مقهى الأشخاص الصم... رشفات تفك "حصار الصمت" في الإسكندرية

مقهى الأشخاص الصم... رشفات تفك "حصار الصمت" في الإسكندرية

12 سبتمبر 2023
بيئة حميمة وداعمة للأشخاص الصم في المقهى الإسكندراني (العربي الجديد)
+ الخط -

في أحد الشوارع الحيوية بمحافظة الإسكندرية، شمالي مصر، تتجمع الحياة والحركة والأنس في مقهى فريد من نوعه. إنه مقهى الأشخاص الصم الذي يجتمع فيه أشخاص ذوو إعاقة سمعية يعتبرونه فعلياً ملاذاً إنسانياً يعبق بمظاهر التضامن معهم بعيداً عن صخب الحياة القاسية فيقصدونه للترفيه والالتقاء بأشخاص مشابهين لهم.
ويعتبر المقهى مركزاً رئيسياً للأشخاص الصم في الإسكندرية، وهم يلتقون فيه لقضاء احتياجات وتحقيق مصالح، والبحث عن ملامح لروح التعاون والتفاهم التي يفتقرون إليها في مجتمع يواجهون فيه تهكماً وسخرية ما يعزلهم ويكرس تهميشهم ويؤثر في وضعهم النفسي. في المقابل، يجدون في هذا المقهى الراحة والتفاهم اللذين يحتاجون إليهما.

وعبر شخص يتولى ترجمة لغة الإشارة يشرح محمود عبد الرحمن، أحد مرتادي المقهى، وهو شخص أصم في الـ46 من العمر، لـ"العربي الجديد"، كيف أصبح التعامل مع الأشخاص الصم جزءاً لا يتجزأ من هويته، ويوضح أنه رغم أنه أكمل تعليمه، وحصل على شهادة جامعية، فإنّ ثقافته الواسعة جاءت من هذا المكان، إذ يتفاعل مع الأشخاص الصم الذين لا يعانون في العلاقة بينهم ما يعانونه من تعالي وسخرية الآخرين منهم. ويشير إلى أن التعامل مع المجتمع المحيط أحد أبرز التحديات التي يواجهها الأشخاص الصم، إذ ينظر أشخاص كثيرون إليهم باستهزاء وسخرية من دون أن يدركوا الحالة النفسية السيئة التي يعانون منها بسبب هذا السلوك، مع تزايد الشعور السلبي لديهم من واقع انعزالهم وابتعادهم عن الناس الطبيعيين. ويوفر هذا المكان لهم الحرية والاحترام الذي يستحقونه، ويؤكد أنه يجد في مقهى الأشخاص الصم الراحة والاستقبال الدافئ الذي لا يتوفر في مكان آخر، فالعاملون فيه يفهمون تماماً تحديات الأشخاص الصم، ويعاملونهم باحترام: "لذا يشعرني هذا المكان بالانتماء والتقدير في موقع آمن وملائم للأشخاص الصم، فهو يعمل على تعزيز التضامن والتعايش بين الناس من كل الخلفيات. إنه مكان يجسّد المساواة والمحبة، ويذكّرنا بأن الصمت الصوتي لا يُعيق التواصل والتفاهم".

الصورة
حياة وحركة وونس في مقهى فريد من نوعه (العربي الجديد)
حياة وحركة وونس في مقهى فريد من نوعه (العربي الجديد)

يذكر أن مصر كانت أول بلد عربي اعتمد لغة الإشارة عام 1972 ثم تطور الاهتمام بها في باقي الدول العربية، وجرى توثيقها من خلال وضع قواميس للغة الإشارة العربية من أجل توحيدها وتعليمها عبر مؤسسات مثل "المؤسسة المصرية لحقوق الصم ومترجمي لغة الإشارة" و"الجمعية القومية السودانية لرعاية وتأهيل الصم" و"مدارس الشمس الأهلية". 

الصورة
مكان يجسد المساواة والمحبة (العربي الجديد)
مكان يجسد المساواة والمحبة (العربي الجديد)

يقول نور عبد العزيز، أحد العاملين في المقهى، وهو يوجه ابتسامات إلى ضيوفه من الأشخاص الصم: "أنا فخور جداً بالعمل هنا. لا شيء يضاهي الشعور بمساعدة الآخرين وتخفيف صعوباتهم، وكل يوم نتعلم أشياءً جديدة عن ثقافتهم وتحدياتهم". يتابع عبد العزيز، وهو شاب حاصل على ليسانس في الآداب قسم فلسفة، أن "المشروبات والخدمات أو الألعاب التي نقدمها لا تختلف كثيراً عن تلك الموجودة في باقي المقاهي المنتشرة بالمحافظة. سبب تجمّع الأشخاص الصم في هذا المقهى هو توفير القائمين عليه بيئة حميمة وداعمة للتواصل معهم، وتلبية طلباتهم من دون حرج، وتعزيز شعورهم بالقيمة الذاتية، ما يمنحهم فرصة الاندماج في المجتمع". يضيف: "تعلم العاملون في المقهى على مدى سنوات لغة الإشارة، واكتسبوا مهارات التواصل مع الأشخاص الصم، ويثبت التعلم المستمر والتفاني في فهم احتياجات الزبائن أن المقهى ليس مجرد مكان للترفيه، بل مركز حقيقي للتعلم والتبادل الثقافي والتضامن الإنساني".

الصورة
مقر جميعة الصم بالإسكندرية (العربي الجديد)
مقر جمعية الأشخاص الصم بالإسكندرية (العربي الجديد)

من جهته، يوضح محمد السيد، ابن صاحب المقهى، أنّ أجداده لم يستهدفوا في البداية تخصيص المقهى للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية والسمعية، لكن حسن الاستجابة لطلباتهم بسهولة، في ظل وجود مجموعة منهم بين الزبائن، كان له مفعول السحر على توافدهم بالعشرات إلى المقهى". يضيف: "كان بعضهم يدعون أصدقاءهم إلى المقهى الذي يقع قرب مقر جمعية خاصة بهم. وعُرف المكان في مرحلة أولى بـ'قهوة الخرس' ثم جرى تغيير اسمه في ثمانينيات القرن الماضي إلى 'مقهى الصم والبكم' حفاظاً على مشاعر مرتاديه، فتجمّع جميع من يعانون من مشاكل في النطق والسمع في مناطق الإسكندرية للاستمتاع بأجواء هذا المقهى".

يختم: "فضلاً عن تقديم المشروبات والمأكولات، يوفر المقهى أيضاً فرص عمل لأشخاص صم عبر العديد من الزبائن الدائمين الذين يمتهنون التوسط في الوظائف. ويمنحهم ذلك فرصة لكسب لقمة العيش".

المساهمون