علاقات القاهرة والرباط: مسلسل من الإساءات والنفي فالاعتذارات

علاقات القاهرة والرباط: مسلسل من الإساءات والنفي فالاعتذارات

04 يوليو 2017
رد الملك المغربي الصفعة المصرية بزيارته إثيوبيا(ميناسي ونديمو هايلي/الأناضول)
+ الخط -
إساءة ونفي فاعتذار... ثم إساءة ونفي فاعتذار. تلك هي حصيلة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب ومصر منذ صيف عام 2013، زمن تولي عبد الفتاح السيسي سدة الحكم في مصر، لتشهد العلاقات الثنائية بين البلدين إحدى أسوأ مراحلها منذ بدايتها قبل 60 سنة. وفي شتى "حوادث السير" الدبلوماسية التي وقعت في طريق العلاقات بين الرباط والقاهرة طيلة السنوات الثلاث الماضية، كان ملف الصحراء، والعلاقات مع الجزائر، خيطاً ناظماً حاضراً بقوة. وبدأت العلاقات الثنائية بين الرباط والقاهرة تهتز عندما توالت هجمات، وصفها الكثير من المراقبين حينها بغير المفهومة، إذ تعمدت وسائل إعلام مصرية استهداف المملكة عبر تصريحات إعلاميين وفنانين، اعتبرتها أطراف مغربية مسيئة للبلاد.

وفجأة، وبإيعاز من نظام السيسي غداة انقلاب 2013، وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ علاقات البلدين، زار إعلاميون مصريون، في الأسبوع الأول من يوليو/ تموز 2014، مخيمات تندوف، التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو الانفصالية في منطقة الصحراء. ولم تقف الزيارة عند هذا الحد، إذ كان بإمكان الرباط أن تعتبرها زيارة إعلامية "عادية" لوصف الأوضاع الحياتية هناك، لكن صحيفة مصرية معروفة وصفت زعيم البوليساريو الراحل، محمد عبد العزيز، بأنه "أقدم الرؤساء الأفارقة"، وهو ما أثار حفيظة الرباط التي لا تعتبر البوليساريو دولة حتى يتم نعت زعيمها بالرئيس من طرف صحيفة مصرية واسعة الانتشار.
والمثير في تلك الزيارة أن الرباط اكتشفت أن السلطات الجزائرية تقف وراء تنظيم زيارة الصحافيين المصريين إلى تندوف، إذ نشرت منابر مغربية وثيقة رسمية موقعة من رئيس "اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي"، سعيد العياشي، وجهها إلى إبراهيم غالي، سفير البوليساريو وقتها في الجزائر والزعيم الحالي للجبهة، يخبره فيها بالتكفل بجميع مصاريف زيارة الوفد الصحافي المصري إلى مخيمات تندوف. واعتبرت "اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي"، وهو الوصف الذي تطلقه البوليساريو والجزائر معاً على سكان تندوف، أن الغرض من زيارة الإعلاميين المصريين هو "كسر الحصار المفروض إعلامياً على القضية الصحراوية داخل الدول العربية". وكانت هذه الواقعة حاسمة في شرخ العلاقات المغربية المصرية، باعتبار أنها أتت مباشرة بعد تولي السيسي الحكم في مصر، وهو ما وجدته الرباط إشارة سيئة للغاية من طرف نظام السيسي. وتبع زيارة الإعلاميين المصريين إلى تندوف إصدار كتب لكتاب وإعلاميين مصريين دفعة واحدة، إذ تم نشر ثلاثة كتب تتناول قضية الصحراء خلال سنة واحدة، وكلها كتب تميل إلى طرح جبهة البوليساريو.

