خيرية التي تنتظر رشدي أباظة

خيرية التي تنتظر رشدي أباظة

16 مارس 2015
أسمتهما عبد الحليم وسعاد (Getty)
+ الخط -

ترك العمر خطوطاً متعرّجة على وجهها الخمسيني. عبثاً تحاول أن تخفيها بالمساحيق. تخبئ تجاعيد عنقها بشال يلازم رقبتها على امتداد الفصول، وتستعيض عن شعرها الذي فقدته بخصل اصطناعيّة.
تلك خيريّة، جارتنا التي لا تكبر ولا تشيخ. توقف الزمن عندها قبل ثلاثين عاماً. هي العزباء الوحيدة بين أخوين وثلاث أخوات، تزوّجوا جميعهم. أمّا هي فلم تفعل. رفضت كل من تقدم طالباً يدها للزّواج بحجّة أنها تريد فارساً لأحلامها يشبه الممثل رشدي أباظة.

تجلس على الشرفة لتراقب طائري الحب في القفص. أسمتهما عبد الحليم وسعاد تيمناً بالـ "عندليب" و"السندريلا". تغازلهما. تحكي معهما ما ترغب في سماعه من كلام في الحب. وحين يصمت العصفوران، تدير لهما موسيقى كلاسيكية، ثم ترقص وتغني وحدها.
حين تضيق الدنيا بها، تزور خيريّة صديقتها أحلام لشرب المتّة التي اعتادت عليها مؤخراً. أحلام هي رفيقة عمرها وحافظة أسرارها وحكاياتها. تجتمع النسوة في بيتها ليسهرن. في السهرة لا تتوقّف نكات خيرية وضحكاتها. دائماً ما تحمل قصصها الوافر من المشاكل والفضائح. تهزأ من بنات الجيران. تثرثر عليهنّ. هذه خانها حبيبها، وتلك طلّقها زوجها، والثالثة نفخت خديها. غالباً ما تكون قصصها من نسج الخيال. تحكيها كمن يثأر لحياته عبر حكايات الآخرين.

تمرّ السنوات وشبيه رشدي أباظة لا يطرق بابها. وحين تنتبه إلى أنها تقترب من الكهولة تبالغ بارتداء أزياء بمقاسات صغيرة وضيّقة لتشد جسدها المترهّل.
في التوقيت ذاته من كل يوم، تحمل حقيبتها قاصدةً حديقة الصنائع. تمشي مختالةً بين الناس. وحين تشعر بغصّة لأن وجوه الرجال لم تعد تستدير نحوها، تعود الى بيتها خائبة.
ذات يوم ابتسم الحظ لخيريّة. في حديقة الصنائع، جلس رجل يراقبها. افتتنت به على الفور. وقعت في سحر عينيه اللوزيّتين وقامته الممشوقة. كان ينظر اليها، كمن ينظر إلى كنز. أعاد عادل الذي يصغرها بخمس سنوات البريق الى عينيها. جلس إلى جانبها وتحدثا عن أمور الحياة. وكلما طال الحديث، كانت تتنفّس بصعوبة أكثر. وحين رنّت ضحكتها عالياً، تأكّدت أن الأحاسيس لا تشيخ أبداً. أرادت أن تقول كلمات كثيرة لكنّها لم تفعل. انعقد لسانها. لم تكن تعرف، إن كان ذلك إحساس بالخوف أم بالطمأنينة. اتّفق الاثنان على أن يلتقيا في اليوم التالي، في المكان ذاته.

في الصباح التالي وقفت مطوّلاً أمام المرآة تتفقّد وجهها الذي بدا أكثر إشراقاً من ذي قبل. ارتدت فستاناً أبيض يبرز جمال عينيها. وصلت قبل الموعد بعشر دقائق. كان قلبها يخفق بسرعة. جلست تراقب الوجوه. مرّت ثلاث ساعات كاملة وعادل لم يأت بعد. عادل لم يأت أبداً.



المساهمون