المسلمون في ألمانيا ... اعتراف بالتمييز والمعاناة

المسلمون في ألمانيا ... اعتراف بالتمييز والمعاناة

05 يوليو 2023
+ الخط -

اجتمعت في أسبوع واحد عدّة أحداث تؤول إلى تقرير حقائق مشتركة عن وضع المسلمين في أوروبا، ففي السويد، وبحماية الشرطة، يحرق متطرّف مهاجر من أصل عراقي المصحف الشريف صباح عيد الأضحى، فيما يقتل شرطي فرنسي شابًا يافعًا من أصل جزائري وبدم بارد في حالةٍ لا مبرّر فيها لاستخدام العنف. وفي ألمانيا يصادف الأول من يوليو/ تموز ذكرى اغتيال الصيدلانية المصرية مروة الشربيني في قاعة المحكمة في دريسدن عام 2009، على يد متطرّف ألماني من أصل روسي. رافق الأحداث المذكورة صدور تقرير ألماني في نحو 400 صفحة أنجزته بتكليف من وزير الداخلية الألماني السابق (من الاتحاد المسيحي الديمقراطي CDU - 2020) مجموعة الخبراء المستقلة حول معاداة المسلمين (UEM)"، وتم تكوين الفريق الذي عرف التقرير باسمه "Bericht des Unabhängigen Expertenkreises Muslimfeindlichkeit" بعد الهجمات العنصرية في هاناو في 19 فبراير / شباط 2020. وضمّت اللجنة المؤلفة من 12 خبيرًا علماء من مختلف التخصّصات وممثلين لجهات فاعلة من منظمات المجتمع المدني المتنوّعة، وكان من بينهم مسلمون وآخرون متخصّصون بالدراسات الإسلامية، وكان منسّق الفريق البروفسور ماتياس روه (Mathias Rohe) أستاذ القانون في جامعة إيرلانغن في نورنمبورغ، والذي تركّز أبحاثه على الوضع القانوني للإسلام في ألمانيا وأوروبا وتطوّره في السياق الأوروبي، وعن الشريعة الإسلامية بين الماضي والحاضر. وقد استهدفت لجنة الخبراء في عملها دراسة المشكلات المتعلقة بمعاداة المسلمين في المجالات الرئيسية للسياسة والتعليم ووسائل الإعلام والثقافة والقضاء والإدارة والحياة اليومية، وقامت بتحليلها وصياغة توصيات عملية بشأنها، معتمدة على عيّنات تمثّل الحالات، ولم يكن من مهام اللجنة دراسة مشكلات التطرّف المرتبطة بالمسلمين. وقد انطلق التقرير من معطياتٍ مهمة كان لها دور في جودة التقرير ومصداقية نتائجه، وأهمية توصياته. من تلك المنطلقات أن العداء للمسلمين يجب أن يُفهم مشكلة للمجتمع ككل، وليس مجرّد مشكلة للمتضرّرين المسلمين، وأن معلومات التقرير والمحتوى المعرفي فيه إنما هي مساهمة في المشورة (السياسية) وتساعد في اتخاذ القرار، ويصف التقرير المظاهر المتنوعة للعداء تجاه المسلمين، ويضعها في سياقاتها الاجتماعية ويوضح تطورها التاريخي.

ينطلق التقرير من تعريف خاص للعداء للمسلمين (Muslimfeindlichkeit)، نظرًا لأنه لا يوجد إجماع على تعريف لمصطلح يحدّد المقصود بالعداء تجاه المسلمين، لذلك يحدّد التقرير ما يقصده باستخدام مصطلح "عداء المسلمين" (أو العنصرية المعادية للمسلمين)، فهو يدلّ على العناصر الآتية:

• إلصاق سمات جماعية عامة تجاه المسلمين، أو أولئك الذين ينظر إليهم أنهم مسلمون.

• تشتمل هذه الصفات على أحكام جزافية بالتخلف وإثارة الخوف.

