المدن الموريتانيّة تختنق سكانيّاً وسط تعاظم الأزمات

المدن الموريتانيّة تختنق سكانيّاً وسط تعاظم الأزمات

19 يناير 2015
ضعف في الخدمات الأساسية (العربي الجديد)
+ الخط -
عرفت موريتانيا حركة نزوح واسعة من الريف الى المدن، منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي. السبب هو موجة الجفاف التي ضربت البلاد وأدت إلى تدمير الثروة الحيوانية التي كانت تعتمد عليها الغالبية العظمى من الموريتانيين في القرى. فقد أتى الجفاف على المحاصيل الزراعية، ما دفع بالمواطنين الى التوجه نحو المدن الكبرى بحثاً عن وسيلة عيش بديلة لمواجهة شبح المجاعة. 

الهجرة تسبب الضغط
هذه الهجرة من البادية إلى المدينة ومن الولايات الداخلية إلى العاصمة نواكشوط، أدت إلى تزايد الضغط على الخدمات الأساسية المحدودة أصلاً، كالمياه والكهرباء ووسائل المواصلات. وأدت كذلك إلى توسّع عمراني وُصف من قبل المتخصصين بـ"غير المدروس". وهو ما أوصل إلى نمو ظاهرة الأحياء العشوائية المعروفة محلياً بـ"الكزرة"، وأصبحت هذه الأحياء الفقيرة والهامشية والفاقدة لأبسط الخدمات أكبر تحدٍ تنموي يواجه العاصمة نواكشوط.
وقد كشف آخر تعداد للسكان والمساكن فى موريتانيا عن أن أكثر من نصف سكان المناطق الحضرية في موريتانيا يعيشون في العاصمة، نواكشوط، بنسبة 56%. كما أظهر الإحصاء الصادر في 2013، عن أن حوالي 27% من إجمالي سكان البلاد يعيشون في العاصمة، في حين لم تكن هذه النسبة تتجاوز 22% سنة 2000.
وقد حاولت السلطات الموريتانية مواجهة هذه المؤشرات بمجموعة من الإجراءات والتدابير، على رأسها القيام بحملة واسعة لتوزيع الأراضي وتوفير بعض الخدمات للعديد من أحياء الصفيح. كما قامت السلطات، خلال السنوات الأخيرة، في محاولة لمواجهة خطر تكدّس الموريتانيين في العاصمة والمدن الرئيسية، بافتتاح العديد من المراكز الحكومية والمدارس المهنية في الولايات الداخلية.

خدمات متدنية
إلا أن استمرار التكدس السكاني أدى إلى تدني الخدمات الأساسية. فقد تسارعت وتيرة الانقطاعات الكهربائية خلال العام الماضي، وكان من أبرز الأسباب التي ساقتها الشركة الوطنية للكهرباء هو الضغط الكثيف على الكهرباء بسبب التوسع العشوائي الذي شهدته العاصمة. وتكرر الوضع نفسه في ما يتعلق بخدمات المياه، حيث يشهد فصل الصيف، خاصة، موجات عطش وانقطاع متكرر لشبكة المياه في العديد من المدن، بما فيها العاصمة نواكشوط، والعاصمة الاقتصادية، انواذيبو.
وقد لجأت السلطات الموريتانية، في السنوات الماضية، إلى تعزيز شبكة المياه في العاصمة عبر مشروع سد مننتالي، وهو مشروع ضخم لتحلية مياه نهر السيغال وتوصيلها للعاصمة، وذلك بعدما أصبحت بحيرة "إيديني" غير قادرة على سد حاجات سكان العاصمة من المياه بسبب الضغط والكثافة السكانية التي عرفتها العاصمة خلال العقود الأخيرة.
الباحث الاجتماعي، أحمد سالم ولد زياد، يرى أنه في فترة "السبعينات والثمانيات وبداية التسعينات حدث انفجار سكاني هائل، ولم تستطع مواكبة الظاهرة غير أحياء الصفيح والسكن العشوائي".
ويضيف ولد زياد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "اتسعت السوق الاقتصادية الموازية وغير المصنفة، وافتقرت السوق للرقابة أو القوانين، واستفحل الفساد والرشوة. وكانت سوق موريتانيا وجهة استهلاكية للدول المجاورة، تشتري منها الكماليات بأرخص الأثمان".
ويضيف ولد زياد: "بعد ذلك، حدثت هجرة واسعة للشباب الموريتاني نحو الخليج وأميركا وأوروبا. ونتج عن ذلك خلل في التوازن المجتمعي الذي شهد هزات ومنعطفات شديدة، نتيجة دخوله فجأة عالم المدينة وخروجه من حياة البداوة والمجتمعات المنغلقة". ويشرح أن "هذه الفترة شهدت ارتفاع الديون على المواطنين وغلاء المعيشة، فشهد المجتمع موجات جديدة من الهجرة، خصوصاً خلال الأزمة المالية العالمية".
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي، الدكتور الطالب إبراهيم ولد الطلبه، أن "ظاهرة الهجرة من الريف إلى المدينة أدت إلى حصول الكثير من التأثيرات على السكان ، خاصة في البعد الاقتصادي والاجتماعي، حيث إن هذا النوع من الهجرة يحدث اختلالات بنيوية في عملية التنمية في المدينة، ما يؤدي إلى حدوث ضغط كبير على المنشآت الاقتصادية والاجتماعية، ويقلل من الاستفادة منها". ويلفت ولد الطلبه إلى أن هذا الضغط أنتج زيادة البطالة في أوساط الشباب وتفاقم عمليات الانحراف والجريمة وظهور أحياء الصفيح.
ويضيف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "على الرغم من القيام ببعض الاصلاحات، إلا أن الخلل الديمغرافي والمركزية الاقتصادية، أسهمت في تهدئة الانفجار الاجتماعي في الأرياف، ولكنه مع الوقت عمّق من الأزمات الاجتماعية وساهم في تعقيد الوصول الى حلول للمشكلات المعيشية القائمة".

المساهمون