ليبيا: مقترحات لتسوية الأزمة سياسياً تحت الضغط العسكري

ليبيا: مقترحات لتسوية الأزمة سياسياً تحت الضغط العسكري

20 ديسمبر 2019
لا يبدو أن هناك توقفاً للمعارك قريباً(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من استمرار المعارك العسكرية في عدد من محاور القتال حول العاصمة الليبية طرابلس بين قوات حكومة الوفاق التي يترأسها فائز السراج، ومليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلا أن الحل السياسي لم يغِب عن غرف صناعة القرار لدى محور حلفاء حفتر، الممثل في تجمّع مصر والإمارات وفرنسا والسعودية، وذلك في وقت يستمر فيه التشاور الدولي والإقليمي حول الملف الليبي بين مختلف الأطراف المعنية، فيما لم يشهد الميدان أي تغييرات كبيرة في السيطرة على طرابلس.

وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية وخليجية لـ"العربي الجديد"، عن ملامح تصور حل سياسي خلُصت إليه دوائر صناعة القرار المعنية بالملف الليبي في مصر والإمارات والسعودية، بالتشاور مع الجانب الفرنسي، قائلة إن "التصور الجديد الذي بدأ التسويق له لدى داعمي حكومة الوفاق وفي مقدمتهم إيطاليا والاتحاد الأوروبي، يتمثل في عدة خطوات، إحداها متعلقة بحكومة الوفاق، من خلال استمرار آلية الحكومة كمخرج أساسي لاتفاق الصخيرات، ولكن مع تغيير في الأسماء عبْر التوافق على شخصية سياسية جديدة بخلاف السراج تحظى بتوافق الليبيين والجانب الأممي"، على حد تعبير المصادر، على أن تقود تلك الشخصية حكومة جديدة ممثلة لكل ليبيا شرقاً وغرباً، وتضم تلك الحكومة ممثلين عن كافة المناطق.
وأضافت المصادر أن الجانب الثاني من التصور السياسي المقترح لحل الأزمة يتمثّل في دمج كافة الكتائب والقوات التي تقاتل تحت راية حكومة الوفاق، مع المليشيات التابعة لحفتر، تحت مسمى الجيش الوطني الليبي الموحد، على أن تكون تلك العملية تحت إشراف أممي كامل. وأوضحت المصادر أن المسؤولين المعنيين بالملف الليبي من الجانب المصري والإماراتي بدأوا بالترويج والتسويق لذلك الحل لدى داعمي حفتر، مشيرة إلى أن القاهرة طرحت ذلك على المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، الذي زار مصر أخيراً والتقى عدداً من المسؤولين المصريين، بالإضافة إلى رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح.

وأشارت المصادر إلى أن "تقديم الحل السياسي وفقاً لهذا التصور لا يعني وقف عملية حفتر العسكرية الرامية لدخول العاصمة"، موضحة أن "هناك إيماناً بأن التفاوض تحت القصف المدفعي والنار يحقق نتائج أفضل"، على حد تعبير المصادر. ولفتت إلى أن العقبة الأبرز التي تواجه تصور الحل السياسي هي الممانعة التركية، موضحة أنه في حال توافقت الأطراف الأخرى الداعمة لحكومة الوفاق، سيكون على روما إقناع أنقرة.
وأوضحت المصادر أن التصور المصري الإماراتي لم يحظَ برضا من قِبل حفتر الذي يستبعد الحل السياسي على الرغم من عدم قدرته على حسم الأمور ميدانياً عبر الحل العسكري، لافتة إلى أنه مجبر على مسايرة هذا التصور.

وعن تحريك الحل السياسي في الوقت الراهن على الرغم من تداول وسائل الإعلام المحسوبة على حفتر أنباء بشأن قرب اقتحام العاصمة، قالت المصادر إن الحل العسكري بشكل عام يصطدم مع وجهة النظر الغربية والأممية التي ترى أن حلاً كهذا لن يكون حلاً حقيقياً للأزمة، وسيخلق حالة من الفوضى العارمة التي لن يكون من السهل مواجهتها، ولولا التصعيد التركي الأخير عبر توقيع مذكرتي التفاهم بشأن تحديد المصالح الاقتصادية في مياه البحر المتوسط والجانب الأمني، لما كان هناك تصعيد، لافتة إلى أن تصور الحل السياسي كان يتم التجهيز له منذ فترة.

في السياق نفسه، كشف برلماني من طبرق، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو نقل إلى حفتر وعقيلة صالح وعداً أوروبياً بالوقوف ضد الاتفاقين الأمني والبحري بين أنقرة وحكومة الوفاق، مقابل القبول بشكل الحل الذي سيتوصل إليه الأوروبيون في مؤتمر برلين حول ليبيا. وأضاف البرلماني أن "روما تحاول كسر تعنّت حفتر بدعوته لزيارتها بعد رفضه طبيعة ترتيبات وقف إطلاق النار التي تشترط انسحابه مقابل حصوله على مركز عسكري أعلى"، مؤكداً أن حفتر قابل رسالة دي مايو بالقول "عليكم ألا تنسوا أن الجيش هو الذي يؤمّن حقول ومواقع النفط والغاز". وأكد البرلماني أن صيغة البيان الختامي لمؤتمر برلين لم يرشح منها شيء عدا وقف إطلاق النار وانسحاب حفتر لمواقع محددة.

