مصر والسعودية: السيسي لن يتحدى ترامب إرضاءً لبن سلمان

التأخر المصري بمساندة السعودية: السيسي لن يتحدى ترامب لإرضاء بن سلمان

16 أكتوبر 2018
السيسي ليس مستعداً لدفع فواتير عن بن سلمان(بندر الجلود/الأناضول)
+ الخط -
جاء التعليق المتأخر لوزارة الخارجية المصرية على قضية اختفاء الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، ومطالبتها الدول الكبرى بعدم التسرع في توجيه الاتهامات للرياض، والانتظار حتى الانتهاء من التحقيقات التي تجرى، بمعرفة لجنة تركية سعودية مشتركة، ليعكس الرؤية المتحفظة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إزاء مساندة السعودية في مواجهة العواصم الكبرى في هذه القضية، التي تمثل أكبر أزمة تواجه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وسلطاته الداخلية. كما تعكس أن السيسي لن يخاطر باتصالاته وعلاقاته بأميركا وأوروبا للوقوف خلف بن سلمان، الذي يبدو اليوم في حالته الأضعف، في ظل تصعيد الضغط الأميركي على الرياض لكشف حقيقة ما حدث، ولدفع مزيد من الأموال مقابل استمرار حماية العرش السعودي.

مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية تحدثت، لـ"العربي الجديد"، قبل صدور البيان المصري المقتضب وبعده، اتفقت على أن السيسي يرى أن بن سلمان أصبح عبئاً على التحالف الرباعي، الذي يضم السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وأن إدارته السيئة للأزمة الأخيرة يعرض السيسي وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، لحرج إقليمي ودولي شديد، لذلك اختار السيسي منذ بداية الأزمة الصمت التام، والاكتفاء بإصدار تعليمات لوسائل الإعلام الموالية للسلطة بعدم تناول قضية خاشقجي في بدايتها على أمل حلها سريعاً. وفي الأيام التي تلت ظهور المعلومات عن الفريق السعودي الذي دخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وخرج منها تزامناً مع اختفاء خاشقجي، تغيرت التعليمات لوسائل الإعلام المصرية، إذ أمرها جهاز الاستخبارات العامة، الذي يديره اللواء عباس كامل، بتداول الروايات المزورة، التي تزعم أن تركيا وقطر تقفان خلف اختفاء خاشقجي. لكن ما لبثت هذه الروايات أن اضمحلت أمام الضغوط الغربية المتزايدة، فتغيرت التعليمات مرة أخرى إلى ضرورة تجاهل مستجدات القضية نهائياً، بعدما تبين أن الرياض سقطت في مأزق غير مسبوق، وأنه ليس من الحكمة أن تساندها مصر دون مبررات أو أدلة، الأمر الذي قد ينعكس بالسلب على علاقة السيسي بالإدارة الأميركية، والرئيس دونالد ترامب.

وأوضحت المصادر أن دائرة السيسي ليس لديها أي معلومات عما حدث بالضبط، لكنها تتعامل مع المستجدات وفقا لظاهر الأشياء، فهي لن تندفع لمساندة السعودية، ولم تشأ أن تتورط في إصدار بيان يؤيد وجهة نظر الرياض بشكل كامل، خصوصاً بعد الاتصال الهاتفي بين العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والذي ستنعكس تفصيلاته، التي لم تُعرف حتى الآن، على مستقبل التحقيقات في القضية.

