النظام يحوّل سورية إلى "ملاذ آمن" لفارين من العدالة

النظام يحوّل سورية إلى "ملاذ آمن" لأجانب فارين من العدالة

03 فبراير 2019
جلب جهاز الاستخبارات التركي نازيك من اللاذقية (الأناضول)
+ الخط -

على غرار الضبّاط السوريين المطلوبين للمحاكم الدولية بسبب الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبوها بحق المدنيين والمعتقلين في الأفرع الأمنية السورية، يوفّر النظام السوري حماية من نوع آخر، لأجانب فارين من العدالة في بلادهم، حيث يجد هؤلاء في مناطق النظام السوري "ملاذاً آمناً" يمنع القضاء والسلطات في بلادهم من الوصول إليهم.

ويساعد في ذلك أن مهمّة القبض على هؤلاء المطلوبين وتسليمهم للعدالة بعد دخولهم الأراضي السورية تصبح شبه مستحيلة، بسبب تعقيدات الحالة السورية وعدم وجود بعثات أجنبية وجهات دولية تضغط على النظام السوري من أجل تسليمهم للعدالة في بلادهم. ويخالف النظام السوري بهذا الإجراء معايير منظمة الشرطة الدولية (إنتربول)، والتي تنطوي مهمّتها بشكل رئيسي على إجراء تنسيق دولي من أجل كبح الجرائم العابرة للحدود وتسليم المطلوبين الذين يفرّون بجرائمهم من دولة إلى أخرى. وترصد "العربي الجديد" قصصاً لعدد من المطلوبين غير السوريين، الذين فرّوا من بلدانهم واستقرّوا في مناطق النظام السوري، وأحد هؤلاء لقي ترحيباً من العائلة المقرّبة من النظام.

تاجر المخدرات نوح زعيتر

ويتحدر نوح زعيتر من قرية تعلبايا التابعة لقضاء زحلة اللبناني، وهو تاجر مخدّرات لبناني من مواليد العام 1977، وجزء من عشيرة زعيتر الموالية لـ"حزب الله". ودرس زعيتر في الجامعة الأميركية في بيروت لمدّة عام واحد فقط، ثم أتمَّ دورة في أمن الدولة، ثم اتهم بعدها بتهريب المخدّرات وتهريب أخيه من السجن. وعرف السوريون نوح زعيتر للمرّة الأولى عندما ظهر المسلسل التلفزيوني السوري - اللبناني "الهيبة"، الذي يقوم بدور البطولة فيه الفنان السوري تيم حسن واللبنانية نادين نجيم، إذ تتشابه قصّة المسلسل مع قصّة حياة زعيتر، ما دفع المتابعين إلى الربط بينهما. وظهر نوح زعيتر في العام 2015، في مقطع فيديو برفقة مقاتلين من "حزب الله"، وهو ما دفع للاعتقاد بحماية الحزب له، رغم أنّه مطلوب للأمن اللبناني و"الإنتربول". وفي يونيو/ حزيران العام 2018، تعرّض موكب زعيتر لإطلاق نار من قبل مسلحين عند بلدة حاويك في قضاء الضنية اللبناني. وفي الشهر ذاته، نشر وسيم بديع الأسد، وهو أحد أفراد عائلة رئيس النظام السوري بشار الأسد، صورة أظهرت استقباله لنوح زعيتر، وعلّق عليها بكلمة "شرفتونا".

ووفقاً لمصادر "العربي الجديد"، فإن مكان التقاط الصورة هو المكان الذي جمع الطرفين في مدينة حمص السورية، القريبة من البقاع اللبناني. وفي أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أصدرت المحكمة العسكرية في لبنان حكماً يقضي بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بنوح زعيتر، المطلوب بعشرات مذكرات التوقيف، لارتكابه أعمال الاتجار بالمخدّرات وممارسة العنف المسلّح. ويقضي الحكم بتجريد زعيتر من كافة حقوقه المدنية، كما قضت المحكمة بتنفيذ مذكرة التوقيف الصادر بحقّه أصولاً.


يوسف نازيك وعملية الاستخبارات التركية

في سبتمبر/ أيلول الماضي، نقلت وكالة "الأناضول" التركية عن مصادر استخباراتية، أن جهاز الاستخبارات التركي جلب المواطن التركي يوسف نازيك، مخطط تفجير قضاء ريحانلي بولاية هاتاي (الإسكندرونة)، جنوبي البلاد، الذي ذهب ضحيته 53 شخصاً في العام 2013، إلى الأراضي التركية، وذلك في عملية خاصة بمدينة اللاذقية السورية. والهجوم الذي اعترف نازيك لاحقاً بالتخطيط له بالتعاون مع النظام السوري، وقع في 2013، ومنذ تلك الفترة توارى نازيك عن أنظار القضاء واختبأ في مدينة اللاذقية. وكانت أنقرة قد أدرجت نازيك على "القائمة الزرقاء" للمطلوبين إلى السلطات التركية. وطالب المدعي العام التركي بإنزال عقوبة السجن المؤبد المشدد 53 مرة بحق يوسف نازيك، وذلك في محكمة الجزاء التاسعة في أنقرة بحضور أقارب ضحايا التفجير. وجاءت مطالب المدّعي العام بتهمة "إلحاق الضرر بوحدة وسلامة الدولة، والقتل العمد" لقيامه بالتخطيط للهجوم. كما طالب المدعي العام بفرض عقوبات بالسجن لفترات مختلفة على نازيك جراء إصابة 130 شخصاً بجروح، وذلك بتهمة "محاولة قتل، واقتناء مواد متفجرة دون تصريح، وإلحاق الضرر بالممتلكات".

