"الصحراء البيضاء"... حملة روسية ضد "داعش" في البادية السورية

"الصحراء البيضاء"... حملة روسية ضد "داعش" في البادية السورية

27 اغسطس 2020
العملية ليست الأولى ضد التنظيم في البادية (فرانس برس)
+ الخط -

دفعت حرب استنزاف يشنها تنظيم "داعش" ضد قوات النظام، وداعميها الروس والإيرانيين في البادية السورية، وزارة الدفاع الروسية إلى شن عملية عسكرية واسعة للحد من قدرات التنظيم، بعد مقتل جنرال روسي في بادية دير الزور التي تتصل جغرافياً بمحافظة الأنبار غرب العراق، ما يمنح التنظيم القدرة على التحرك ضمن جغرافيا مترامية الأطراف تحول دون القضاء عليه بشكل كامل. كما أن أحد أهداف النشاط الروسي في البادية السورية قد يكون منع الأميركيين من التقدم في المنطقة من خلال الفصائل السورية التي تدعمها. 
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس الأول، أنها نفذت عملية عسكرية واسعة النطاق في البادية السورية ضد فلول وخلايا تنظيم "داعش"، حملت اسم "الصحراء البيضاء". وقال متحدث باسم القوات الروسية في سورية، الثلاثاء الماضي: "أسفر قصف نفذته القوات الجوية الروسية والقوات الجوية السورية، وكذلك قصف بالمدفعية في منطقة الصحراء البيضاء، عن تصفية 327 مسلحاً وتدمير 134 ملجأ و17 نقطة مراقبة و7 مخازن للذخيرة و5 مستودعات تحت الأرض للأسلحة والذخيرة". 
من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن مليشيا "لواء القدس الفلسطيني"، الموالية للنظام السوري والتي تعمل بإمرة القوات الروسية، بدأت فجر الثلاثاء، بعملية تمشيط جديدة ضمن بادية دير الزور برفقة المسلحين الموالين لقوات النظام. وبيّن أن العملية انطلقت من بادية الشولا غرب دير الزور وصولاً إلى بادية البوكمال شرقها، بحثاً عن خلايا تنظيم "داعش" المنتشرة بكثافة في المنطقة.

الأرقام التي أعلن عنها الروس للعملية ضد التنظيم فيها مبالغات

ولفتت مصادر محلية مطلعة إلى أن الأرقام التي أعلن عنها الروس، نتيجة العملية العسكرية ضد التنظيم، "تحمل مبالغة شديدة"، مضيفة: "من الواضح أن الروس يحاولون الظهور بمظهر المكافح للإرهاب في سورية، وهو يناقض الدور الحقيقي الذي يقومون به منذ تدخلهم المباشر إلى جانب النظام أواخر العام 2015. هذا بالإضافة إلى مخاوف الروس والنظام من دعم أميركي لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، أو أحد الفصائل التي تدعمها واشنطن، لشن عملية في البادية، وتمكينها من السيطرة على مناطق فيها، وهو ما لا ترغب به روسيا أو النظام".

ويأتي التحرك الروسي بعد مقتل الجنرال الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ في ريف دير الزور منذ أيام، بانفجار عبوة أثناء مرور موكبه في منطقة تبعد نحو 15 كيلومتراً شرق مدينة دير الزور. وأعلن "داعش" مسؤوليته عن مقتل الضابط الروسي وقيادي في مليشيا "الدفاع الوطني" التابعة للنظام، عبر بيان تناقلته حسابات تابعة للتنظيم على موقع "تلغرام"، مشيراً إلى أن دورية للجيش الروسي وقعت في حقل ألغام زرعه عناصر التنظيم.
وبعد هزيمة "داعش" على يد "قسد" في منطقة شرقي نهر الفرات أوائل العام 2019، حيث سقط معقله الأخير في بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، انتقلت فلول التنظيم إلى البادية السورية، التي تشكل نحو نصف مساحة سورية. وكان سبقها فرار مجموعات منه إلى البادية أواخر 2017 مع تقدم قوات النظام ومليشيات إيرانية في ريف دير الزور الشرقي. كما عقد النظام صفقة مع التنظيم في جنوب دمشق وفي درعا، انتقل من خلالها آلاف العناصر من "داعش" إلى مواقع له في عمق البادية السورية. وتتوزع البادية السورية إدارياً بين عدة محافظات سورية، هي دير الزور، والرقة، وحماة، وحمص، وريف دمشق والسويداء. وكان التنظيم يسيطر على معظم البادية السورية لمدة ثلاث سنوات، حيث كان يتحرك عناصره بيسر من الموصل شمال العراق وحتى القلمون الشرقي في ريف دمشق، ومن ثم فإن هؤلاء يعرفون جيداً هذه البادية التي تصل مساحتها إلى نحو 80 ألف كيلومتر مربع.

