فضيحة مكتب البريد البريطاني: الظلم المالي والمعنوي لمئات الضحايا

فضيحة مكتب البريد البريطاني: الظلم المالي والمعنوي لمئات الضحايا

15 يناير 2024
فضيحة مكتب البريد تطاول الكثيرين (Getty)
+ الخط -

تتجدد الدعوات لتحقيق العدالة لضحايا فضيحة مكتب البريد في المملكة المتحدة، والإجهاض الجماعي للعدالة نتيجة خطأ في نظام حسابات "هورايزون"، الذي كان يستخدم في فروع مكتب البريد البريطاني.

وتعود هذه القضية إلى مركز المناقشة والانتباه في البرلمان البريطاني، كما يتجدد التساؤل حول التعويضات والمسؤوليات، حيث تظهر الأرقام والإحصائيات تباينًا موجعاً للأفراد الذين عانوا جراء هذه الفضيحة. 

ففي الفترة الممتدة بين عام 1999 وعام 2015 وبدءًا من منتصف التسعينيات، بدأت تظهر تقارير عن اختلالات وأخطاء في نظام هورايزون، نجمت عنها اتهامات خاطئة ضد ما يقرب من 700 فرد، تعرّضوا للملاحقة القضائية بتهم السرقة والاحتيال.

وسُجن عدد كبير منهم، كما طاولت هذه الفضيحة، وفق بعض المصادر، ما يصل إلى 900 شخص. وعانى العديد من الأفراد مادياً ومعنوياً والعديد من الذين أدينوا خطأً توفّوا من دون الحصول على أي تعويض، ولم يتحمّل أربعة أشخاص فضيحة المكتب فانتحروا في أعقاب إدانتهم.  

تعود فضيحة مكتب البريد البريطاني إلى الواجهة في 8 يناير/ كانون الثاني، بعد البث الأخير للدراما المكونة من أربعة أجزاء على قناة "آي تي في" بعنوان "السيد بيتس ضد مكتب البريد"، التي تكشف فضيحة وطنية مروعة، وتعيدها إلى مبنى البرلمان لمناقشتها. 

تواصل "العربي الجديد" مع جولي، وهي تعمل في مكتب إعلام بريد المملكة المتحدة، فقالت إنّه صدر بيان قال فيه المتحدّث باسم مكتب البريد: "نحن نشارك بالكامل أهداف التحقيق العام الحالي، الذي انطلق لتحديد الخطأ الذي حدث في الماضي والمساءلة عنه. إننا ندرك تمامًا التكلفة الإنسانية لهذه الفضيحة، ونبذل كل ما في وسعنا لتصحيح أخطاء الماضي قدر الإمكان.

يلتزم كل من مكتب البريد البريطاني والحكومة بتقديم التعويض الكامل والعادل والنهائي للأشخاص المتضرّرين. حتى الآن، تم تقديم عروض تعويضات يبلغ مجموعها أكثر من 138 مليون جنيه إسترليني إلى حوالي 2700 مدير بريد، وتم الاتفاق على الغالبية العظمى منها ودفعها. ويستمر سداد الدفعات المؤقتة في الحالات التي لم يتم حلها بعد". 

وفي السياق، شرح بيان مكتب البريد أنه يأمل أن تشجع دراما "آي تي في" السيد بيتس ضد مكتب البريد التي تبدأ يوم الاثنين 1 يناير 2024 "أي شخص متضرر لم يتقدم بعد، لطلب الإنصاف والتعويض الذي يستحقه". 

معلومات حول فضيحة مكتب البريد البريطاني

أمّا بول نابيه، رئيس قسم الاتصالات والشؤون الخارجية في "لجنة مراجعة القضايا الجنائية" (تحقق في حالات الإجهاض المحتملة للعدالة، وهي المنظمة الوحيدة في إنكلترا وويلز وأيرلندا الشمالية التي يمكنها إحالة القضايا إلى المحكمة للاستئناف)، فلفت في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّهم نشروا حول فضيحة مكتب البريد البريطاني على موقعهم الإلكتروني معلومات تفيد عن هذه القضية التي تعدّ أكثر حالات إجهاض للعدالة انتشارًا على الإطلاق شهدتها اللجنة.

