نورا ناجي في "حديث الألف": سيبقى العالم أكثر جنوناً من مقاربتنا

نورا ناجي في "حديث الألف": سيبقى العالم أكثر جنوناً من مقاربتنا

03 مايو 2024
نورا ناجي في "حديث الألِف" (تصوير: حسين بيضون)
+ الخط -
اظهر الملخص
- نورا ناجي، الكاتبة المصرية، تستخدم الأدب لتفسير جنون العالم، معتبرةً إياه وسيلة لاستكشاف مجالات جديدة في التكنيك والكتابة. أعمالها تشمل روايات مثل "بانا" و"بنات الباشا"، وكتاب "الكاتبات والوحدة" الذي يستكشف حياة كاتبات مؤثرات.
- "بنات الباشا" تقدم سردًا لأصوات عشر شخصيات نسائية، مستكشفة موضوعات مثل الوحدة، الهوية، والمقاومة، وتركز على الشخصيات العادية التي تحمل عمقًا غير ملحوظ.
- في "الكاتبات والوحدة"، تناولت ناجي حياة تسع كاتبات مؤثرات، مستكشفة كيف أن الوحدة شكلت جزءًا من تجاربهن الشخصية والإبداعية، وكيف استخدمن الكتابة كوسيلة للتعبير عن الذات ومقاومة القوالب النمطية.

رأت الكاتبة المصرية نورا ناجي أن الأدب يقترب من تفسير جنون العالم ومحاكاته، لكن العالم سيبقى مع ذلك أكثر جنوناً. وعلى مدار ساعتين من ندوة "حديث الألف"، التي أُقيمت مساء أوّل أمس وأدارتها الكاتبة سمر يزبك، تناول النقاش جملة من أعمال ناجي التي قدمتها منذ عام 2014.

وهي في تجربتها تميل إلى التجريب، رغم قدرتها على كتابة رواية كلاسيكية وفق ما تقول، محيلة هذا في الأساس إلى رغبة فطرية في أن تكون كل رواية لها مجال لعب في التكنيك، بل أكثر من ذلك مجال استمتاع في الكتابة لذاتها.

ونورا ناجي، المولودة في مدينة طنطا عام 1987، صدرت لها روايات "بانا" (2014)، و"الجدار" (2016)، و"بنات الباشا" (2017)، و"أطياف كاميليا" (2020)، و"سنوات الجري في المكان" (2022)، إضافة إلى كتاب "الكاتبات والوحدة" (2020)، ومجموعة قصصية بعنوان "مثل الأفلام الساذجة"، والتي فازت بجائزة الدولة التشجيعية عام 2023، كما أسهمت في ترجمة كتابَين للأطفال هُما: "هل يمكننا مساعدة الأشجار؟"، و"هل يمكننا مساعدة النحل؟" عام 2022.

رواية "بنات الباشا"، التي يجري العمل حالياً على تحويلها إلى فيلم سينمائي، قالت نورا ناجي إنها رواية أصوات لعشر شخصيات نسائية في مركز تجميل، كل واحدة تروي وترمّم سردية أُخرى ناقصة في الوقت الذي يظهرن جميعهن ضمن تيار الوعي جاهزات للاعتراف الداخلي.

شعور بـ"الشفقة" بسبب صورة مي زيادة المتداولة نمطياً

وقد لا يبدو المكان التجميلي ذو المساحة المحدودة قادراً على تقديم إطار سردي عريض، لكن الحال عندها ليس كذلك، فهن عشر حيوات تتجمع وتنكشف جسدياً ونفسياً، بينما يلمع السؤال الأول المحفز: لماذا تتعرض المرأة لهذا الانكشاف وللألم حتى تصبح جميلة؟

كل شخصية لها ملامحها ويمكن رسمها في بورتريه واضح المعالم، ما عدا واحدة يُخصَّص لها فصل بعنوان "لا أحد"، وهو الفصل الذي تقول إنه الأحب إلى قلبها، لأن الشخصية بلا مميزات وهي غير مرئية، ولمجرد أنها عادية فإنها كافية لتفتن كاتبة الرواية. فالعادية التي تدرك عاديتها تشتمل على عمق لا ينتبه إليه أحد.

وقالت نورا ناجي إن الاشتباك مع المجتمع تفضله اشتباكاً جمالياً من موقعها كاتبةً. وكانت تقرر هذه الخلاصة لدى حديثها عن رواية "أطياف كاميليا"، المرأة التي اختفت أو هربت من بيتها، وبدت للكاتبة أن فكرة المقاومة على نحو ما هي المنظار الذي نظرت من خلاله إلى امرأة موهوبة وجميلة ومحبوبة قررت فجأة أن تغادر بيتها.

وقد جرت فكرة الاشتباك استطراداً للحديث عن اليقين السياسي، باعتبار الاشتباك مفردة تذهب مباشرة إلى السياسة، وباعتبار أن الطبيعي في الإنسان أن يكون سياسياً.

تساءلت: ما الكتابة إن لم تكن استبطاناً للمخفي؟

في هذا السياق، قالت إن ثورة يناير، وهي المثال الأكثر سطوعاً في الذاكرة المصرية خلال العقد الماضي، أخرجت طرفين كل منهما لديه يقين صحيح، الأول يقف ضد من لم ينخرط مباشرة، والثاني يرى أن الكاتب يحتاج إلى رؤية المنظور عن بُعد حتى يبدو له أوضح.

