لا تكتُب بشكلٍ جيّد!

لا تكتُب بشكلٍ جيّد!

10 اغسطس 2023
بنتورا لـ خوان ميرو، 1934
+ الخط -

لا تكتب بشكل جيّد جدّاً. هذا لا يعني أن تَكتب بشكل سيّئ كما يقول الكاتب والمدرّب الفرنسي باتريك دو بواسبودري Patrick du Boisbaudry. ما يقصده هو أن تكتب بشكل تلقائي، لا تُحاول الافتعال، لا تحاول الزخرفة والتلميع، ولا تضع مقاييس عالية تؤدّي بك إلى كتابة نصوص رديئة، نصوص باعثة على السأم.
وأنت إذا ما تماديت أكثر وأكثر في الجري وراء الجودة وتحقيق هذه المقاييس العالية التي وضعتَها لنفسك، فقد يُؤدّي بك الأمر إلى العُقم والكآبة والموت.


■■■


تسحبك الرغبة في الجودة إلى نقيضها، إلى نصّ ميت، أو لا تُؤدّي بك إلى شيء.


■■■


يقول خورخي لويس بورخيس في هذا السياق: لو ظللتُ أُجوّد الكتابة لما أصدرتُ كتاباً...
كتّاب كثيرون، عانوا محنة الصفحة البيضاء، والصمتَ الداخلي المرعب، والقلق والشكوك القاتلة المصاحبة، يدرون معنى غياب نعمة الكتابة التلقائية.


■■■


التجويد يُبعدك عن ينابيع الإبداع القصية المدفونة في لاوعيك، يَصدُّك عن سماع صوت الطفل الثاوي في أعماقك.
التجويد هو الهروب من عالَم الغرابة والحلم، والخضوع إلى صوت الرقيب، إلى تعسُّف الأنا العليا.
التلقائية حدس، والإتقان والتجويد عقلٌ وليس ثمّة عدوّ للإبداع أشرس من العقل المنطقي الذي يدرك العالَمَ كأنماط ويعمل على إدخال العمل الإبداعي في التنميط...
عن استبعاد العقل يقول الفيلسوف الفرنسي آلان Alain (1951-1868): فنُّ الكتابة يسبق الفكر. 


■■■


الكتابة الإبداعية هي أن تترك السيلان الفنّي يمضي في سبيله، كانت تلك محاولات جماعة الدادا والسرياليّين من بعدهم.
نحن لا نُخطّط؛ فالكتابة كما الرقص واللعب. نحن لا ننظر إلى مواقع أقدامنا ولا نقيس المسافات التي تباعد بين أقدامنا.
وحتّى إن كنتَ وضعتَ خطّةً، فإنّك وأثناء الكتابة تجد نفسك تحيد عنها لأنّ للكتابة مساراتها الخاصّة، والغامضة. يقول الكاتب والفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين GIORGIO AGAMBEN: ستكون الكتابة شديدة الكآبة إذا لم تَحِد أبداً عن خطّتك.
المفارقة الكُبرى أنّ التجويد يُفسد النصوص ولا يحسّنها كما يدلّ معنى الكلمة.


* شاعر ومترجم تونسي مقيم في أمستردام

موقف
التحديثات الحية