لم يقف المغرب صامتاً حيال هذه الوقائع غير المنتظرة من طرف الكتيبة الإعلامية المصرية، بل بادرت قنواته التلفزيونية الرسمية إلى بث تقرير وصف السيسي بكونه "قائد الانقلاب العسكري ضد نظام (محمد) مرسي الشرعي في مصر". بعد ردة الفعل المغربية، جنحت أطراف إعلامية مصرية إلى نوع من الاعتذار، من خلال نشر تصريحات بأن تلك الزيارة لم يكن القصد منها الإساءة إلى المغرب، كما أطلق السفير المصري في المملكة، أحمد إيهاب جمال الدين، تصريحات يشدد فيها على "ترفّع العلاقات بين البلدين على مثل هذه الأحداث العابرة". ودامت لعبة "الاعتذارات المصرية" بعد ذلك وقتاً غير يسير، إلى أن جاءت حادثة استقبال القاهرة، في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، في شرم الشيخ لوفد تابع لما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، لمناسبة احتفالية مرور 150 سنة على الحياة البرلمانية في مصر. وتعقدت العلاقات المغربية والمصرية بسبب هذه الواقعة. ورغم عدم صدور موقف رسمي مغربي من وزارة الخارجية، فإن جهات مقربة من الدوائر الحكومية في المملكة اتهمت النظام المصري بتحمل مسؤولية تردي العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وذكرت مراكز سياسية وبحثية مقربة من السلطات المغربية أن مصر تقدم وجهين إلى المغرب: الأول، يتمثل في تصريحات دبلوماسيين مصريين تشيد بعلاقات البلدين، والثاني المواقف العملية على أرض الواقع، والتي تغضب الرباط. ولم يقف المغرب مكتوف اليدين أيضاً، فقد رد الصفعة المصرية بأخرى أقوى تأثيراً، من خلال زيارة العاهل المغربي، الملك محمد السادس، إلى إثيوبيا بداية العام الحالي، بعد أن كانت مقررة قبل ذلك بأشهر، وذلك بهدف إنشاء أكبر مصنع أسمدة في العالم، وزراعة آلاف الأفدنة حول سد النهضة، وهو الأمر الذي لم يرق للقاهرة، في ظل العلاقات المتوترة بين مصر وإثيوبيا بسبب السد.

وتجدد سوء الفهم بين الرباط والقاهرة قبل أشهر قليلة، عندما انسحبت بلدان عربية عدة من أعمال القمة العربية ــ الأفريقية في غينيا، احتجاجاً على رفع علم جبهة البوليساريو، باعتبار أنها ليست بلداً معترفاً به دولياً، فيما قررت مصر عدم الانسحاب. وآخر الوقائع المثيرة للتوتر بين المملكة ومصر، ما تم الكشف عنه بشأن اكتفاء القاهرة بموقف محايد حيال طلب الرباط تجميد عضوية البوليساريو في منظمة الاتحاد الأفريقي، وهو الموقف الذي نال توضيحاً من طرف جهات دبلوماسية مصرية عزت هذا الموقف إلى الرغبة في تنقية الأجواء وعدم الاصطفاف إلى أي جانب. ويرى مراقبون أن كلمة السر في كل هذه الوقائع التي تكشف قدراً كبيراً من التوتر في العلاقات بين البلدين، رغم محاولات الطرف المصري الالتفاف على ذلك تارة بالاعتذار، وتارة بالتوضيح، وأخرى بالتصريحات الدبلوماسية المجاملة، تكمن في تطور العلاقات بين القاهرة والجزائر. وأبرمت مصر مع الجزائر اتفاقية تتيح تزويدها بشحنات من الغاز الطبيعي، بنصف سعره الحقيقي، وذلك لمواجهة نقص حاد تعانيه مصر في الإمدادات اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء. واليوم، عشية موعد القمة الأفريقية الـ29 التي تعقد في مقر الاتحاد في أديس أبابا، يبقى من غير المعروف ما إذا كانت العلاقات المتوترة بين الرباط والقاهرة ستشهد محطات جديدة، خصوصاً على ضوء الموقف المغربي الرافض للانخراط في الحملة التي تشنها دول عربية، من بينها مصر، ضد قطر. وفي هذا الموقف أيضاً، وجدت الكتيبة الإعلامية المصرية مناسبة لإعادة إحياء مواقفها السلبية من الرباط، أكان من بوابة ملف الصحراء أو من احتجاجات الريف المغربي.