الهجرة إلى العالمية

الهجرة إلى العالمية

18 سبتمبر 2020
محمود حماد/ سورية (جزء من لوحة)
+ الخط -

لا يوزّع الكاتب العربي في بلاده، وفي العالم العربي، الذي يزيد عدد سكانه اليوم على ثلاثمائة مليون نسمة، أكثر من ألفي نسخة، من أفضل رواياته، أي من رواية واحدة جيدة ومشهورة بين القراء. ومع ذلك فإنه يحلم بالهجرة إلى العالمية، ويأمل أن يكون حظّه في اللغات الأخرى أكبر من حظه في لغته الأم، وأن يكون عدد الذين سيقرأون روايته، في تلك اللغة التي سيهاجر إليها، أكثر من عدد من قرأوها من بين إخوته المفترضين الذين رضعوا حليب هذه الأم ـ اللغة نفسها في هذا العالم العربي. ومن الطريف أن تكون الترجمة واحدة من المعايير التي يتم من خلالها تقدير قيمة الكاتب في بلادنا، وفي لغتنا. بل إن بعض القرّاء يتمنون لمن يعجبهم من الكتاب أن يترجم إلى لغة ما أجنبية، كي يصبح "عالمياً".

من حق الكاتب أن يبحث عن القراء، غير أن هذا الهاجس المحق ناجم عن الإحباط، لا عن النجاح والحضور. ففي حين نشهد صعوداً مميزاً للرواية العربية في دائرة النشر العربية، نلاحظ فتوراً في قراءتها، وثمة من يلعنها أحياناً، وقد يتهمونها بالرداءة، وضعف المستوى الفني، وقلّة التجربة، والعجز عن إنجاز تقنيات مبتكرة، وإلى ما هنالك من مآخذ تسجّل ضد الرواية العربية، وتشهد أرقام التوزيع مدى قلّة ثقة القارئ العربي بالكاتب العربي.  فكيف نحلم إذن بأن يقرأ رواياتنا قارئ من لغة أخرى لا يعرف عنّا شيئاً يذكر؟   

صعود للرواية العربية في دائرة النشر العربية يقابله فتور في قراءتها

تضع باسكال كازانوفا في كتابها "الجمهورية العالمية للأدب" الكثير من المقاييس لتسمية الأدب عالمياً، وليس من بين تلك المقاييس إلا القليل مما يمكن أن يساعد الأدب العربي كي ينتمي فعلياً إلى جمهورية الأدب العالمي، بل إن بعض تلك المقاييس تجعلك تشعر باليأس، ومنها مثلا "القِدَم" وهو مقياس شديد الظلم، إذ إن عمر الرواية العربية لا يزيد عن مائة سنة، ومن الصعب أن تقف في السباق العالمي مع دانتي وسرفنتس وبلزاك أو فلوبير. ثم إن الوقائع على الأرض تثبت أن الكثير من الأعمال، خارج لغتنا، اخترقت شرط القِدَم، وتمكنت من تبوّء مكانة مهمة في سياق الأدب العالمي، خذ "مائة عام من العزلة " و"يوليسيس" و"الصخب والعنف". فمن أين نأتي بالقديم، غير الشعر؟ 

باستثناء "ألف ليلة وليلة"، وهو كتاب يحقق شرط القِدَم، لم يتمكن كتاب عربي من تجاوز حدود البحر المتوسط من حيث الحضور العالمي، والشهرة، والانتشار بين القرّاء في العالم. والطريف في حالة كتاب "ألف ليلة وليلة" أن الترجمة ساعدت في شهرته العالمية، ودفعت مئات آلاف من القرّاء للتعلّق به، كما كان له أثر كبير في خيال العشرات من الروائيين المعروفين في العالم. ولكن هل كانت الترجمة وحدها هي التي ساهمت في هذه المكانة؟  قد يصلح هذا الكتاب، إذا ما تأملنا مصيره، أن يدرس من هذا الجانب، لمعرفة بعض تلك الأسباب التي وضعته في هذه المكانة، وبعض تلك الأسباب التي تحرم غيره.   


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية

المساهمون