جوليا ميسا.. امرأة حديدية حكمت روما من خلف ستار

جوليا ميسا.. امرأة حديدية حكمت روما من خلف ستار

04 مارس 2023
سفيروس وابناه كراكلّا وغيتا على "قوس سفيروس" في روما، والذي يخلّد انتصاراتهم (Getty)
+ الخط -

خلافاً لشقيقتها جوليا دومنا التي اعتمدت على نفوذ زوجها وابنها الإمبراطورَين الرومانيّين من أصل ليبي: سبتيموس سفيروس وابنه كركلّا، استطاعت الأميرة الحمصية جوليا ميسا أن تحكم الإمبراطورية الرومانية سبع سنوات حتى وافتها المنية، واستمرّت من بعدها ابنتُها جوليا ماميا في الحكم لأكثر من عشر سنوات، تغيرت فيها الإمبراطورية تغيراً جذرياً، فاندمج الشرق بالغرب، كما لم يحدث من قبل، ودخلت معتقدات وقيم السوريين والمصريين إلى قلب روما ذاتها، الأمر الذي عدّه مؤرّخو الإمبراطورية، من غلاة المتعصّبين لطابعها اللاتيني، مرحلة انحطاط انعكست على تقييم تلك المرحلة، فألصقت بالأميرات الحمصيات العربيات أشنع التهم الظالمة.


خدعة الوريث

بعد مقتل الإمبراطور كركلّا، ووفاة أمه جوليا دومنا حزناً عليه بعد فترة قصيرة، استطاعت جوليا ميسا بمساعدة القوات الموالية للسلالة السِّفيرية، الإطاحة بقاتلة الإمبراطور ماكرينوس في وقت مبكّر من ربيع عام 218 للميلاد، وأعلنت أنّ حفيدها المعروف باسم إيل جبالوس، والبالغ من العمر أربعة عشر عاماً فقط هو ابن للإمبراطور المقتول كركلّا، فرفعه الجند إلى العرش، وحكمت ميسا وابنتها سحيمية من خلاله الإمبراطورية، وحازت لقب أوغستا.

ولدت جوليا ميسا في 7 أيار/ مايو قبل عام 160م، واسمها عربيّ مشتقّ من الفعل ماس، أي تمايل في مشيته، وما زال الاسم مستخدماً حتى الآن. وقد تزوجت من نبيل حمصي عربي يدعى يوليوس عويذ عرفنا سيرته الذاتية من نقش طويل عثر عليه في سبليت في كرواتيا القديمة، حيث بدأ حياته المهنية في الفروسية، مدير وحدة مساعدة من البتراء، ثمّ قائد فيلق، ثم قائد سرب في سلاح الفرسان، ثمّ مسؤولاً عن الإمداد الغذائيّ لروما، ثمّ سيناتوراً برتبة قاض بريتوري. وفي عهد عديله سبتيموس أعطي قيادة الفيلق الرابع الفلافيانيّ المتمركز في حوض الدانوب، والذي شارك في حملات سفيروس الشرقيّة، ضدّ منافسه نيجر والإمبراطوريّة البارثيّة.

انتقلت ميسا وعائلتها إلى روما، بعد وقت قصير من اعتلاء شقيقتها العرش، وعاشت في البلاط الإمبراطوري مع ابنتيها سحيمية وماميا، وزوّجَتهما لرجال سوريين وصلوا إلى أرفع المناصب القنصلية والإدارية. ولكن بعد مقتل الإمبراطور كركلّا في العام 217م، واغتصاب ماكرينوس العرش، وانتحار شقيقتها دومنا، عادت ميسا وبناتها إلى حمص، ولكن إلى حين، إذ بدأت ميسا بالعمل على العودة إلى البلاط الإمبراطوري منذ اللحظة الأولى لوصولها إلى حمص، وكان زوجها قد فارق الحياة في جزيرة قبرص قبل مقتل كركلّا بقليل، وكذلك زوج سحيمية، فوقع الاختيار على ابن سحيمية: فاريوس أفيتوس باسيانوس، البالغ من العمر 14 عاماً، ليكون وليّ الدم، والمطالب بعرش كركلّا، والده غير الشرعي.