• ينتج من ذلك، بوعي أو بغير وعي، النظر إلى المسلم أنه غريب، أو حتى يوصم بالعدو.

• يؤدّي ذلك إلى عمليات تهميش وتمييز متعدّدة الأوجه في المجتمع.

• يمكن أن يكون ذلك بشكل مطرد، أو على المستوى الفردي أو المؤسّسي أو الهيكلي، ويمكن أن يشمل استخدام العنف.

مشكلة حقيقية ومرئية للجميع

يمكن القول إن هذا التقرير هو الأشمل والأعمق والأهم عن وضع المسلمين في ألمانيا، سيما لجهة منهجية العمل في إنجازه، واستناده إلى حقائق عملية وميدانية، ولغته الصريحة والمباشرة، ففي البداية، يتحدّث التقرير عن ظاهرة العداء للمسلمين بوصفها "مشكلة حقيقية ومرئية للجميع"، وتم في الفصول الأولى شرح طريقة العمل، والمقدّمات النظرية وتعريف المفاهيم، والكلام عن العنصرية ضد المسلمين وجذورها التاريخية وصلتها بمعاداة السامية، وجرى تقديم حقائق وأرقام عن الظاهرة، مع وصف أشكال العداء، ووصف المواقف المعادية للمسلمين في ألمانيا مقارنة بمرور الوقت، وبالمقارنة مع أوروبا، والعوامل التفسيرية لها، كما تطرّق إلى الجرائم ضد المسلمين عمومًا، وجرائم الإسلاموفوبيا في إحصاءات جرائم الشرطة، والهجمات على المساجد، والهجمات ضد المسلمين والتمييز، وعرض التقرير أرقام الوكالة الفيدرالية لمكافحة التمييز، والمنظمات غير الحكومية التي تركّز على المتضرّرين من التمييز ضد المسلمين.

العداء للمسلمين يجب أن يُفهم مشكلة للمجتمع ككل، وليس مجرّد مشكلة للمتضرّرين المسلمين

بدءًا من الفصل الرابع، يخوض التقرير في الجوانب العملية، فتناول مناقشات مفتوحة حول حالات العداء للمسلمين، شملت حالات الحجاب، والختان، وبناء المساجد، وجرائم الشرف، والإسلام السياسي، والكاريكاتير، وجرائم العشائر، وليلة رأس السنة في كولونيا، والاتهام على مجرّد الاتصال بشخص أو جماعة تصنف على أنها متطرفة. بينما يتناول الفصل الخامس تجارب عنصرية معادية للمسلمين من منظور المتضرّرين، بالتركيز على دراسات حالات تمييز تعرّض لها المسلمون، والتحدّيات التي واجهوها، مع خلاصات دراساتٍ كمّية ونوعية، وجلسات استماع للمتضرّرين. وتناول هذا الفصل الثغرات في مكافحة العنصرية ضد المسلمين من خلال دراسة الفريق وتقارير سابقة حول تأثير الهجمات على المساجد على أفراد المجتمع، وأخرى عن التمييز بين السكان المسلمين. أما الفصل السادس فيركّز على التعليم، فتناول المشكلة في المنهاج التربوية في المدارس وخارجها، بدءًا من مرحلة تعليم الطفولة المبكّرة، ومرحلة ما قبل المدرسة، ثم المدارس، والإطار المؤسسي والهيكلي، مع التركيز على تجارب الطلاب والمعلمين (غير المسلمين) وتصوّراتهم، ثم تناول الجامعات وعدم وجود استراتيجية لمكافحة العداء للمسلمين، وكذلك عدم وجود حماية في القانون العام للمساواة في المعاملة في الحرم الجامعي، وتمويل البحث ومحتواه. وتطرّق إلى العداء للمسلمين في سياق التعليم غير النظامي، كالثغرات في التربية السياسية والدورات التدريبية، والعوائق التي تواجه المسلمين في دور رعاية الأطفال والشباب والتحدّيات التي تواجه المنظمات الشبابية الإسلامية، والآثار الجانبية المعادية للمسلمين والعنصرية على التطرف والوقاية من التطرف.

