الإعلام البريطاني يرصّ الصفوف للاستفتاء

الإعلام البريطاني يرصّ الصفوف للاستفتاء

17 يونيو 2016
صخب إعلامي يزداد مع اقتراب موعد الاستفتاء (Getty)
+ الخط -
على الرغم من أنّ شراء الجرائد تقلّص في بريطانيا من 15 مليوناً عام 1975 إلى أقل من سبعة ملايين نسخة في عام 2015 الماضي، إذ تتوفر منافذ عديدة اليوم، بينها وسائل التواصل الاجتماعي التي أثبتت فعاليّتها في نشر الأخبار بسرعة وعلى نطاق واسع، إضافةً إلى مواقع الأخبار الإلكترونيّة السبّاقة دوماً في نشر الأحداث. إلا أنّ الصحف الورقيّة تلعب دوراً كبيراً في تجييش المقترعين في الاستفتاء الأوروبي المقرر أن يحصل يوم 23 يونيو/حزيران، والذي يُظهر رصد الإعلام أنّه لمصلحة الخروج.

وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة "ذا إندبندنت"، مقالاً، بيّنت فيه كيفية تلاعب وسائل الإعلام بآراء الناس ومدى تأثير كل منها في زمن التكنولوجيا، وانحياز بعضها إلى حد المبالغة وتشويه النقاش حول الاستفتاء الأوروبي. وتناول المقال، الصحف الورقية أولاً، حيث تجلّى بوضوح، حثّ قرّاء صحيفة "ذا ديلي تلغراف" للتصويت على مغادرة الاتحاد الأوروبي، مقابل تحفيز قرّاء كل من "ذا غارديان" و"فايننشال تايمز" و"ميرور" و"إندبندنت" ذاتها، إلى التصويت على البقاء في الاتحاد.

وبحسب دراسة أجرتها جامعة Loughborough أنّ أغلب وسائل الإعلام البريطانيّة تدعم الخروج من الاتحاد الأوروبي بشكلٍ مهول. وأحصت الدراسة 1127 تقريراً عن الاستفتاء الأوروبي منذ أوائل مايو/أيار الماضي، وحتى أوائل يونيو/حزيران الحالي. ووجدت أنّ أكثر المدافعين والداعين للخروج من الاتحاد هي صحيفة "دايلي إكسبرس" تليها "دايلي مايل" ثم "ذا صن" و"ديلي ستار" و"تلغراف". وكانت أكثر الصحف نشراً لمواد عن الموضوع هي "ديلي مايل"، فيما كانت "ذا صن" الأقرب إلى الموضوعيّة في الحديث عن الموضوع، قبل أن تنشر الصحيفة افتتاحيّة تدعم الخروج من الاتحاد وتشير إلى "مساوئه"، بينما كانت "دايلي إكسبرس" الأقل موضوعيّة في طرح الموضوع.

أما الصحف الخمس الأخرى التي تدعم البقاء في الاتحاد، فكانت بحسب الدراسة: "الفايننشال تايمز"، الأكثر استماتة في دعم البقاء، ثم "ذا غارديان"، و"ديلي ميرور" وصحيفة "آي" ثم "ذا تايمز" التي كانت في المنتصف بين القرارين.

وبحسب الدراسة، فإنّ أكثر المواد التي يتلقاها القارئ الأوروبي تدعم الخروج من الاتحاد الأوروبي، إذ وجدت أنّ مواد "ديلي مايل" تنتشر بنسبة 82 في المئة.

وبينما نشرت صحيفة "ذا تايمز"، يوم الأحد الماضي، خبراً كان بمثابة ضربة قاضية لمؤيّدي البقاء داخل الاتحاد، بعنوان "تسرّب خطّة المملكة المتحدة لتفتح أبوابها لمليون تركي" تحدث عن نقاشات سريّة بين دبلوماسيين بريطانيين، تمنح حريّة السفر إلى بريطانيا وبدون تأشيرة لما يزيد على مليون تركي، وذلك وفقاً لبرقية دبلوماسية مسرّبة اطلّعت عليها صحيفة "صنداي تايمز"، إضافة إلى وثائق تشير إلى أنّ مسؤولين في الاتحاد الأوروبي، يحاولون إبقاء أي اتفاق حول تأشيرات السفر مع تركيا طي الكتمان إلى ما بعد موعد الاستفتاء. وأعلنت الصحيفة التي يملكها إمبراطور الإعلام روبرت مردوخ، يوم 15 يونيو/حزيران، دعم حملة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وجهود ‏رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للإبقاء على البلاد في التكتل الأوروبي.‏