من أجل ذلك بدأت ميسا بتقديم ثروتها الكبيرة للجنود المُخلصين مقابل دعمهم، وبدأت الأخبار تنتشر في معسكرات الفرقة الغاليّة الثالثة، المؤلّفة في أغلبيّتها من جنود سوريين، والمرابطة قرب مصياف (وسط سورية الحاليّة)، بأنّ باسيانوس، المعروف باسم إيل جبالوس، هو ابن كركلّا، فأخذته جدّته ميسا وأمّه سحيمية إلى المعسكر ليلاً؛ وهو يرتدي ملابس كان كركلّا يرتديها عندما كان في مثل سنّه، فاعترف به الجنود على الفور إمبراطوراً في السادس عشر من أيار/ مايو عام 218م.

وعلى الرغم من أنّ ماكرينوس كان في سورية مع قوّاته، لم يستطع منع انتشار التمرّد بين الجيوش، ففي 8 حزيران/ يونيو دارت معركة حاسمة بالقرب من أنطاكية بين جيش إيل جبالوس وجيش ماكرينوس، وكانت جوليا ميسا وجوليا سحيمية حاضرتين في ساحة المعركة. وبحسب المؤرّخ كاسيوس ديو، فإنّ قوات ماكرينوس كانت لها اليد العليا في البداية، لكن ميسا وسحيمية كانتا قادرتين على إقناع الجنود الفارين من جيش إيل جبالوس بالصمود، وبذلك تحقّق النصر لهما، وقبض على ماكرينوس وهو يحاول الفرار فقُتل على الفور. 


جوليا سحيمية

وهكذا أصبحت جوليا سحيمية والدة الإمبراطور والوصية على العرش. وهي ابنة جوليا ميسا الكبرى. وُلدت في حمص عام 180م، واسمها أيضاً عربيّ مشتقّ من السواد مثل خالتها دومنا، ويشبه اسم أحد ملوك حمص يوليوس سحيم (حكم من 54 حتى 73م). تزوّجت سحيمية من السوري سكتوس فاريوس مارسيلوس المنحدر من مدينة أفاميا على نهر العاصي، وأنجبت منه في عام 203م ابنها فاريوس المعروف باسم إيل جبالوس. وكان زوجها فارساً مؤيّداً موثوقًاً به من كركلّا الذي رفعه إلى رتبة سيناتور، وعيّنه حاكماً لإقليم نوميديا في الجزائر الحاليّة، لكنّه توفّي في عام 217م. 

الصورة
جوليا سحيمية - القسم الثقافي
تمثال بالطول الكامل لجوليا سحيمية في "متحف أنطاليا" بتركيا (ويكيبيديا)

كانت سحيمية تخطّط للزواج من نبيل حمصيّ يُدعى غني، يبدو أنّه ساعدها في خطّة تنصيب ابنها إمبراطوراً، وفقاً لكاسيوس ديو، وأن يحصل مقابل ذلك على لقب قيصر. لكن هذا المشروع أحبط في أثناء رحلة العائلة الإمبراطوريّة من سورية إلى روما. قام إيل جبالوس بقتل غني في نيقوميديا، ربما لأنّه رآه وصيّاً غير مرغوب فيه، وقد كشفت هذه العمليّة عن عجز جوليا سحيمية أمام ابنها المراهق المنفلت من أيّ عقال. لكن؛ مع ذلك، لعبت دوراً رئيسياً بإشراف من أمها جوليا ميسا في إدارة شؤون الإمبراطوريّة، خلال فترة حكمه التي دامت أربع سنوات (218 - 222م). والحقّ أنّها كانت فترة مضطربة للغاية، بحسب شهادات المؤرّخين المعاصرين، فقد كان الإمبراطور الشابّ مهتماً بالدين أكثر من اهتمامه بالسياسة، وهو ما منح الجدّة جوليا ميسا فرصة لإدارة الإمبراطورية من خلف ستار.