الفصل السابع من التقرير خصّص للإعلام، وتضمّن الحديث عن العداء للمسلمين في وسائل الإعلام الألمانية كالصحافة والتلفزيون، وأجرى الفريق جلسات استماع مع الصحافيين، كما تناول العداء للمسلمين على الإنترنت من الناطقين بالألمانية، وظاهرة الكراهية ضد المسلمين على الإنترنت وتأثيرها، وتناولت الدراسة الإعلام المسيحي ووسائل الإعلام المسيحية عبر الإنترنت. أما الفصل الثامن (السياسة) فتناول العداء للمسلمين في السلطة التنفيذية مركّزًا على موضوع العلمانية والعنصرية المؤسّسية والعداء للمسلمين في الدولة الديمقراطية الليبرالية، وتعرّض لحالات في مكاتب القيادة السياسية والشرطة والسلطات الأخرى. وإضافة إلى السلطة التنفيذية، تناول هذا الفصل الهيئة التشريعية من خلال الأحزاب السياسية والبرلمان الألماني وتمثيل المسلمين فيه، وظاهرة العداء للمسلمين في الحركات السياسية المتطرّفة، وكذلك تناول هذا الفصل العداء للمسلمين في القضاء.

يؤكّد التقرير أن ترسيخ المساواة بين جميع الناس في الدولة الدستورية الديمقراطية هو مهمتها المركزية

الفصل التاسع تطرّق إلى السياسة الدينية، والدين في الدستور الألماني، والإطار القانوني لحياة المسلمين في ألمانيا، ونطاق الحرية الدينية وحدودها، وتعريض الحرية الدينية للمسلمين للخطر من خلال التحفظات الاجتماعية. وتضمّن هذا المحور السياسة الإسلامية للأحزاب الممثلة في البرلمان الألماني، وموقف الأحزاب الديمقراطية بالمقارنة فيما بينها نحو الانفتاح أو العداء للمسلمين، مع جلسات استماع مع المسؤولين الدينين في الأحزاب الممثلة في البرلمان من الأحزاب الحاكمة والمعارضة. أما الفصل العاشر والأخير (الثقافة)، فتناول العداء للمسلمين في الفيلم الألماني ومما جاء في التقرير عن الأفلام التي شاهدتها اللجنة أن ما يصل إلى 90% منها تتضمّن نظرة سلبية عن المسلمين. كما تناول التقرير الإعلام الترفيهي، ولاحظ أن انتقاد العنصرية كان مقابل إعادة إنتاج الصور النمطية المعادية للمسلمين. وتناول هذا الفصل الهجرة والإسلام في الفيلم، والإسلام والمسلمين في المسرح والمعارض وأبحاث المتاحف، وتضمّن جلسات استماع مع الخبراء.