من جهته، قال دبلوماسي ليبي مطلع على مشاورات الإعداد لمؤتمر برلين، لـ"العربي الجديد"، إن "الصيغة الحالية للبيان الختامي للمؤتمر ليست نهائية، وهناك دعوة ألمانية لأطراف إقليمية جديدة". وأكد الدبلوماسي أن "سرعة الحراك الأوروبي جاءت بعد استشعار خطورة تقارب تركي روسي في ليبيا، فيما تحاول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل احتواء أنقرة من خلال دعوتها للمشاركة في ما تبقى من المشاورات"، لافتاً إلى أن تأخر الإعلان حتى الآن عن موعد انعقاد المؤتمر يدل بشكل واضح على عدم التوصل إلى صيغة توافقية فضلاً عن البيان الختامي. وتساءل الدبلوماسي "إذا توافق المشاركون في برلين على بيان ختامي للمؤتمر فما جدوى بعثة الوساطة الأوروبية لليبيا التي اقترحتها إيطاليا؟ هذا يعني استمرار الخلافات الدولية".


يأتي هذا في وقت أعلن فيه دي مايو أن الحكومة الإيطالية بصدد تعيين مبعوث خاص إلى ليبيا من أجل إقامة علاقة سياسية رفيعة المستوى، متواصلة ومكثفة مع كل الأطراف الليبية. وأضاف في سياق حديثه عن نتائج زيارته إلى ليبيا، أنه سيتحدث مع السراج لبحث نتائجها، وأنه سيقابل حفتر في روما خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وفق اتفاق معه في بنغازي.

في غضون ذلك، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، في اتصال هاتفي مع ميركل، القضية الليبية، عقب إعلان السيسي استمرار دعمه لمليشيات حفتر وهجومه الإعلامي على حكومة الوفاق. وقالت الرئاسة المصرية إن الاتصال شهد استعراض عدد من الملفات الإقليمية، خصوصاً الوضع في ليبيا، وأكدت ميركل حرصها على تبادل وجهات النظر والرؤى مع السيسي في ما يخص التطورات الأخيرة على الساحة الليبية، وذلك "في ضوء دور مصر الفاعل في المنطقة وكذلك رئاستها الحالية للاتحاد الأفريقي". وأشارت ميركل إلى سعي بلادها للحل السياسي في ليبيا، إذ تم التوافق على ضرورة تكثيف الجهود للعمل على إنهاء الأزمة الليبية من خلال مقاربة شاملة تتضمن كل جوانب القضية. وبحسب بيان الرئاسة، أكد السيسي "موقف مصر الساعي إلى وحدة واستقرار وأمن ليبيا، ودعمها لجهود مكافحة الإرهاب والجماعات والمليشيات المتطرفة التي تمثل تهديداً ليس فقط لليبيا بل أيضاً لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط بأسرها، وكذلك وضع حد لحجم التدخّلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي".

من جهته، رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أفضل تسوية للأزمة الليبية تتمثل في وقف أعمال القتال واتفاق الأطراف المتناحرة على أطر الحكم في البلاد، مؤكداً استمرار تواصل بلاده مع حفتر والسراج. وقال بوتين في مؤتمره السنوي، أمس: "من وجهة نظرنا، فإن الأكثر صواباً هو التوصل إلى حل بين الأطراف المتناحرة من شأنه وقف أعمال القتال والاتفاق على من سيحكم البلاد وفي أي إطار. ليبيا، من وجهة نظري، مهتمة بذلك". واعتبر أنه "من الصعب في ليبيا الآن تحديد من على صواب ومن يقع عليه اللوم. الشيء الأكثر صحة هو إيجاد حل لوقف الأعمال القتالية".

في هذا الوقت، قالت حكومة الوفاق، في بيان أمس، إنها وافقت على تفعيل مذكرة التفاهم للتعاون الأمني والعسكري مع تركيا. ونقلت "قناة فبراير" الخاصة، أن حكومة الوفاق قررت "بالإجماع" الموافقة على عرض الدعم الفني والنوعي المقدم من تركيا. وذكرت القناة أن الحكومة وافقت أيضاً على طلب دعم عسكري من كل من الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا. فيما أفاد مصدر في حكومة الوفاق لوكالة "الأناضول"، بأنها عقدت "اجتماعاً استثنائياً"، ضم آمري المناطق العسكرية الغربية والوسطى والجنوبية، من دون ذكر تفاصيل إضافية. فيما قال مكتب الإعلام التابع للمجلس الرئاسي إن السراج بحث مع وكيل وزارة الدفاع في الحكومة، العميد صلاح النمروش، "الوضع العام على الجبهة، وآليات التنسيق بين الوحدات العسكرية المختلفة".

ميدانياً، ساد هدوء حذر، صباح أمس، على محاور القتال في الأحياء الجنوبية للعاصمة طرابلس، مع محاولات من وقت لآخر من مليشيات حفتر لاقتحام هذه الأحياء. وعلى عكس ما يروّج له حفتر وقواته، أكد آمر محور عين زارة، يوسف الأمين، في تصريحات إعلامية، تقدُّم قوات حكومة الوفاق منذ مساء الأربعاء في محوري عين زارة ووادي الربيع، وذلك عن طريق استهداف تمركزات مسلحي حفتر بالمدفعية الثقيلة والأسلحة المتوسطة.
كما أكد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابعة للجيش الليبي بقيادة حكومة الوفاق، عبد المالك المدني، استمرار وصول التعزيزات العسكرية لمحاور القتال في جنوب العاصمة، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أمس، أن وحدات الجيش شنّت خلال الساعات الماضية "هجوماً على تمركزات لمليشيات حفتر في محوري وادي الربيع وعين زارة"، جنوب طرابلس، مشيراً إلى أن تلك الوحدات عززت مواقعها وحصّنت كل التمركزات في المحورين. وفي سياق متصل، أصدر المجلس العسكري ومجلس الأعيان ومؤسسات المجتمع المدني في مدينة نالوت بياناً أكدوا فيه مساندتهم لحكومة الوفاق ووقوفهم معها واستمرار مشاركتهم في دحر العدوان.