وقال إنّه منذ إبريل/ نيسان 2021، ألغت محاكم الاستئناف الإدانات في أكثر من 80 قضية تتعلق بمكاتب البريد. وفي كل من هذه القضايا، قرّرت المحكمة أنه كان من المجحف مقاضاة أفراد بسبب وجود عيوب خطيرة في نظام الكمبيوتر هورايزون لمكتب البريد. 

وتسعى الحكومة جاهدة إلى إيجاد طرق لتسريع تنفيذ العدالة للمتهمين ظلماً. شارك وزير العدل أليكس تشالك في مناقشات مع القضاة أمس، مع التركيز على استراتيجيات تبرئة أسماء مديري مكاتب البريد البريطاني الذين واجهوا إدانات خاطئة.

وكشف وزير مكتب البريد كيفن هولينريك أن هناك مجموعة من التدابير قيد النظر، وقال إن الحكومة تحقق في سبل إلغاء الإدانات كما اقترح أن هذا قد يشمل تشريعًا محتملاً. 

وأضاف هولينريك أن شركة فوجيتسو، شركة التكنولوجيا التي تقف وراء البرنامج الخطأ، وأي شخص آخر يتبين أنه مسؤول عنه "يجب أن يخضع للمساءلة بما في ذلك دفع أي مدفوعات" لتعويض الضحايا. 

تأتي هذه الخطوة في أعقاب دعوة اثنين من وزراء العدل السابقين، سلف تشالك وروبرت باكلاند، اللذين حثا على التنفيذ السريع لقوانين كهذه. ومن المقرر أن يجيب تشالك على الاستفسارات المتعلقة بالعدالة من أعضاء البرلمان في وقت لاحق في مجلس العموم. 

في هذه الأثناء، وصل الالتماس لإقالة رئيسة مكتب البريد السابقة باولا فينيلز إلى مرحلة جديدة بين عشية وضحاها، وقال داونينغ ستريت إن ريشي سوناك "سيدعم بقوة" لجنة مصادرة الأوسمة إذا قررت النظر في إلغاء منصب فينيلز. ذلك لأنها كانت المسؤولة خلال تلك الفترة ونفت باستمرار وجود أي مشاكل في النظام.  

وفي الوقت ذاته، تحقّق شرطة العاصمة الآن مع مكتب البريد بشأن فضيحة جرائم الاحتيال المحتملة الناشئة عن الملاحقات القضائية. كما جدد المجلس الاستشاري الذي يشرف على تعويض الضحايا دعوته، يوم الاثنين 8 يناير/ كانون الثاني، لإلغاء إدانات جميع موظفي مكتب البريد المتهمين خطأً بالسرقة والمحاسبة الكاذبة. 

في السياق، تقول أبيغيل رينولدز، كبيرة المسؤولين الصحافيين في مكتب استشارات المواطنين، لـ"العربي الجديد"، إنه لديهم خدمة دعم مخصصة لأولئك الذين يستأنفون الإدانات ولاستئناف الإدانات المتعلقة بفضيحة مكتب البريد البريطاني (هورايزون)، ويمكن للأفراد اتباع عملية منظمة موضحة على موقع مكتب البريد.

ويفصّل الموقع العملية، إذ تبدأ الخطوة الأولى بطلب الكشف، لأن مكتب البريد بصفته مدعيًا عامًا سابقًا لديه التزام مستمر بالكشف عن المواد التي يمكن أن تتحدى سلامة الإدانة.

وللمتابعة، يجب التحقق من هوية صاحب الطلب عن طريق تقديم صور فوتوغرافية أو مسح ضوئي لوثيقتين إلى فريق الكشف عن مكتب البريد. بعد ذلك، يمكن للأفراد أن يقرّروا ما إذا كانوا سيستأنفون قضيتهم، الأمر الذي قد يتضمن تقديم طلب إلى (لجنة مراجعة القضايا الجنائية) وهي خدمة مجانية لأولئك الذين يعتقدون أنهم قد أدينوا أو حكم عليهم خطأً في إنكلترا أو ويلز أو أيرلندا الشمالية.

