لا تنسوا الشهيد

لا تنسوا الشهيد

25 يناير 2017
التقت به بعد أشهر (محمد عبد/ فرانس برس)
+ الخط -
عند الثالثة من عصر يوم الثامن والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011 المعروف بـ"جمعة الغضب"، وفي قلب ميدان الجلاء بحيّ الدقي في محافظة الجيزة بالقرب من العاصمة المصرية القاهرة، كانت قوات الشرطة قد بدأت في إلقاء وابل من قنابل الغاز المسيل للدموع، ومن بعدها تصويب طلقات الخرطوش والرصاص الحيّ في اتجاه المتظاهرين المتوجهين إلى ميدان التحرير، من خلال كوبري قصر النيل.

كان العشريني أحمد رفعت يقف بين آلاف المتظاهرين، في مواجهة قوات الأمن. قابل فتاة لم يكن يعرفها من قبل، توجه نحوها ما إن لمح حقيبة صغيرة تلتف حول كتفها وخصرها، وسألها: "هل بإمكانك أن تحتفظي بنظاراتي معكِ في الحقيبة. أخاف أن تنكسر ويدخل زجاجها في عينيّ".

كانت شبكات الاتصالات والإنترنت مقطوعة بالكامل عن مصر حينها، بأمر مباشر من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. ردّت الفتاة: "لكن لا اتصالات فكيف سأقابلك مجدداً؟". ترك لها رقم هاتفه وقال: "لو كان لنا عمر سنتقابل".

مضت أشهر عديدة على اندلاع الثورة، حاولت فيها الفتاة الاتصال برفعت الذي ظل هاتفه مغلقاً طويلاً، قبل أن تتمكن من الوصول إليه لتخبره أنّ نظاراته ما زالت بحوزتها. أخبرها أنّه أصيب خلال الاشتباكات مع الأمن، واستشهد صديقه، ومكث طويلاً في المستشفى، وضاع هاتفه، وما إن تعافى حتى استعاد خطه من شركة الاتصالات. أشهر مضت قبل أن يتقابلا ثانية أمام مطعم شهير في ميدان التحرير اتفقا على اللقاء أمامه في أغسطس/ آب 2011. أعطته نظاراته التي حافظت عليها كما هي "بعلامات التراب وبقايا آثار الدموع وشرخ صغير في إطار العدسة اليمنى". تبادلا الأحاديث والذكريات. وأسرّت له أنّها خافت من أن يكون قد استشهد. أصبحا صديقين مقربين منذ ذلك الحين، بالرغم من الخلافات الأيديولوجية التي فرّقت بينهما أحياناً.


لدى مجدي مصطفى حكايات وصور للشهيد أحمد بسيوني الملقب بـ"فنان الثورة". أصدقاء الشهيد أحمد بسيوني، ظلوا على العهد من بعده، متمسكين بسلاح الفن، وإن تفرقت بهم سبل السياسة والثورة. شارك أصدقاء الشهيد ببعض من أعماله في معرض بجناح مصر الدولي ببينالي فينيسيا عام 2011، الذي نظمته الفنانة عايدة الترعي بمساعدة زملاء الشهيد شادي نشوقاتي ومجدي مصطفى وحسام هدهد. بسيوني استشهد عن 31 عاماً يوم "جمعة الغضب" أيضاً. كان أستاذاً مساعداً في كلية التربية الفنية بجامعة حلوان التي نال منها الماجستير، وكان أباً لطفلين هما آدم وسلمى.

قتل بسيوني برصاص الأمن المصري، كما دهسته مدرعة للأمن المركزي. لم يتمكن أصدقاؤه وطلابه حتى من محاولة إنقاذه. وبعد نقل جثمانه إلى المشرحة، أُجبر أهله على التوقيع على محضر تنازل عن جميع حقوقه ومستحقاته، مقابل تسلّم الجثمان. وأشار التقرير الطبي إلى أنّه توفي نتيجة "إصابته بالرصاص الحي، وتهتّك في الذراع والصدر والرجل بسبب دهسه بمدرعة أمن مركزي".

ما زال مجدي مصطفى يتذكر صديقه الشهيد ويحكي عنه عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". ينشر صوره الأخيرة في الميدان، ويدعو له بالرحمة مذكّراً الجميع به: "لا تنسوا الشهيد أحمد بسيوني".

للثورة شهداء آخرون تميّزوا بفنهم، وما زال أصدقاؤهم وأهلهم يذكّرون بهم ويعرضون أعمالهم ما أمكن، مثل الفنان زياد بكير. في السابعة والثلاثين قتل الفنان التشكيلي ومصمم الغرافيك يوم "جمعة الغضب" أيضاً. استغرقت رحلة البحث عن جثمانه نحو 40 يوماً، قضتها أسرته بين المستشفيات والسجون والأقسام والمشارح، حتى عثرت عليه عن طريق المصادفة في مشرحة زينهم، حيث كان مسجلاً باسم آخر، وبتحليل الحمض النووي (دي إن ايه) جرى التعرف على جثمانه، ودفنه.

بكير، كان أباً لثلاثة أطفال، حبيبة وأحمد وأدهم. شُيّع جثمانه في جنازة مهيبة، خرجت من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير، حيث ارتقى برصاص قوات الأمن المصرية. ما زال شقيق بكير وأصدقاؤه وتلامذته أيضاً يحيون ذكراه، وينشرون أعماله عبر مواقع التواصل الاجتماعي.