خارج السياق الروائي وجدت الكاتبة نفسها منخرطة في مشروع الكتابة عن تسع كاتبات فوراً بعد انتهائها من رواية "أطياف كاميليا"، وجمع عنوان الكتاب "الكاتبات والوحدة" سلسلة مقالات نشرتها ضمن ملف صحافي.

والوحدة ليست مواصفات ثابتة، بل كل حالة تنطوي على تجربة غنية، إما أنها انتهت نهاية مأساوية أو كانت الوحدة شكلاً من معاناة عميقة وقفت خلف المنجز الإبداعي.

صاحبت الكاتبة كلاً من مي زيادة وفرجينيا وولف وسوزان سونتاغ ورضوى عاشور وأروى صالح وفاليري سولاناس وعناية الزيات وإيلينا فيرانتي ونوال السعداوي. وكانت مي زيادة السبب في بزوغ الفكرة ومواصلة البحث عن نماذج نسائية، لا بهدف التقصي، بل لإيجاد نقطة تماس بينها وبينهن، على ما تقول.

في أول الأمر، انتابها شعور بـ"الشفقة" بسبب صورة مي زيادة المتداولة نمطياً، فهي تقول إن كل ما نقرؤه هو حب الرجال لها ولا نقرأ ما كتبته بقلمها. جاء الفصل المخصص لها بعنوان "لعنة الجمال والموهبة".

النماذج النسائية الأُخرى تختلف في حساسيتها واستجابتها وظروفها المحيطة، لكنهن جميعاً حدقن في كوابيس وقاومن بشكل أو بآخر، مثل سوزان سونتاغ التي كانت تحلم بالاختفاء، وتقاوم فكرة النوم وتكتب طوال الليل وكأنها تمرن نفسها على التحرر.

نوال السعداوي شخصية مهمومة بقضايا كبرى تدافع عنها وتثير الغضب وهي لا تبالي، وتتحول إلى شخصية جدلية، وعلى الصعيد الشخصي لا تهتم بمظهرها، وتنظر بثبات وهي تصارع بأفكارها، وترى معارك جانبية ثأرية ضدها بعد اقتطاع كلام لها وإخراجه من سياقه.

أما أروى صالح التي انتحرت عام 1997، فكانت سيرتُها الذاتية وسيرة الحركة الطلابية في السبعينيات في مصر تبدو في عين نورا ناجي مثالية حالمة لم تتحمل تحولات اليسار وتحول الأفكار والبشر إلى عالم آخر هوى من الحقيقة إلى الزيف.

وهنا قالت إن الروائي نجيب محفوظ تناول في روايتَي "السمان والخريف" و "الشحاذ" المناضل اليساري الذي يتوقف عن النضال فتنتهي حياته، الأمر الذي وقع لأروى صالح، إضافة إلى جملة من الإكراهات والخيبات، ومن ذلك خيبتها علاقتها العاطفية، التي تحطمت وعمّقت وحدتها.

أما رضوى عاشور، الروائية والأستاذ الجامعية والمناضلة، ورداً على سؤال استبقت نورا ناجي في القول إنه طُرح غير مرة عليها ومفاده لماذا جاءت بين النساء التسع، وهي عاشت في بيت مستقر مع زوجها الشاعر مريد البرغوثي وابنهما الشاعر تميم البرغوثي، وبما عرف عنه من بيت متعاضد محفوف بالألفة؟

جاء الفصل الخاص بها بعنوان "رضوى عاشور: الأستاذة في التنكر"، وقالت إنها قابلتها مرة واحدة، وتكن لها محبة وتقديرا غامرين. بيد أن قراءتها لسيرتها الذاتية "أثقل من رضوى" أشعرتها بهذه الهشاشة الناجمة عن الوحدة.

وتساءلت: "ما الكتابة إن لم تكن استبطاناً للمخفي؟"، والحال هنا أنها شعرت برضوى تنتمي إلى نوع من النساء "يخفين هذه الوحدة ويطمسنها بعشرات الطبقات من السعادة الاجتماعية والمرح والود والسخرية والانطلاق، وهن أستاذات في التنكر".

روايتها الأخيرة "سنوات الجري في المكان" تعيدنا إلى ذات الأجواء المشتعلة في ثورة يناير، وقد كانت رضوى عاشور عاجزة عن مساندة تلاميذها في الميدان بسبب السرطان الذي نهش جسدها. أما من وقف خلف روايتها فكان ضحية وجوده في الميدان.

والرواية الصادرة العام الماضي، تستلهم عنوانها من معرض أقامه الفنان أحمد بسيوني قبل الثورة، وكان بعنوان "30 يوم جري في المكان"، في إشارة إلى حكم حسني مبارك 30 عاماً، دون أن يقول ذلك ودون أن يغيب عن ذهن أحد ما يقصده الفنان، وقد تعرض لمضايقات أمنية.

كان المعرض سمعياً بصرياً أو ما يُسمى "فن الصوت الرقمي" في تجربة رائدة في هذا الحقل الفني، لكنه لم يتحول في بُعده المأساوي إلى عمل روائي إلا بعد مقتل الفنان في "جمعة الغضب" يوم 28 يناير 2011.

استعارت الكاتبة الجري في المكان ومصير الفنان بطل الرواية سعد البيومي، وجعلت من فصول الرواية طبقات من الحواس، حيث تموت حواس الشخصيات بعد موت البيومي، قائلة إن العمل استغرق وقتاً طويلاً في التحضير لكتابته، ومزجت فيه فنون السرد الروائي والمسرحي وتبادل ضمائر الأنا والغائب.

المساهمون