبب تداخل صلاحيات وزارة الصحة مع صلاحيات النقابات الصحية، فتراخيص مراكز التجميل تمنح من قبل نقابتي الأطباء وأطباء الأسنان، وليس الوزارة، وتتابعها النقابات وتراقبها، وهذا التداخل يربك معالجة هذا الملف، وسمح بوجود مئات المراكز غير المجازة، أو المراكز التي تستعين بأشخاص غير مسجلين كأطباء، ما تسبب في الكثير من الوفيات والتشوهات، والأجهزة الأمنية تقوم بإغلاق العديد من تلك المراكز بناء على دعاوى قضائية.

المساهمون