ولذلك صدر البيان المصري "حاملاً معنى مؤازرة السعودية على ما قد يحدث، وليس تبرير ما حدث" على حد وصف مصدر دبلوماسي في ديوان الخارجية، أوضح أنه تمت مراجعة البيان في رئاسة الجمهورية قبل إصداره، وأنه صدر على خلفية اتصال دار صباح أول من أمس بين السيسي وبن سلمان، حيث وجه الأخير لوماً للقاهرة على عدم إظهار موقفها حيال الأزمة، فذكر السيسي أن مصر ليست لديها المعطيات الكافية للتعامل مع القضية، وأن وسائل الإعلام المصرية تدعم الرياض. لكنه أشار، في الاتصال، إلى عدم صدور بيان أيضاً عن الإمارات، حتى صدر بيان الخارجية السعودي الذي اختتم بعبارة شكر للمواقف الإيجابية من الدول الحليفة لها. وأضاف المصدر أن النظام المصري سيتعامل مع هذه القضية كما تعامل مع مواقف سياسية سابقة، مثلت أزمات بين السعودية من جهة ودول يسعى السيسي لصداقتها من ناحية أخرى، وتحديداً القضية السورية التي كانت وما زالت محور الخلاف الرئيسي بين الرياض وموسكو، حيث ستحاول القاهرة النأي بنفسها عن المشاكل والحفاظ على علاقتها بالجميع "لأن السيسي قلق من تصنيفه في نفس البوتقة مع بن سلمان الذي قد يرحل عن سدة الحكم في أي لحظة تحت الضغط" بحسب تعبيره.

وأشار المصدر إلى أن هناك حالة من عدم الارتياح تسيطر على علاقة السيسي ببن سلمان منذ عدة أشهر، تحديداً بسبب المشاكل التي أثارها مستشار ولي العهد، تركي آل الشيخ، في الوسطين الرياضي والإعلامي بمصر، وحالة الاحتقان التي تسبب بها لحد دفع المئات لتنظيم تظاهرات عفوية للتنديد بتواجده في مصر، الأمر الذي اعتبره السيسي يمثل خطراً على الأمن الداخلي لنظامه. وتابع "لا تقود حالة عدم الارتياح هذه إلى فك الارتباط بين السيسي وبن سلمان، لكن الأول ليس مستعداً لدفع أي فواتير عن الثاني، كما أن السيسي وذراعه اليمنى عباس كامل مؤمنان بأن بن سلمان لا يتعامل مع القاهرة بالاحترام الكافي، بناءً على ترسبات عديدة منذ أزمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وانتهاء بالمفاوضات السرية حول صفقة القرن، وأن السيسي وكامل لفتا نظر السفير السعودي السابق في القاهرة والوزير الحالي للشؤون الأفريقية، أحمد قطان، لهذه المسألة أكثر من مرة، بغضب".

مصادر أخرى ذكرت سبباً آخر يجعل السيسي حساساً تجاه قضية خاشقجي تحديداً، وهي أنه يسعى منذ عدة أشهر لتهدئة إعلامية وسياسية مع تركيا، بالتوازي مع محاولة إنعاش العلاقات الاقتصادية بين البلدين، باعتبار تركيا من أكبر ثلاث دول مستثمرة في مصر، الأمر الذي كان قد أشار له وزير الخارجية، سامح شكري، في العديد من الحوارات نهاية العام الماضي، وتمت ترجمته سريعاً بعقد لقاءات متلاحقة، برعاية أجهزة الاستخبارات المصرية والتركية، بين رجال الأعمال في الدولتين. وأوضحت المصادر أيضاً أن تعليمات "غريبة عن السياق المعتاد منذ 2013" صدرت عن جهاز الاستخبارات المصرية لوسائل الإعلام منذ بضعة أشهر لوقف الهجوم اليومي والتركيز على سلبيات النظام التركي. فبعيداً عن تشفي بعض وسائل الإعلام غير الرسمية المحسوبة على النظام في الأزمة الاقتصادية التركية الأخيرة، فإن الخطاب الرسمي يبدو هادئاً تجاه تركيا، وتجلى ذلك أيضاً في خطابات السيسي خلال لقاء القمة الثلاثية الأخير مع رئيس وزراء اليونان والرئيس القبرصي في جزيرة كريت، إذا ما قورنت بخطابات سابقة كانت مكتظة بالإشارات السلبية إلى تركيا. وكانت مصر قد دعت في بيانها الوحيد بشأن القضية إلى عدم استباق نتائج التحقيقات الجارية بين تركيا والسعودية حول مصير خاشقجي.