مقاتلو الحرب اللبنانية يرتجلون

مقاتلو الحرب اللبنانية يرتجلون

02 نوفمبر 2015
أنا تخرّجت يا إمي (حسين بيضون)
+ الخط -

على الرغم من مرور ربع قرن على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) ما زالت آثارها ظاهرة بين اللبنانيين، لا سيما من شاركوا فيها كمقاتلين. كثير من هؤلاء لم يتمكنوا من فك ارتباطهم النفسي بتلك الحرب، لكنّ غيرهم يحاولون الخروج منها بقدر استطاعتهم.

وفي هذا الإطار، قدمت جمعية "محاربون من أجل السلام" بالتعاون مع جمعية "لبن" للمسرح الإرتجالي أخيراً عرضاً مسرحياً بمشاركة عدد من المقاتلين السابقين والطلاب والمهتمين. وهدف العرض الذي جاء بتمويل من السفارة النرويجية في لبنان، إلى التحذير من مخاطر الحروب وتعزيز قدرات المقاتلين السابقين.

وعن هذه المبادرة، يقول المقاتل السابق زياد صعب لـ"العربي الجديد": "جمعية محاربون من أجل السلام الأولى من نوعها في لبنان، إذ تضم مقاتلين سابقين من مختلف الأحزاب والتوجهات السياسية بالإضافة إلى ناشطين مدنيين في مجال بناء السلام والسلم الأهلي. هؤلاء المقاتلون أجروا مراجعة ذاتية ونقدية لتجاربهم وقرروا التأسيس لثقافة جديدة تحترم التعدد والتحول إلى محاربين من أجل السلام".

يؤكد صعب أنّ العمل لاقى ترحيباً واسعاً من كافة الفئات، إلّا أنه صادف انتقادات أيضاً. ويقول: "في أول عرض مسرحي صادفت مقاتلاً سابقاً رفض فكرة أنّ القتال كان غير مفيد، بل أصرّ على حمل السلاح مجدداً ولمائة مرة لو عادت به الأيام إلى الوراء. أعتقد أننا بحاجة إلى بعض الوقت للتخلص من مثل هذه الأفكار".

بين جولة قتال وأخرى، كان فؤاد يستغل الوقت ليذهب إلى المنزل وطمأنة والدته التي أوهمها بأن لا دخل له بالقتال وأنه يقصد أصدقاءه للعب الورق. لكنه لم يكن أكثر ذكاء منها. ففي إحدى الليالي قصد فؤاد منزله ليرتاح قليلاً، فقررت والدته منعه من الخروج، وأوصدت الباب وجلست تترقبه. فكّر ملياً: كيف بإمكاني إلهاؤها؟ يضحك، وبصوت مرتفع، يقول أمام الجمهور: "طلبت منها أن تخبز لي فطائر السبانخ حتى أتمكن من الهروب. سلكت يومها طريقاً زراعياً برفقة أصدقائي وفجأة سمعت صوتاً من بعيد ينادي؛ فؤاد يا فؤاد، لكنني تجاهلت مصدر الصوت بالرغم من أنني عرفت أنها والدتي". يؤكد أنّ هذه الحادثة لا يمكن أن ينساها وأنّ المسرح الارتجالي ساعده نفسياً على تخطي مرحلة صعبة عاشها خلال الحرب، والخروج من حالة الندم على ما قام به سابقاً من أعمال يعتقد اليوم أنها مخجلة.

من أكثر القصص تأثيراً في الحضور أيضاً، كانت قصة عبودي، الطالب السوري الذي هرب إلى لبنان تاركاً في بلاده التي تسيطر عليها الحرب، والدته وحدها. وعندما اشتدت المعارك قررت والدة عبودي الذهاب إلى السعودية حيث أقاربها. بعدها مرّ عامان من دون أن يتمكن عبودي من الحصول على تأشيرة لدخول السعودية ورؤيتها. يتوقف قليلاً والدموع تسيطر عليه، ويقول: "ماتت. يا ليتها علمت قبل ذلك أنني تخرجت من الجامعة وأصبحت رجلاً راشداً. أليس مخجلاً أنّ الدول العربية تمنعنا من الدخول إلى أراضيها بينما تستقبلنا الدول الأوروبية من دون تردد؟".

فور انتهاء عبودي من قصته، يبدأ عرض الطلاب لترجمة مشاعر هذا الشاب الحزينة على خشبة المسرح. يضحكون بصوت مرتفع ويصرخون: "أنا تخرجت يا إمي. إمي وينك يا ماما". مشهد يساعد عبودي على إفراغ كل ما في جعبته من أحزان ترجمت بدموع لا تتوقف طوال مدة العرض.

اقرأ أيضاً: شبّيك لبّيك

تولى الإشراف على تدريب الطلاب المدرب المسرحي رافي الذي يقول: "فرقة لبن تهتم بالمسرح الارتجالي وتعمل على نشر هذا الفن المسرحي في لبنان والعالم العربي وعلى تشجيع اعتماده كأداة في نشاط المجتمع المدني. خلال أربعة أشهر دربنا عشرة طلاب، تتراوح أعمارهم بين 17 و23 عاماً من خلفيات طائفية واجتماعية عدة، على تقنيات المسرح الارتجالي المعروف باسم بلاي باك ثياتر، لإعادة رواية قصص من الحرب الأهلية اللبنانية".

بدوره، يؤكد الطالب المسرحي يونس أنّ "من غير السهل ترجمة قصص أناس على المسرح، فالأمر يتطلب قدرة على الإنصات بدقة وتحمّل ضغوط التدريب وعيش معاناة الآخرين للتعبير عن شعورهم. هذه هي قوة المسرح الارتجالي".

تجدر الإشارة إلى أنّ "البلايباك" مسرح ارتجالي يروي خلاله أفراد من الجمهور قصصاً من حياتهم الخاصة ثم يشاهدونها مباشرة على خشبة المسرح. ويعتمد هذا الفن إلى حد كبير على سرد قصص واقعية من المجتمع. وغالباً ما يكون الأداء المسرحي عبارة عن مجموعة من القصص التي تستخدم تقنيات التمثيل والرقص والغناء والموسيقى وأشكال أخرى من الفنون.

اقرأ أيضاً: زينة دكاش.. العلاج بالدراما يعيد الأمل للسجناء