عندما يحاول سوريّون الانتحار

عندما يحاول سوريّون الانتحار

18 فبراير 2015
وكأنّ سورية لا يكفيها قتلى الحرب (الأناضول)
+ الخط -
هي المرّة الأخيرة التي سيرى فيها الأطباء وجه فاطمة المتعب في غرفة الطوارئ. فهي لم تنجُ من محاولة الانتحار الخامسة. ويخبر الطبيب المسعف شادي الحسين أنه "وعلى مدى الأشهر الستة الأخيرة، تناولت الشابة جرعات كبيرة من الدواء في أربع مرات متتالية. لكن في الأخيرة، أصيبت بنزيف داخلي أدّى إلى وفاتها".

وتشكو والدة الشابة قائلة: "ابنتي عانت كثيراً في السنة الماضية. فقد التحق خطيبها بإحدى الكتائب المقاتلة. وبعدما توفي أهله، تخلى عنها. من ثم اعتُقلت أختها الوحيدة ولم نعرف شيئاً عنها، فاحتجزها والدها في المنزل. كان يخاف عليها من الاعتقال أيضاً وعلى نفسه من العار".

وتشرح المتخصصة في علم النفس العيادي آية مهنا أنّ "محاولات الانتحار المتكررة تحمل عادة دوافع خفيّة مثل لفتِ الانتباه أو طلب المساعدة من المحيطين، أكثر مما تحمل إرادة فعليّة للموت". من جهته، يشير الطبيب شادي الحسين إلى أنّ "المحاولات في تزايد مستمر، وتقدّر عدد الحالات التي تصل مستشفى الجامعة في حلب بسبع شهرياً، في حين لم تكن تتجاوز الثلاث في السنة الفائتة". ويوضح أنّ "نصف هذه الحالات لم تكن مرّة أولى، وثلثَي الحالات تقريباً تحظى بفرصة جديدة. لكن نصف الناجين يعانون من تداعيات مرضيّة، قد تستمرّ مدى الحياة".

ويوضح المتخصص في علم الاجتماع عماد الفيل أنّ "الظروف القاسية التي يعيشها السوريون تتسبب في اضطرابات نفسيّة، وتقود بعضهم إلى التفكير في الانتحار. ونسب الاضطرابات هذه تزداد في مناطق النزاعات والحروب بنسبة 20%".

أما مهنا فتقول إنّ "أكثر الاضطرابات النفسيّة تعقيداً لدى من حاولوا الانتحار، تصيب أشخاصاً تعرّضوا مسبقاً للاعتقال أو الاعتداء الجنسي وهم من الإناث والذكور". تضيف أنّ "الظروف المعيشيّة تولّد إحساساً بالفشل وبانعدام الفائدة، وهو ما يسهم في دفع كثر إلى الهروب من الواقع. ويجد بعضهم في الانتحار حلاً". وتشير إلى أن "الأشخاص الذين يتحملون مسؤوليات ماديّة وعائليّة، هم الأكثر عرضة لخوض هذا السيناريو عند التعرّض للضغوط".

إلى ذلك، يوضح الحسين "أن معظم الذين حاولوا الانتحار من المراهقين، عانوا حالة اكتئاب حادة ولم يحظوا بمن يهتم لأمرهم. وعدد كبير من الذي قضوا انتحاراً، كانوا مصابين باضطراب ما بعد الصدمة".

وعلى الرغم من أنّ معظم حالات الانتحار الموثقّة تُسجّل بين البالغين عموماً، يؤكد الطبيب قاسم عبد الله الذي يعمل مع اللاجئين في لبنان، أن ثمّة محاولات انتحار بين الأطفال والمراهقين في مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان. ويقول إن "أطفالاً كثيرين يعانون اضطرابات نفسيّة ويتصفون بالسلوك العدواني والتمرّد. فيتعرّضون للعنف المضاد، وفي أفضل الأحوال يعامَلون بلامبالاة". ويشرح أن "مسؤوليّة البالغين هي في التنبه إلى المخاطر النفسيّة التي يواجهها الصغار الذين يعيشون في عالم لا يرحمهم".

وفي السياق، تشدّد مهنا على "أهميّة إدراك مدى حساسيّة الأطفال تجاه المشكلات التي تواجه أهاليهم. ففي حين يعتقد الكبار أنهم لا يعون جيداً ما يحدث، يخوض هؤلاء صراع التأقلم مع محيط جديد وظروف طارئة".

من جهة أخرى، يشير الطبيب غياث عماد الدين إلى "حالات خاصة، إذ يندفع كثيرون للعيش في أكثر المواقع خطراً، ويعرّضون أنفسهم عن قصد للقصف أو القنص". يضيف أن "مصابين كثرا أشرف على علاجهم، اعترفوا بأنهم لم يحاولوا الهرب أو إنقاذ أنفسهم عند سقوط القذائف، وقد تمنوا لو ماتوا حينها". ويشرح أنّ "حالة هؤلاء النفسيّة ليست أفضل من حالة الذين يحاولون الانتحار. فهم يعانون من إحباط واكتئاب شديدَين ويملكون دوافع الانتحار ذاتها، إلا أنهم بمعظمهم يملكون رادعاً دينياً، فيحتالون عليه بالتسبب لأنفسهم بالخطر".

وتشدّد مهنا على أنّ "كل من فكر في الانتحار أو قام بمحاولة جديّة فاشلة، يحتاج علاجاً نفسياً وبالأدوية أحياناً. فنحن نهدف إلى جعل الشخص يستعيد ثقته بنفسه ويفعّل أهدافاً متعلقة بمستقبله وحياته. بالتوازي، تكون توعية حول الأسباب التي أدّت به إلى محاولة الانتحار، فيما يساعد العلاج الدوائي على رفع مزاج الشخص وتقويته في حالات كالاكتئاب". تضيف: "لكنّ العلاج يبقى عاجزاً عن إخراج هؤلاء من دوامة الحرب والتهجير وفقدان العمل والأقارب والمأوى".