عائدون إلى أوروبا... ما بعد القتال مع "داعش"

عائدون إلى أوروبا... ما بعد القتال مع "داعش"

16 ديسمبر 2017
لا للإرهاب (إيتيين لورين/ الأناضول)
+ الخط -

تخشى أوروبا من العائدين إليها. والعائدون هم أولئك الذين غادروها للقتال في سورية أو العراق. وهي تعمل في الوقت الحالي على إعداد استراتيجية شاملة تتضمن كيفية التعاطي معهم.

فتح حكم محكمة ابتدائية في كوبنهاغن، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تأييد تمديد حجز لجواز سفر الدنماركية -الكردية، جوانا بالاني، لعام آخر بسبب مشاركتها في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في كل من العراق وسورية، الباب أمام خطوات أخرى تجري دراستها، متعلّقة بكيفية التعامل مع "العائدين" من القتال في صفوف التنظيم.

وكانت السلطات الأمنية قد صادرت جواز سفر جوانا منذ عام 2015، إضافة إلى آخرين قاتلوا أو توجهوا إلى سورية والعراق، وإن كانت جوانا قد قاتلت ضد التنظيم. وتتعاطى الأجهزة الأمنية بشكل جدي مع قضايا العائدين بغض النظر عن الجانب الذي قاتلوا في صفوفه، كما أنّها عمدت إلى مصادرة جوازات سفرهم ومنعتهم من مغادرة البلاد. يُذكر أنّ جوانا احتجّت أمام محكمة كوبنهاغن، في حين أيّدت المحكمة للمرة الأولى قرار الأمن، متذرعة بـ "مصالح الأمن الوطني"، والتي قد تؤدي إلى سحب الجنسية من الحاصلين عليها بالقانون وليس بالولادة.

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر أوروبية، على صلة بلجان الدفاع والأمن البرلمانية في دولة شمالية، بأن "الاتحاد الأوروبي استغل فترة الصيف واشتداد المعارك مع داعش، لاتخاذ خطوات ومواجهة العائدين الذين يحملون جنسيات أوروبية، وقد انضموا إلى صفوف داعش وغيرها". وعزّزت عمليات الدهس والطعن في شوارع أوروبية الصيف الماضي المباحثات الداخلية بين الأوروبيين بهدف حلحلة قضايا "العائدين" من صفوف "داعش".

وتربط المصادر بين "انهيار تنظيم الدولة الإسلامية"، وعودة البعض إلى البلاد التي يحملون جنسيتها. وفي بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، شرعت الدول في تطبيق بعض مما اتفقت عليه في إطار "دليل الاستراتيجيات في التعامل مع المتشددين العائدين". وتخشى دول أوروبية أن تزيد عودة هؤلاء من "التحديات الأمنية في المجتمعات، وقد بدأ مواطنون يدركون المخاوف الأمنية هذه، خصوصاً مع نشر كتل إسمنتية في الشوارع وقرب بعض المناطق، والانتشار الأمني في الشوارع الأوروبية كظواهر ليست مطمئنة".




تُطلق الأوساط السياسية والأمنية على هؤلاء الذين سافروا إلى مناطق النزاع اسم "المجاهدين" و"مقاتلي الجهاد"، كما أنّهم يُصنّفون ضمن خانة العائدين. وشارك في المباحثات الأوروبية مؤخراً، أجهزة أمنية وسياسيون ومنظمات اجتماعية، بهدف إيجاد آليات للتعاطي مع العائدين. ويجري في الوقت الحالي صياغة الاتفاق النهائي الذي يضم ما بين 30 و33 نقطة.
ويفيد مصدر أمني في كوبنهاغن بأنّ "أجهزة أمنية عدة تشارك في المباحثات للخروج بنسخة نهائية تساعد على التعامل مع العائدين من مناطق النزاع". ويبدو أن التوصيات تحاول الاستفادة من تجارب مدينة آرهوس الدنماركية، وكيفية تعاطي البلدية والاستخبارات والشرطة المحلية مع من عادوا خلال السنوات الماضية، بحسب ما تقول مصادر خاصة لـ "العربي الجديد".

وفي الأوّل من سبتمبر/ أيلول الماضي، شهدت دولة أوروبية اجتماعاً موسّعاً شمل عدداً من المؤسسات الأمنية والاجتماعية والتشريعية لمناقشة "إستراتيجية التعاطي مع العائدين بعد انتهاء الحصار الجغرافي على مئات المقاتلين، وتمكنهم من النفاذ ثانية إلى أوروبا". ويبدو أن العدد الذي يقلق الأوروبيين يقدّر بمئات الشباب، وبضع فتيات ونساء، كانوا قد سافروا إلى مناطق الحروب التي تتواجد فيها تنظيمات متطرفة.

تقول شخصيّة رفيعة المستوى، تشارك في وضع الاستراتيجيات، وفضّلت عدم الكشف عن هويتها، إنّ "الاستراتيجية الأوروبية مع العائدين من سورية والعراق لن تكون متساهلة أبداً". تضيف أن "العائد ستستقبله الأجهزة الأمنية، ولن تتعامل معه كالذين سافروا وعادوا بسرعة لينضموا إلى برامج إعادة التأهيل، وفق نموذج آرهوس".


