مصر.. 5 حقائق تكشف مسؤولية الانقلاب عن إذكاء الطائفية

مصر.. 5 حقائق تكشف مسؤولية الانقلاب عن إذكاء الطائفية

01 يناير 2015
استعانة الانقلاب بالقيادات الدينية المسيحية ساهمت في إذكاء الطائفية
+ الخط -
فور إعلان الفريق أول/ عبد الفتاح السيسي بيان الانقلاب، وتعطيل أحكام دستور2012 وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وقعت حوادث حرق وتدمير للعديد من الكنائس المسيحية والأديرة التاريخية في صعيد مصر، وتحديدا في محافظة المنيا وذلك وفق شهادة القس/ أيوب يوسف راعي كنيسة ماري جرجس بالمنيا في مداخلته التليفونية مع قناة "أون تي في"، إذ أكد أن" البلطجية اعتدوا عليهم بداية من يوم الثالث من يوليو/تموز منذ إعلان الانقلاب، وتم نهب دير أثري يرجع لأكثر من 1500 عام من قبل البلطجية.

تتابعت وقائع الاعتداء على الكنائس المسيحية ومؤسسات الخدمات التعليمية والتربوية والثقافية الخاصة بالعديد من الطوائف المسيحية منذ وقوع الانقلاب، وارتفعت وتيرة هذه الاعتداءات بشكل كبير بعد مذبحتي فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، إذ بلغ عدد الكنائس التي تعرضت للأذى قرابة 40 كنسية وعدد المؤسسات التي نهبت قرابة 200 مؤسسة، وعدد القتلى المسيحيين في الأحداث بلغ أربعة أفراد، وذلك وفق إحصاء منظمة العفو الدولية، وهذه الأرقام والوقائع بهذا الحجم تعتبر أمرا غير مسبوق في التاريخ المصري المعاصر من ثلاث زاويا:

الأولى: من حيث الكم فقد بلغ مجمل الاعتداءات 240 اعتداء متنوعا ما بين كنيسة ومؤسسة
الثانية: من حيث الانتشار الجغرافي للاعتداءات: فالأمر لم يقتصر على محافظات الصعيد وإنما امتد إلى السويس، وبورسعيد، وشمال سيناء، وبني سويف وبعض الأحياء في القاهرة الكبرى.
الثالثة: من حيث الفترة الزمنية الوجيزة التي لاتتخطى حاجز المائة يوم.

المسؤولية السياسية

هناك شهادات تؤكد أن قوات الجيش والشرطة لم تقم بالجهد الكافي لحماية مؤسسات الأخوة المسيحيين رغم طلبهم لذلك بشدة، فالقس/أيوب يوسف راعي كنيسة ماري جرجس بالمنيا يقول "إنهم وجهوا نداءات كثيرة للشرطة والجيش لحماية الكنائس من البلطجية، ولكن دون استجابة لهم" بل أكد البعض أن الكنائس كانت تحترق، وهي على مقربة من نقطة شرطة الإطفاء والتى لم تتحرك لإطفاء الحرائق!!!!.

ما يؤكد المسؤولية السياسية لقادة الانقلاب عن هذه الأحداث هو أن المُشير/ عبد الفتاح السيسي قد طلب علنا تفويضا من الشعب، من أجل إطلاق يده في محاربة الإرهاب المحتمل الذي سوف يضرب مصر، وقد استجابت قطاعات جماهيرية عريضة لهذا النداء وقد شارك فيها العديد من المواطنين المسيحيين بقوة، من خلال التنسيق مع كنائسهم وأعطوا التفويض المطلوب لكي ينعموا بالاستقرار والاطمئنان في ظل حماية القوات المسلحة والشرطة لهم.

لماذا وقعت هذه الاعتداءات؟؟

السؤال الأبرز هنا هو: ما هي الأجواء السياسية التي شجعت على وقوع مثل هذه الأحداث ودفعت قطاعاً من الشعب لارتكاب هذه الجرائم؟؟ مما لا شك فيه أن الأحداث الطائفية الكبيرة تحدث كرد فعل منفعل وغير عاقل لأوضاع سياسية غير عادلة، يتعرض لها قطاع عريض من مجتمع في فترة من الفترات، وفيما يلي عرض للمشاهد السياسية التي هيئت المُناخ ووفرت غطاءً لهذه الاعتداءات وهي:

أ‌. استعانة وزير الدفاع السابق المشير/عبد الفتاح السيسي بالقيادات الدينية الرسمية الإسلامية والمسيحية لحضور بيان إعلان الانقلاب يوم 3 يوليو، لإضفاء نوع من الشرعية الدينية على الانقلاب أثر على الوجدان الشعبي بشكل سلبي، وساهم في توتر العلاقة بين مكوني الأمة المصرية المسلمين والمسيحيين، لأنه خلط بشكل سيىء ومتعمد بين الديني والسياسي وحمل المؤسسات الدينية مسؤولية المشاركة المؤثرة في الشأن السياسي، وهذا بطبيعة الحال لا يتماشى مع مهام هذه المؤسسات الدينية والروحية.