وجاء قرار صحيفة "ذا تايمز" بدعم حملة البقاء بعد أن كشفت استطلاعات الرأي عن أن ‏معظم قرائها يؤيدون هذا التوجه، وبالتالي فإن "اتخاذ موقف مخالف ونصيحتهم بالتصويت ‏للمغادرة سيكون مماثلاً للإضرار بالنفس".‏
ولم يكن عنوان صحيفة "ذا صن"، التي يملكها مردوخ أيضاً، أقل جرأة وانحيازاً لحملة الخروج، حيث عنونت مقالها في 14 يونيو/حزيران بـ "نحث القرّاء على الإيمان ببريطانيا والتصويت على مغادرة الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو". وتابعت بالقول: "إنها الفرصة الأخيرة لإزالة أنفسنا من ماكينة بروكسل اللا ديمقراطية وحان الوقت لاتخاذها". وأسهبت الصحيفة في تعداد سلبيات عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ونتائجها المريعة على البلاد منذ انضمامها على مدى 43 عاماً. وأشارت إلى دول مزدهرة خارج الاتحاد مثل، كندا وأميركا ونيوزيلاند وأستراليا، واصفةً إياها ببلاد الديمقراطيات الرّائعة، كما حذّرت من مغبّة البقاء في الاتحاد، وإمكانية اجتياح ألمانيا لبريطانيا بعد سنوات قليلة في توسيع سيطرتها على دول الاتحاد.

وشمل المقال المواضيع الأكثر حساسية في السّاحة البريطانية، ومنها الهجرة والعمل والرواتب ونمط الحياة، التي ستستمرّ في التدهور في حال بقاء بريطانيا في الاتحاد، وأشار إلى إفلاس اليونان، وإيطاليا التي تواجه الخطر ذاته، وربما كوارث أكبر، والبطالة في إسبانيا التي بلغت 45 بالمائة للأشخاص دون الـ 25 عاماً، فضلاً عن محاولة انضمام دول أكثر فقراً وبحكومات سيئة إلى الاتحاد الأوروبي.

والمقال هو واحد من سلسلة ضمن حملة شرسة تشنّها "ذا صن" ضد حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي، "الذي لا يمكن إصلاحه" وفق الصحيفة. كما دعت إلى تأكيد سيادة بريطانيا وجعلها دولة تتمتّع بحكم ذاتي، يحكمها سياسيون منتخبون من قبل الشعب وليس بيروقراطيين غريبين.

وأظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة (ICM) أن 52 في المئة من البريطانيين يؤيدون الخروج من الاتحاد مقابل 48 في المائة يؤيدون البقاء في الاتحاد. وفي السياق، يرى موقع "بلومبيرغ" أنّ بريطانيا تبدو أقرب إلى التصويت على مغادرة الاتحاد الأوروبي، بوجود أربعة صناديق اقتراع لثلاث شركات تدعم حملة المغادرة. وبيّن أنّ بريطانيا تتجه صوب الخروج من الاتحاد مع اقتراب موعد الاستفتاء نتيجة دعم صحيفة "ذا صن" التي تعتبر من الصحف الأكثر مبيعاً في البلاد، حملة الخروج على صفحاتها الأولى. ولفت الموقع إلى فشل استراتيجية كاميرون، وتحذيره من الركود الاقتصادي خارج الاتحاد، مقابل تسليط حملة الخروج الضوء على تقليص الهجرة التي يبدو أنّها تجذب أعداداً أكبر من الناخبين.

