رجال أعمال: الاستثمار الزراعي في سورية محفوف بالمخاطر

رجال أعمال: الاستثمار الزراعي في سورية محفوف بالمخاطر

25 يوليو 2022
تكاليف الإنتاج المرتفعة ترهق المزارعين (Getty)
+ الخط -

يشهد القطاع الزراعي في سورية إحجاماً متزايداً من المستثمرين عن ضخ أموال طازجة بسبب العقبات العديدة التي يواجهونها.

وحسب الأرقام، فقد تراجعت المساحات المزروعة بشكل حاد في البلاد، خاصة مع انتشار موجات الجفاف واستمرار الحرب، خلال السنوات الأخيرة.

ووفق مستثمرين سوريين فقد أصحاب الأعمال حماسهم في ضخ استثمارات في هذا القطاع رغم حيويته وأهميته في هذا التوقيت الذي يشهد فيه العالم أزمة غذاء طاحنة وتضخم مرتفع في أسعار الحبوب.

خسائر الجفاف

"لم يعد من إغراء وأرباح في قطاع الزراعة، بل يتكبد المزارعون في بعض مواسم الجفاف خسائر باهظة، لذا شراء أي سلعة والتجارة بها، بواقع الارتفاع المستمر في الأسعار، أكثر جدوى من الزراعة".

هكذا اختصر المستثمر في القطاع الزراعي، بمحافظة إدلب، عبد الرحمن إبراهيم، مشهد تراجع المساحات المزروعة شمال غربي سورية.

ويقول إبراهيم لـ"العربي الجديد": باتت تكاليف الإنتاج الزراعي "مرهقة" ابتداء من أسعار البذور والفلاحة وأجور عمالة جني المحصول، مروراً بأسعار الأسمدة والمحروقات.

وذكر المستثمر بغياب سياسة منح القروض الزراعية في المناطق المحررة شمالي سورية، ما يدفع المزارع أو المستثمر، للمجازفة وأحياناً للاستدانة وانتظار المجهول، مثل هطول الأمطار.

رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية: الاستثمار في القطاع يحقق للمستثمرين عوائد أفضل من الاستثمارات التقليدية، بسبب زيادة الطلب على الأغذية عالمياً

ويلفت المختص السوري إلى العشوائية وعدم التنسيق خلال الزراعة، مشيراً إلى زيادة مساحات المحاصيل الصيفية بأنواع محددة "كالكوسا والباذنجان والخيار"، ما زاد عرضها في الأسواق وكسر سعرها.

وبنبرة لا تخلو من الحسرة، يذكّر المستثمر الزراعي السوري بما أسماها "خيرات بلادي" وقت كان يصل إنتاج القمح إلى أكثر من 4 ملايين طن، والقطن مليون طن، ومثله الحمضيات والزيتون.

ولكن اليوم، بعد غلاء الأسعار وتفتت الملكية و"تقسيم سورية" صارت الندرة هي السمة الغالبة، إلا لبعض المنتجات وخلال فورة الموسم فقط.

وكان القطاع الزراعي، ملاذ الاقتصاد السوري في السابق، ففضلاً عن مساهمته بنحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي، كان يعمل فيه نحو 17% من مجموع قوة العمل، أي قرابة 900 ألف عامل.

وتبلغ مساحة سورية 18.5 مليون هكتار، وتشكل المساحة القابلة للزراعة ومساحة الغابات حوالي 6.5 ملايين هكتار، أما القسم المتبقي فهو عبارة عن مناطق قاحلة في البادية السورية.

60 مشروعا للاستثمار

وأكد وزير الزراعة في حكومة بشار الأسد، محمد حسان قطنا، أنه لا يوجد حتى الآن أي مشاريع استثمارية حقيقية في القطاع الزراعي، سواء في سلسلة الإنتاج أو تأمين مستلزمات الإنتاج أو بالتسويق.

وأشار قطنا، خلال تصريحات نقلتها صحيفة "الوطن" السورية، مؤخرا، إلى أنه خلال العامين الماضيين قدمت الوزارة أكثر من 60 مشروعا للاستثمار، فيما لم يتقدم حتى الآن أحد لمشاريع استثمارية كبيرة.