يصعب القضاء على التنظيم بشكل كامل في البادية السورية

وتضم البادية ثروة من الغاز، خصوصاً في ريف حمص الشرقي، الذي يضم أيضاً أبرز مناجم الفوسفات في سورية، والتي تحولت إلى "غنيمة حرب" للروس. وكان رئيس النظام بشار الأسد أصدر قانوناً في 2018، صدق بموجبه على عقد موقع بين "المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية"، التابعة للنظام، وشركة "ستروي ترانس غاز لوجستيك" الروسية، يسمح للأخيرة باستخراج خامات الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر وسط سورية، والتي تقدر احتياطاتها بـ1.8 مليار طن. وتحولت مدينة تدمر والتي تقع في قلب البادية السورية إلى منطقة نفوذ روسي "حيث ينشط الروس بالتنقيب عن كل شيء في المنطقة"، وفق مصادر محلية.
ومنذ مطلع العام الماضي، نشطت خلايا التنظيم في البادية السورية، خصوصاً في محيط مدينة تدمر وفي بلدة السخنة، وفي ريف حماة الشرقي، وفي بادية دير الزور، حيث بدأت حرب استنزاف ضد قوات النظام والقوات الروسية والمليشيات الإيرانية. واستطاع التنظيم أكثر من مرة الدخول إلى بلدة السخنة قبل أن ينسحب تحت ضربات الطيران الروسي. ووفق المرصد السوري، فقد قتل التنظيم من 24 مارس/آذار العام 2019 وحتى اليوم، 661 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، من بينهم روسيان على الأقل، بالإضافة إلى 140 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية. وأوضح أن التنظيم نفذ هجمات وتفجيرات وكمائن في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء. كما وثق المرصد مقتل 4 مدنيين يعملون في حقول الغاز و11 من الرعاة، وامرأة في هجمات التنظيم، مؤكداً مقتل 273 من "داعش"، خلال الفترة ذاتها.
وبيّنت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن للتنظيم وجوداً قوياً في البادية، خصوصاً في عدة جبال داخلها، مشيرة إلى أنه لا يمكن تحديد عدد عناصر "داعش"، غير أنها جزمت أنهم عدة آلاف "ينتشرون على طول البادية السورية". وفي هذا السياق، أوضح مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن العملية الروسية الحالية "ليست الأولى من نوعها ضد التنظيم في البادية السورية"، مشيراً إلى أن الروس قاموا بعدة عمليات تمشيط سابقاً. وبيّن أن التنظيم "ينشط في بادية دير الزور من الحدود العراقية وصولاً إلى الحدود الأردنية"، معرباً عن اعتقاده بأن العملية الروسية "غير مجدية"، موضحاً أنه "لا يمكن القضاء على التنظيم بشكل كامل في البادية السورية". 
وقال إن "التنظيم أقام نقاط تمركز كبيرة في البادية إبان سيطرته على نحو نصف مساحة سورية خلال 2014 و2015. وقد أنشأ أماكن اختباء لعناصره في البادية، ما يؤكد أنه كان يستعد لهذه المرحلة منذ سنوات". وأشار إلى أن "الطرق التي أقامها التنظيم ما بين باديتي سورية والعراق لا تزال مفتوحة"، مضيفاً أنه "من الصعب تمشيط هذه البادية، لأن الجغرافيا تخدم خلايا التنظيم التي تتوزع في مجموعات صغيرة". وأوضح أن عناصر هذه الخلايا يستخدمون الدراجات النارية التي يصعب استهدافها"، مشيراً إلى أن التنظيم يستخدم أسلحة فردية ومتوسطة لصعوبة رصدها"، مضيفاً: "لا يمكن أن يحقق الروس هدفهم من العمليات العسكرية".