جمال سليمان والهروب من المية ومية

في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اللبنانية، أن أمين عام حركة "أنصار الله" الفلسطينية، جمال سليمان، غادر مخيم المية ومية في جنوب لبنان مع 17 شخصاً من عائلته وأشقائه ومرافقيه إلى منطقة المزة في العاصمة السورية دمشق. وجاء فرار سليمان إلى سورية بعد التوتّر الذي عاشه المخيّم الواقع شرق مدينة صيدا اللبنانية، إذ دارت اشتباكات بين حركة "أنصار الله"، التي يقودها سليمان والمدعومة من "حزب الله"، وبين حركة "فتح"، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الجانبين، وإصابة مدنيين، بحسب ما ذكرت مواقع إخبارية لبنانية. ويتلقّى سليمان دعماً مباشراً من "حزب الله"، حليف النظام السوري، ما يشير إلى أن الحزب سهّل خروجه إلى مناطق النظام من أجل توفير الحماية له من أي ملاحقة قضائية قد تطاوله بعد التوتّر الذي ساد المخيّم والذي كان سليمان جزءاً منه.

مخالفة البروتوكولات العالمية

توجد 192 دولة عضو في منظمة "الإنتربول"، من بينها سورية. وتتحالف هذه الدول من أجل إيجاد جهة شرطية عالمية هدفها تسهيل التعاون والتنسيق بينها لجعل مهمّة القبض على المطلوبين عبر الحدود أكثر سهولة. ووفقاً لبروتوكولات واتفاقات "الإنتربول"، فإن على الدول الأعضاء أن تلتزم بتدريب الشرطة، وتبادل البيانات والأدلة الجنائية، إضافةً إلى تحليل المعلومات الجنائية وتبادل النشرات. وقال عضو مجلس فرع نقابة المحامين الأحرار في حلب عبدو عبد الغفور، لـ"العربي الجديد": "تعتبر سورية من الدول الموقعة على الكثير من معاهدات تسليم المجرمين المطلوبين جنائياً خارج إطار هيئة الأمم المتحدة". وأشار إلى أن "هذه الاتفاقيات الدولية تكون ثنائية الطرف، ولا تُلزم سوى الدول الموقعة عليها، وليس لهيئة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أي سلطة حيال الدول الموقعة على مثل هذه الاتفاقيات، كون العقد شريعة المتعاقدين". وأوضح أن "سورية لم توقّع على اتفاقية روما التي بموجبها يتم تقديم الجناة الدوليين إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي". ويعتبر "الإنتربول" الأداة التنفيذية لمعاهدات تسليم المجرمين.

وأشار المحامي السوري إلى أنه على الرغم من توقيع سورية عدّة اتفاقيات دولية، إلّا أن نظام الحكم فيها يواظب على احتواء الجناة الدوليين والسياسيين، معتبراً أنّه لا جدوى من إمكانية ملاحقة المسؤولين السوريين الذين يخرقون مثل هذه المعاهدات الدولية، بسبب انتفاء الإلزام الأممي، كون معظمها يتم بعيداً عن منظومة المجتمع الدولي. ويضرب عبد الغفور مثالاً بتخفّي رئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان لسنوات ضمن الأراضي السورية، وتحت أعين أفرع استخباراتها، حيث استطاع إقامة معسكرات عسكرية تدريبية لعناصر حزبه، رغم توقيع معاهدة دولية مع تركيا في ذلك الوقت، والتي تنص على تعهد الدولتين بتسليم جميع المطلوبين الجنائيين والأمنيين لكلا الطرفين، لافتاً إلى أنّه لا يمكن تطبيق أي عقوبة دولية بحق أي نظام حاكم إن أخلّ بتعهداته الدولية تجاه أي دولة طرف معه في أي معاهدة، باعتبار أن هذه المعاهدات يتم توقيعها خارج إطار ميثاق الأمم المتحدة. وحول سبب حماية النظام للمجرمين المطلوبين، أشار عبد الغفور إلى أن النظام يستخدم مثل هذه الشخصيات المطلوبة لدولها كأوراق ضغط سياسية في الوقت المناسب لتحقيق مكاسب سياسية في الساحة الدولية، لذلك دأب على إخفاء العديد من الشخصيات المطلوبة لدول مثل الأردن والعراق، ولا سيما في فترة الثمانينيات.

دلالات