إغداق العطايا

ورغم محاولات ميسا تلافي ذلك الخلل بإغداق العطايا على الجنود، ومحاولة استرضاء أعضاء مجلس الشيوخ، كانت الهوّة تتّسع يوماً إثر يوم بين الإمبراطور العنيد والرومان، وكانت بوادر الثورة تلوح في الأفق، فبدأت جوليا ميسا وابنتها الصغرى جوليا ماميا في إعداد ابنها المراهق الإسكندر سفيروس، ليكون الخليفة المستقبلي لابن خالته إيل جبالوس، من أجل ضمان استمرار السلالة. وقد وافق الإمبراطور إيل جبالوس على أن يكون ابن خالته قيصراً نتيجة احترامه الكبير لجدته ميسا التي كانت تدير الأسرة الحاكمة.

روى القصّة المؤرّخ هيروديان كما يلي: "ثمّ تمّ تعيين الإسكندر قيصراً، وشغل منصب القنصل مع إيل جبالوس نفسه، وقد أكّد إيل جبالوس هذا التعيين لأعضاء مجلس الشيوخ الذين صوّتوا بالموافقة على الوضع الرائع والسخيف الذي أُمروا بتأييده، أنّ الإمبراطور الذي كان يبلغ من العمر حوالي ستة عشر عاماً، كان يتولّى دور والد الإسكندر الذي كان في الثانية عشرة من عمره. وبعد تبنّي الإسكندر كقيصر، تعهّد إيل جبالوس بتعليمه ممارساته الخاصّة؛ وأمره بالرقص، وأراد الصبيّ أن يقلّد مظهره وأفعاله، لكن والدته ماميا منعته من المشاركة في أنشطة مشينة للغاية، ولا تليق بإمبراطور، فقامت باستدعاء معلّمي كلّ مادّة على انفراد، ودرّبت ابنها على دروس الانضباط الذاتيّ؛ نظراً لأنّه كرّس نفسه للمصارعة والتمارين البدنيّة أيضاً، فقد تعلّم بجهود والدته وفق النظامين اليونانيّ والرومانيّ. 

انزعج إيل جبالوس كثيراً من هذا، وأعرب عن أسفه لقراره جعل الإسكندر ابنه وشريكه في الإمبراطوريّة، لذلك طرد معلّمي الإسكندر من القصر الإمبراطوريّ، وأعدم بعض أبرز الشخصيّات، ونفى آخرين بدعوى أنّ هؤلاء الرجال، من خلال تعليم الإسكندر ضبط النفس، وتثقيفه في الشؤون الإنسانيّة، ورفض السماح له بالرقص والمشاركة في العربدة المسعورة، سوف يفسدون ابنه بالتبنّي. ازداد جنون إيل جبالوس إلى درجة أنّه عيّن جميع ممثلي المسارح العامّة في أهمّ المناصب الإمبراطوريّة، واختار محافظاً بريتورياً له رجلاً كان يرقص علناً منذ الطفولة في المسرح الرومانيّ، وقام بترقية ممثّل شابّ آخر، وكلّفه بتعليم السلوك للشباب الرومانيّ وتأهيل المعيّنين لعضويّة مجلس الشيوخ والفروسيّة. وأوكل إلى العازفين، والممثّلين الكوميديين، وممثّلي التمثيل الصامت، أهمّ المناصب الإمبراطوريّة وأكثرها مسؤوليّة، كما عيّن العبيد والمحرّرين والمحكومين بأفعال مشينة حكّام مقاطعات".


صراع الشقيقتين

سرعان ما أدرك إيل جبالوس أنّ ذلك سيشكّل بداية لعزله، فحاول اغتيال ابن خالته، ونشب صراع على الوجود بين الخصمين وأمّيهما الشقيقتين. ففي 11 آذار/ مارس من عام 222م جرى عزل جوليا سحيمية وابنها، وبالتالي لم تكن لديهما أيّ فرصة للنجاة، فأعدما بقطع رأسيهما. وقيل إنّ الجدّة جوليا ميسا، الخائفة على مصير العائلة، هي التي دبّرت أمر الانقلاب، بعد وصول الحرب بين طرفي العائلة إلى منزلقات خطيرة.