في المقابل، تعزو المهندسة الزراعية بتول أحمد، أسباب إحجام رأس المال عن القطاع الزراعي إلى ارتفاع أسعار المحروقات "ليتر المازوت بالسوق السوداء بـ7 آلاف ليرة"، وارتفاع أسعار الأسمدة بنسبة 100% بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

ويأتي التسعير الإلزامي في مناطق سيطرة النظام والإدارة الذاتية للمنتجات الاستراتيجية مثل القطن والقمح بما يوازي التكاليف "القطن 1500 ليرة للكيلو والقمح 1700 ليرة" ليزيد ذلك من ابتعاد الاستثمار في القطاع الزراعي.

وكل ذلك برأي المهندسة السورية خلال حديثها لـ"العربي الجديد" مترافقاً مع تراجع إنتاجية الهكتار الواحد "تقريباً إلى النصف" في سورية، فقبل عام 2011 كانت بحدود 3953 كيلوغراماً من القطن المحبوب.

ومرد ذلك لتراجع الهطول المطري وشبه جفاف نهر الفرات في مدن الجزيرة السورية، الأكبر مساحة والأكثر إنتاجاً في سورية، حسب بتول أحمد.
ولكن، يبقى الاستثمار في الزراعة هو الأكثر جدوى، برأي رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية، محمد كشتو، الذي يرى أن الاستثمار في هذا القطاع يحقق للمستثمرين عوائد أفضل من الاستثمارات التقليدية، بسبب زيادة الطلب على الأغذية عالمياً.

ورغم ذلك، يعتبر كشتو، خلال تصريحات صحافية، أن المناخ الاستثماري منقوص وغير كامل وفيه خلل كبير.

بعد غلاء الأسعار وتفتت الملكية و"تقسيم سورية" صارت الندرة هي السمة الغالبة، إلا لبعض المنتجات وخلال فورة الموسم فقط

ويشير رئيس اتحاد الغرف الزراعية السورية إلى أن استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية يفتح المجال أمام تحقيق عوائد استثمارية طويلة الأجل للمستثمرين، خاصة أن 65 بالمائة من الصادرات السورية هي زراعية.

لكن للاقتصادي السوري صلاح يوسف رأي مخالف، إذ يرى أن سياسة نظام الأسد هي قتل خصوصية سورية الأهم "الزراعة".

وأضاف: لم يتعظ نظام الأسد ويقدم محفزات للمزارعين أو إغراءات للمستثمرين، فحتى قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 جاء منفراً لا جاذباً للأموال لتصب في القطاع الزراعي.

ويضيف يوسف لـ"العربي الجديد" أن الحكومات السورية المتعاقبة، وقانون العلاقات الزراعية وتفتت الملكية، لم تشجع على جذب الشركات الزراعية المساهمة أو المشتركة، فمنذ عام 1986 حيث تجربة القطاع الزراعي المشترك، تم صفع الرساميل التي دخلت القطاع عبر القانون 10.

وحول عروض وزير الزراعة في حكومة الأسد، بما فيها منح أراض مجانية بالبادية لزراعة التمور، يرد الاقتصادي السوري: "البادية حتى اليوم، هي ساحة معارك، كما أن الزراعة في البادية السورية (ريف حمص الشرقي) مضمونة الخسائر نتيجة ملوحة التربة والحر الشديد، فأي إغراء قدمه الوزير المحترم".

ويختم الاقتصادي السوري أن غلاء مستلزمات الإنتاج وضعف القدرة الشرائية، سببان كافيان لتردد الرساميل خلال دراسات الجدوى.

تستورد سورية، بعد تراجع الاستثمارات والمساحات المزروعة وغلاء الأسعار، نحو مليوني طن من القمح

وتستورد سورية، بعد تراجع الاستثمارات والمساحات المزروعة وغلاء الأسعار، نحو مليوني طن من القمح، بعد أن كانت تصدر أكثر من 1.5 مليون طن سابقا، وقت زاد إنتاجها عن 4 ملايين طن، إذ يزيد الاستهلاك المحلي من مشتقات القمح عن 3.9 ملايين طن، بحسب تصريح سابق لوزير الزراعة في حكومة الأسد، محمد حسان قطنا.

كما يعاني السوريون من ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، رغم انخفاض أسعار الخضر والفواكه الموسمية، بنحو 20% في الأسواق السورية أخيراً، بحسب تصريحات سابقة لعضو لجنة الخضار في سوق الهال المركزي أسامة قزيز.

المساهمون