ورداً على سؤال عن احتمال أن يؤدي التعامل الأمني إلى تمسك هؤلاء بأفكارهم، وربما التشدد أكثر، تقول: "لا يمكن غض النظر عمن شارك لأشهر وسنوات في القتال، واكتسب خبرات من تنظيم داعش وتنظيمات إرهابية أخرى، والأفكار التي يحملها". تتابع: "بعضهم محبط وناقم جداً على المجتمعات الأوروبية. بالتالي، من مصلحتنا جميعاً إجراء تحقيقات أمنية، والاستعانة بباحثين في الثقافة الإسلامية ومتخصصين في الطب النفسي والتأهيل الاجتماعي".

دول الاتحاد الأوروبي باتت تنسّق أمنياً بشكل مكثف في انتظار "تطبيق كامل بنود الاستراتيجية الشاملة". ومن بين النقاط التي جرى التوافق عليها، التشدّد في الإجراءات المتخذة حيال اللاجئين، إذ إن هناك خشية حقيقية من أن يلجأ العائدون إلى اتباع مسارات اللاجئين خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

وخلال سبتمبر/ أيلول الماضي، بدأت بعض الدول الأوروبية، منها تلك الاسكندنافية وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليونان، التنسيق بشكل وثيق لتنفيذ بعض مما اتفق عليه سريعاً على المستوى الأمني. وتحت مظلة شبكة التوعية من التطرف التابعة للمفوضية الأوروبية مباشرة، يجري التعاون في انتظار النسخة النهائية من دليل التعامل مع العائدين، بالتعاون مع بريطانيا.

ويبدو أن الخوف من هؤلاء العائدين يدفع الأوروبيين إلى الصرف بسخاء من خلال تخصيص موازنات ضخمة لمراكز جرى تأسيسها منذ أشهر قليلة، على غرار أحد المراكز الشمالية التي تحدثت "العربي الجديد" مع القائمين عليها. يُشار إلى أن القاسم المشترك بين عمل هذه المراكز هو ضمّها جهات عدة، على غرار أمنيين يجيدون اللغة العربية ويعرفون الديانة الإسلامية. وهناك سعي إلى بناء نظام رقابة صارم جداً بحق العائدين المحتملين وشبكة علاقاتهم المحلية على الأراضي الأوروبية، إضافة إلى تأهيل ديني في السجون، والاستعانة بباحثين اجتماعيين على معرفة بالتطرف، على أن يخضعوا لإعادة تأهيل نفسي واجتماعي من خلال الاستعانة بمتخصصين عملوا مع الشباب العائدين في عامي 2014 و2015 بعد وقت قصير من سفرهم.



وتستند الاستراتيجيات الجديدة التي يفترض اتباعها مع عودة المقاتلين إلى نموذج هرمي، يأتي الجانب الأمني والتشريعي في أعلاه، يليه الدعم الاجتماعي والنفسي والقانوني، والذي يشمل أفراد أسرة العائدين (بمن فيهم الزوجات والأطفال)، وتأمين حماية فردية وجماعية لهم ضمن نظام الرفاهية، وذلك بالتعاون بين المؤسسات الناشئة والبلديات والشرطة المحلية والمدارس.

وفي قاعدة الهرم، يأتي دور المؤسسات والمراكز لمحاولة خلق الثقة بين العائدين والمجتمعات المحلية، والمساعدة في الحد من التوجهات المتطرفة لدى الشباب، والسعي إلى دمجهم. وتعد هذه الخطوات الأخيرة التي يجب اعتمادها لضمان "أمن الجميع في المجتمعات الأوروبية".
ويتعاون رجال دين مسلمون محليون بهدف السعي إلى اكتشاف دوافع الاحباط لدى الشباب، والتي قد تدفعهم إلى التشدد. فالبحث عن الأسباب ومحاولة تقديم أجوبة بالتعاون مع الشرطة المحلية والبلديات، وتأمين فرص عمل، ستكون استناداً إلى 12 نموذجاً يجري تبنيها كمدخل أساسي لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي.

ويأمل الأوروبيون بأن يكونوا قادرين على التعاطي مع نحو 2500 شخص ينتظر عودتهم قريباً. ورغم أن الجانب الأمني يعد أولوية، يركز الأوروبيون على أهمية خلق تعاون مشترك بهدف التعاطي مع أولئك الذين شاركوا في القتال في أجواء متشددة، خصوصاً من الجيل الثاني، وقد تخلى بعض هؤلاء عن جنسيته على الإنترنت، في حين يتواصل آخرون مع أهلهم وعبر محامين للعودة إلى بلادهم.

ونشرت شركة الاستشارات الأميركية (سوفان)، تقريراً ذكرت فيه أن روسيا تتصدر قائمة الدول التي انحدر منها أعلى عدد من المقاتلين الأجانب الذين ذهبوا للقتال في سورية والعراق وانضموا إلى "داعش". وبلغ عدد المقاتلين الروس الملتحقين بداعش (3417) مقاتلاً. وجاءت السعودية في المركز الثاني (3244)، ثم الأردن (3000)، تليها تونس (2926) ثم فرنسا (1910) على التوالي. أما بالنسبة لأرقام العائدين من سورية والعراق، فقد عاد 400 شخص إلى روسيا و 760 إلى السعودية و 250 إلى الأردن و800 إلى تونس و 271 إلى فرنسا.