في المقابل، تساءلت صحيفة "ذا غارديان" في أحد عناوينها عن الاستفتاء الأوروبي "هل الاتحاد الأوروبي غير ديمقراطي؟"، وكتبت أنّ حملة خروج بريطانيا من الاتحاد، تزعم أنّ بريطانيا تفقد سيطرتها على شؤونها لتضعها بين أيدي بيروقراطيين غير منتخبين في بروكسل، وسألت "هل هم على حق؟". وأجابت "ذا غارديان" عن السؤال، وقالت إن الواقع مختلف، وحين يتحدّث الناس عن بيروقراطيين غير منتخبين من بروكسل، فهذا يعني المفوضية الأوروبية، وهي منظّمة لا مثيل لها، فهي أقل من حكومة وأكثر من خدمة مدنية، تتألّف من 28 مفوّضاً، واحد عن كل بلد عضو مشارك في الاتحاد، وهم يفرضون ويراقبون ويقرّرون قوانين الاتحاد الأوروبي التي لا تتجاوز قوانين الدول الأعضاء.
بدورها دعمت صحيفة، "ديلي إكسبرس" حملة الخروج في عنوانها يوم 14 يونيو/حزيران، "برهان على أنّنا لا نستطيع إيقاف المهاجرين"، وتحته مباشرة، كتبت، خمسة ملايين مواطن أوروبي جديد، مُنح حق بدخول بريطانيا.

وكتب موقع "بي بي سي" أنّ معظم الصحف الورقية، توافق على استطلاعات الرأي الأخيرة التي تشجّع أولئك الذين يريدون التصويت على مغادرة بريطانيا للاتحاد. ويبدو ذلك من خلال الكلمات التي تستخدمها الصحف حين تتناول نتائج استطلاعات الرأي حول الاستفتاء، فتستخدم، "دعم" و"ارتفاعه" في مقالات عنها، بينما تصف حملة البقاء "بالذعر الاعمى" كما جاء في صحيفة "ذا غارديان" و"الانهيار" كما ذكرت صحيفة "ديلي ميل". كذلك، أشارت الـ "بي بي سي"، إلى أنّ هناك توافقاً واسع النطاق، على رغبة الناخبين في وضع حد لقضية الهجرة التي تلعب دوراً كبيراً في ميلهم إلى التصويت على المغادرة.

تبقى محطّات التلفزيون، مصدر الأخبار الأوّل، وفق تقرير صادر عن وسائل تنظيم إعلام "أوفكوم"، الذي كشف أنّ 75 بالمائة من البالغين في بريطانيا يستخدمون التلفزيون للحصول على الأخبار، وهي نسبة أعلى بكثير من أي وسيلة أخرى. وقد يعتقد البعض أن تأثيره ربّما يكون كبيراً على نتائج الاستفتاء الإجمالية، لكنّه خلافاً لما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية، ينبغي أن تلتزم محطّات التلفزيون والإذاعة في بريطانيا، الحياد في تناولها أي مسألة، وألّا تقف إلى جانب واحد، بل أن تعطي كلتا الحملتين تغطية متساوية، وبذلك يضعف تأثيرها على الناخبين.

أمّا وسائل التواصل الاجتماعي، فتعتبر قوّة لا يمكن الاستهانة بها، لكن يصعب تحديد مفعولها على الناس، كونها متنوّعة، ولا تصب أخبارها في خدمة جهة واحدة، بل هي مساحة حرّة للتعبير عن آراء متناقضة ومتضاربة. بيد أنّها تخدم في التذكير بموعد التسجيل للتصويت، كما ذكرت "ذي إندبندنت" حين أطلق "فيسبوك" يوم الجمعة، دعوة تشجّع مستخدميه على التسجيل للتصويت، وبلغ عدد الأشخاص الذين سجّلوا أسماءهم للتصويت في ذلك اليوم 186 ألفا، تراوحت أعمار غالبيتهم بين الـ34 وما دون.

ومن المرجّح أن تصوّت فئات الشباب أكثر من غيرها لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وبالتأكيد سيكون لهذا تأثير على نتائج الاستفتاء إن جاءت نسب التصويت متقاربة.

وفي ظلّ الترويج الإعلامي، في اتجاهين معاكسين، واستغلال منابره لدفع الناخبين بما يتوافق مع سياساته، من الطبيعي أن يزداد اتخاذ القرار صعوبة بالنسبة للكثير من الأشخاص، الذين يجدون ذاتهم في حيرة من أمرهم جرّاء المعلومات المتناقضة التي ينشرها الإعلام.