يمكن لأولئك الذين يشتبهون في وجود مشكلات متعلقة بنظام هواريزون، تؤثر على إدانتهم، الاتصال بلجنة مراجعة القضايا الجنائية مباشرة. وفي ما يتعلق بالأشخاص الذين جرى إلغاء إداناتهم الجنائية حيث كانت موثوقية هواريزون ضرورية للمحاكمة، تُسدّد دفعات مؤقتة تصل إلى 163,000 جنيه إسترليني في أسرع وقت ممكن بعد إلغاء الإدانة المتعلقة بشركة هورايزون لتوفير إعانة مالية سريعة، قبل التعويض النهائي.

 تبرئة المتورطين

إلى ذلك، تألف سند التسوية الذي نشره مكتب البريد في 5 أغسطس/ آب 2020، بموجب قانون حرية المعلومات، من دفعة عالمية قدرها 57.75 مليون جنيه إسترليني. وتُركت المدفوعات الفردية للمطالبين ليحددها ممثلوهم القانونيون. والجدير بالذكر أن التقارير الإعلامية اللاحقة كشفت أن ما يقرب من 46 مليون جنيه إسترليني من أصل 57.75 مليون جنيه إسترليني من المدفوعات العالمية جرى تخصيصها لممولي المطالبين والمستشارين القانونيين. 

ومع ازدياد المطالب بإلغاء الحكومة جميع الملاحقات القضائية ضد مديري ومديرات البريد الفرعيين، ترتفع أصوات تدعو إلى تعليق قدرة مكتب البريد البريطاني على بدء محاكماته الخاصة، حيث يتمتع بسلطة التحقيق والملاحقة القضائية من دون الحاجة إلى تدخل الشرطة. ذلك لأنّه استمرّ لسنوات في الدفاع عن نفسه ضد الاتهامات والتقارير الصحافية التي تسلط الضوء على المشاكل المتعلقة بنظام تكنولوجيا المعلومات. 

وفي معرض حديثه عن هذه القضية في أكرينجتون، أشار رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك إلى استمرار هذه الحوادث مدة طويلة، وضرورة فحصها بدقة في ضوء الروايات المروعة التي ظهرت، لافتاً إلى أنّه ينبغي اتخاذ كل التدابير الممكنة لتصحيح الوضع. 

وقال سوناك لـ"بي بي سي"، يوم الأحد، إن الحكومة "تدرس" خيار تبرئة مديري فروع مكتب البريد المتورطين في الفضيحة.

بدوره، قال النائب المحافظ السير ديفيد ديفيس، لشبكة سكاي نيوز: "بما أن الإدانات استندت إلى حقيقة (كذب مكتب البريد)، فإن كل واحدة منها (غير آمنة) ويجب استخدام ذلك (لقلبها بالكامل)". وطالب بإجراء تحقيق جنائي في مكتب البريد وفوجيتسو، الشركة االيابانية التي قدمت البرنامج. 

في المقابل، وعلى الرغم من تورط شركة فوجيتسو لتكنولوجيا المعلومات المركزية في فضيحة مكتب البريد، فقد حصلت على تمديد عقد بقيمة 19.5 مليون جنيه إسترليني مع وكالة البيئة.

وستستمر في إدارة نظام التحذير من الفيضانات في إنكلترا حتى سبتمبر/أيلول 2025، وفقًا للتمديد الذي منحته الهيئة العامة في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023. يثير هذا القرار تساؤلات حول المساءلة والاعتبارات المتعلقة بمنح العقود الحكومية المربحة، خاصة عندما تكون الشركات المعنية متورطة في خلافات كبيرة. 

الجدير بالذكر أنّه في عام 2019، شهدت مجموعة من مشغلي مكاتب البريد انتصارًا قانونيًا بارزًا أمام المحكمة العليا وتبيّن أن النظام كان خاطئاً.

وفي عام 2021، تم تأكيد هذا الحكم على مستوى الاستئناف، ما أدى إلى إلغاء إدانات عدة عمال كانوا قد اتُهِموا زورًا بارتكاب جرائم، والحكم لهم بالتعويضات المستحقة. مع ذلك، تمسّك مكتب البريد بالتصدّي لعدد من الطعون المُقدَّمة من قبل المشغلين، حتى في ظل التأكيد على عيوب نظام الحوسبة. 

المساهمون