الصورة
جوليا ماميا - القسم الثقافي
تمثال رأسي لجوليا ماميا في "متحف اللوفر" (ويكيبيديا)

لقرون طويلة كانت صورة سحيمية سلبيّة في مؤلّفات المؤرّخين والأدباء الرومان والأوروبيين، وقد يكون مردّ ذلك إلى كتاب "تاريخ أوغستا" بالدرجة الأولى، ولكن لا بدّ من تحميل المسؤوليّة أيضاً للمواقف المُسبقة من المرأة في المجتمعات الأوروبيّة في تلك الأعصر والأحقاب. غير أنّ الدراسات الحديثة بدأت تعيد الاعتبار لسحيمية، وتعدّ المزاعم عن علاقتها غير الشرعيّة بابن خالتها الإمبراطور كركلّا مجرّد ثرثرة تخفي حقيقة أنّ الموضوع برمّته؛ كان وسيلة لاستعادة حكم تمّ اغتصابه، أمّا عن اتهامها بأنّها كانت أقلّ ذكاء من والدتها ميسا في شؤون السياسة فيبدو أنّه رأي استشراقيّ تقليديّ، إذ بات من الواضح أنّها كانت غارقة في مهمّتها الصعبة والخطيرة للغاية، كأمّ لحاكم شابّ كان يقاوم النصيحة، ودفعت حياتها ثمناً لذلك.


جوليا ماميا

في الصراع بين الشقيقتين سحيمية وماميا، وابنيهما، انحازت الجدّة ميسا إلى جانب ماميا التي تبيّن أنّها أحسنت تربية ابنها الإسكندر سفيروس، بحسب رأي المؤرّخين المعاصرين، ولكن المؤرّخين ذاتهم عادوا، وحمّلوها المسؤوليّة في ضياع ملك ابنها بسبب بخلِها الشديد، وسيطرتها المطلقة عليه. وهي مولودة في حمص عام 180م، وعاشت في البلاط الإمبراطوريّ طوال عهد خالتها جوليا دومنا، وتزوّجت من النائب جيسيوس مارقيانوس، من مدينة عرقة قرب طرابلس الشام، فأنجبت في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر عام 208م ابنها الوحيد، باسيانوس ألكسيانوس الذي أصبح الإمبراطور ألكسندر سفيروس، وهو في الثالثة عشرة من عمره. 

وعلى عكس ابن خالته إيل جبالوس أثبت ألكسندر أنّه ثاقب البصيرة، ومطيع لنصائح جدّته وأمّه. وكان هناك انسجام وتناغم بين ماميا وأمّها، فحكمتا الإمبراطوريّة معاً، وكان دأبهما في البداية إعادة كسب ثقة مجلس الشيوخ، فقد تسبّب سلوك إيل جبالوس الاستفزازي في إحداث شرخ بين العائلة والمجلس، فتمّ تشكيل لجنة استشاريّة للإمبراطور الصغير، مؤلّفة من ستة عشر عضواً مرموقاً من مجلس الشيوخ. وقد ذكر السيناتور والمؤرّخ كاسيوس ديو أنّ ماميا عرفت كيف تختار أفضل المستشارين من بين أعضاء مجلس الشيوخ لابنها، وأنّها كانت تثق بهم في كلّ الأمور.

بعد وفاة الجدّة جوليا ميسا بين عامي 224 و225 للميلاد، تولّت ماميا السلطة بوعي وحزم، وكانت قد حملت لقب أوغستا منذ عام 222م، وهو لقب إمبراطوريّ رفيع. وظلّ الإسكندر تحت تأثير والدته حتى بعد بلوغه مرحلة الرجولة، وحصلت ماميا مثل خالتها جوليا دومنا على الألقاب الفخريّة: "أمّ المعسكر"، و"أمّ مجلس الشيوخ"، و"أمّ الوطن".