ب‌. حرص قادة الانقلاب على استخدام خطاب ديني يبرر استخدام العنف والقتل ضد المتظاهرين من خلال العلماء المؤيدين له نموذج  د / علي جمعة المُفتي السابق في الناحية الإسلامية والبابا/ تواضروس في الطرف المسيحي، عبر تصريحاته الرسمية بتأييد ترشح الفريق السيسي لتولي الرئاسة؛ مما جعل قطاعاً واسعا من الشعب يؤمن بأن المعركة الدائرة هي معركة هوية ودين وليست خلافا سياسيا.
ج. إغلاق الانقلاب لست محطات فضائية إسلامية مباشرة، لها شعبية جماهيرية فور إعلان البيان الأول للانقلاب استفز العديد من المصريين، وخصوصا في ظل ترك القنوات المؤيدة للانقلاب دون أن يمسها أحد بسوء.

د. قيام الحكومة بسلسلة إجراءات تعسفية تجاه العديد من المؤسسات الخيرية الإسلامية العاملة في المجال الإغاثي والخيري، والتضيق عليها مثل الجمعية الشرعية حيث تم تجميد أموالها لفترة من الزمن، وجمعية رسالة.

ه. قيام وزارة الأوقاف بمنع الصلاة في الزوايا التي تقل مساحتها عن 80 مترا، وفصل العديد من الخطباء المشهورين وقصر مهمة إلقاء الخطابة على خريجي الأزهر؛ ساهم في سكب الزيت على النار بدرجة كبيرة لأنه تزامن مع منح تراخيص بناء كنائس جديدة، مثل قرار رئيس الجمهورية المؤقت المستشار/ عدلي منصور بمنح ترخيص لبناء كنيسة ضخمة جديدة في مدينة 6 أكتوبر، وهذا أوحى للعديد من المصريين أن هناك محابة من سلطة الانقلاب نحو المُكون المسيحي لأن موقفه العام مؤيد للانقلاب.

و. بروز نقاشات علنية لأعضاء من لجنة الخمسين الخاصة بإعداد الدستور الجديد، فيها مس علني للهوية الإسلامية لمصر، ثم اتجاه اللجنة لحظر قيام أحزاب دينية دون وضع تعريف جامع مانع لماهية الحزب الديني المقصود بالقرار.

كل ما تقدم من خطوات وإجراءات قام بها قادة الانقلاب، وخاصة في فترة حكومة الببلاوي جعل قطاعا واسعا من الشعب المصري، يقتنع بأن المعركة السياسية الحاصلة الآن في مصر هي معركة دينية بين إسلام وكفر!! أو كما سماها البعض بين التوحيد والطاغوت!! أو بين نخبة علمانية متطرفة تستعين بالكنيسة المصرية والجيش، وبعض رجال الدين المسلمين الموالين لهم للوقوف في وجه أنصار هوية مصر الإسلامية!!!

هذا المناخ العام بالتأكيد أعطى غطاءً مناسبا للمتعصبين أو للجهات التي لا تريد خيرا بمصر وبالمصريين، للقيام بهذه الأحداث غير المسبوقة في تاريخ الجماعة الوطنية المصرية. وعندما نفسر هذه الزوايا لا يعني بأي حال من الأحوال أننا نبرر هذه الاعتداءات الآثمة التى تعرض لها المسيحيون المصريون، ولكنها محاولة للفهم الأعمق للأحداث وسبر أغوراها بعيداً عن التجاذب الإعلامي المشحون.

الخلاصة

بناء على ماسبق يتضح لنا التالي:
أولاً: الانقلاب العسكري وخاصة في المائة يوم الأولى من عمره تسبب في إحداث جراح عميقة للنسيج الاجتماعي المصري، وخصوصا في مساره الإسلامي المسيحي، وما زالت آثاره تتجلى حتى الآن.

ثانيا: الجروح العميقة التي أحدثها الانقلاب العسكري في نسيج الجماعة الوطنية المصرية سيحتاج لعقود من الزمن لترميمه ومعالجته، فهناك دماء سالت وأعداد كبيرة قتلت ومؤسسات أحرقت، وكل هذا يحمل ذكريات مؤلمة لدى قطاعات واسعة من الشعب، وخصوصا بين صفوف المعارضين للانقلاب.
ثالثاً: العقلية العسكرية ليس لديها القدرة النفسية لإدارة مكونات المجتمع المصري؛ فهي تنظر لمكونات المجتمع على أنها جبهات قتال ينبغي عدم تكاملها وتوحدها وتكتلتها مع بعضها، لذلك العقلية تعمل على استمالة مكون اجتماعي ضد الآخر للحيلوية دون تكتل المكونات ضده.

رابعاً: ما أحدثه الانقلاب من شروخ اجتماعية، مرجعها أن العقلية العسكرية لا تعرف معنى المعارضة والرأي الآخر؛ فكل معارض في نظر العقل العسكري خائن ينبغي عقابه والتنكيل به، فكل مكون اجتماعي أبدى اعتراضاً على الانقلاب تم تشويهه والنيل منه، فمثلا حركة مسيحيون ضد الانقلاب تعرضت لهجوم إعلامي، وتصاعد التضيق عليهم حتى تم اعتقال المتحدث باسم الحركة الشاب / رامي جان.

خامساً: ارتفارع معدلات الكراهية والإقصاء والتحريض بين مكونات المجتمع المصري، فقد كان من دعاوى التدخل العسكري لإزاحة د/ محمد مرسي الحفاظ على المجتمع المصري من الانقسام والحرب الأهلية!!! ولكن الواقع يؤكد الآن أن الانقسام المحتمل قبل الانقلاب أصبح حقيقة ماثلة للعيان بعد حدوثه.