محنة الكنّة

تعرّضت ماميا لمحنة في علاقتها مع زوجة ابنها الأرستقراطيّة أوربيانا، بعد أن اختارتها له من بين نساء عديدات، إذ وقع الصراع على السلطة بعد عامين من الزواج بين الأمّ من جهة، وزوجة ابنها ووالدها سيوس سالوستيوس من جهة أُخرى، وانتهى الأمر إلى فسخ الزواج في عام 227م، ونَفْي أوربيانا إلى أفريقيا، وإعدام والدها سالوستيوس الذي تبيّن أنّه كان يحاول تحريض البريتوريين ضدّ ماميا. وبعد هذه التجربة لم تسمح ماميا لابنها بالزواج مرة أُخرى، وهو ما عرّض استمرار السلالة للخطر، لأنّه لم يكن هناك تنظيم لموضع ولاية العهد حتى نهاية عهد الإسكندر سفيروس.

الصورة
الإسكندر سفيروس - القسم الثقافي
ميدالية خشبية تحتوي تصويراً للإسكندر سفيروس (Getty)

اتبعت جوليا ماميا وابنها سياسة دينيّة متسامحة، فتشدّد إيل جبالوس للطقوس الدينيّة السوريّة، ورفعه لإله الشمس الحمصيّ فوق جميع الآلهة الأُخرى، كان السبب المباشر في النقمة عليه، لذلك أظهرت ماميا تسامحاً تجاه المسيحيين الذين نجَوا من اضطهاد إيل جبالوس، ويقال إنّها التقت باللاهوتيّ المسيحيّ أوريجانوس في أنطاكية، كما أهداها الأب البارز هيبوليتوس الرومانيّ رسالة عن قيامة المسيح، محفوظة حتى اليوم، لذلك سرت أقوال إنّها اعتنقت المسيحيّة سرّاً، هي وابنها.


أخطار من كلّ صوب 

كانت المخاطر التي تُحدق بالإمبراطوريّة كبيرة، فقد اضطرّ الإسكندر سفيروس للمشاركة في حملات عسكريّة ضخمة، صدّ في إحداها هجوماً كبيراً للإمبراطور الساساني الفارسيّ أردشير الأول في الشرق عام 232م، ثمّ ما لبث أن هرع إلى حدود الراين في النصف الثاني من عام 234م، أو في بداية عام 235م لصدّ هجوم جرماني. وكانت ماميا دائماً معه في ساحات القتال، وكالعادة كانت تلعب دوراً مهماً. لكن؛ بسبب طبيعتها الهادئة وميلها للتقشّف لم تكن تُغدق على الجنود كما كان يفعل سبتيموس سفيروس وكركلّا، وكانت تفضّل استخدام الأموال والغنائم لشراء السلام مع الجرمان. وتسبّب هذا بخيبة أمل بين الجنود الذين تنحصر آمالهم وأهدافهم عادة بتحقيق النصر والغنائم. لقد كرهوا ماميا واعتبروها بخيلة، وبدأوا يبحثون عن إمبراطور كريم يُغدق عليهم. ولم يطل الوقت حتى اندلع تمرّد، ورفع المتمرّدون الضابط ماكسيمينوس ثراكس إلى منصب الإمبراطور، حيث أصدر في مارس عام 235م أوامر سريعة بقتل ماميا وابنها الإسكندر في خيمتهما، في المعسكر الميدانيّ، عند التقاء نهري الماين والراين بالقرب من موغونتياكوم (ماينز غربي ألمانيا اليوم).

وهكذا انتهى حكم الأسرة السِّفيرية الليبية - السورية لروما الذي استمرّ أربعين عاماً، من غير العادل اختزالها بأنها مرحلة انحطاط روما، فقد عاشت الإمبراطورية الموحّدة بعدها نحو قرنين من الزمان، بفضل أبناء الشرق الذين اندمجوا فيها نتيجة حصولهم على المواطنة الرومانية، ودافعوا عنها في حروبها المصيرية مع الفرس والبرابرة الجرمان، والأهم من كلّ ذلك أنّهم أدخلوا ثقافتهم الهلنستية الشرقية إلى العاصمة نفسها، فأخذت مكانها كعاصمة للفلسفة ومركزاً عالمياً استقطب الأدباء والمفكّرين والحقوقيين من مختلف أقاليم الإمبراطورية.


* كاتب وباحث سوري فلسطيني

المساهمون