أوجه قصور في العمل

كان تصريح وزيرة الداخلية الألمانية (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD) في تعليقها على التقرير كافيًا لفهم نتائجه الصادمة (لغير المسلمين طبعًا)، حيث قالت، بعد تلقيها التقرير، إنَّ "كثيرا من المسلمين البالغ عددهم خمسة ملايين ونصف المليون في ألمانيا يعانون من التهميش والتمييز في حياتهم اليومية، بما في ذلك الكراهية والعنف"، فالتفاصيل في التقرير تؤكّد ذلك، إذ يؤيّد نصف الألمان التصريحات المعادية للإسلام، ويوافقون على تصريحاتٍ ومقولاتٍ وصور نمطية معادية أو كارهة للمسلمين، وهذا يشمل أيضا المسلمين المولودين في ألمانيا، والذين يُنظر إليهم على نطاق واسع أنهم "أجانب"، وأشدّ المسلمين عرضة لهذا التمييز أولئك الذين يعبّرون عن دينهم علانية من خلال الملابس أو العضوية في الجمعيات الدينية والمنظّمات، فهم مستهدفون بشكل خاص. وتواجه النساء المحجّبات "أشكالًا قاسية من العداء" وبأشكال دراماتيكية. والإسلام غالبا ما يصوّر أنه "دين رجعي". وسبب العداء ضد المسلمين، حسب التقرير أيضًا، هو الصور النمطية والمعمّمة، والتي غالبًا ما تكون نتيجة عن جهل وتخلف. وتولد هذه الأسباب العنف ضد المسلمين والإقصاء، وهو ما يوفّر أرضا خصبة خطيرة للجماعات المتطرّفة. لذا كان المسلمون أكثر الأقليات تعرّضًا للضغوط في البلاد، بالتمييز العنصري المعادي للمسلمين (حتى من غير وعي) في سوق العمل والإسكان، والمؤسّسات، وميادين أخرى.

يؤيّد نصف الألمان التصريحات المعادية للإسلام، ويوافقون على تصريحاتٍ ومقولاتٍ وصور نمطية معادية أو كارهة للمسلمين

يؤكّد التقرير أن ترسيخ المساواة بين جميع الناس في الدولة الدستورية الديمقراطية هو مهمتها المركزية. ويتوقع الجميع ذلك في المجتمع ومؤسّسات الدولة، لكن الحالة بالنسبة للمسلمين مختلفة، فلئن كانت الآليات القانونية والمؤسّسية الموجودة في ألمانيا توفر إمكانية الاستجابة لاحتياجات التعدّدية المتزايدة في المجتمع، إلا أنَّ هناك فجوات في نواح كثيرة، عندما يتعلق الأمر بالمساواة ومعاملة المسلمين، فالنظام القانوني لجمهورية ألمانيا الاتحادية (حسب التقرير) يستند إلى التطوّرات التاريخية التي استندت إلى الظروف والتوقعات في المجتمع الذي كان، في وقت سابق، يركّز على المسيحية. لذا يوصي الخبراء بإجراء فحص مكثف لمعرفة ما إذا كانت قد تمّت بالفعل مراعاة التباين الديني والأيديولوجي في الوقت الحاضر، بما يضمن المساوة، حيث لا تزال هناك أوجه قصور في العمل، وإلى أي مدىً تعمل الدولة والمجتمع معًا بشكل وثيق في تأمين التعايش اليومي، ليس فقط على المستوى المؤسسي، ولكن أيضًا من حيث الصورة الذاتية للسكّان وتوقعاتهم، فمشكلات العداء للمسلمين لا تبدأ فقط بالتمييز الصريح والواعي والهجمات الشعبوية اليمينية المتطرّفة في المجتمع ومن الأحزاب، إنما تظهر العيّنات التي تناولها التقرير بالدراسة أن المواقف المعادية للمسلمين وجدت في شريحة كبيرة من السكان، نتيجة المفاهيم المسبقة اللاواعية والمعلومات المضلّلة والمخاوف العامة، وكذلك بسبب العيوب الهيكلية التي تؤدّي إلى تقسيم غير قانوني وعدائي للمجتمع إلى "نحن" و"الآخرون"، فيُنسب "الآخرون" إلى خصائص سلبية وغير قابلة للتغيير، والتي تتناقض مع الصورة الذاتية لمجموعة "نحن". هذه بعض التوصيات العشرين (ص16-18) وأهمها، والتي انتهى إليها الخبراء في التقرير الذي لم يغفل التحذير من أن الظاهرة لا تؤثر على المسلمين فحسب، بل أيضًا على الفئات المهمّشة الأخرى، في إشارة تقرير عن معاداة السامية (2017) وتقرير عن العنصرية في ألمانيا (2023)، وأن الروابط الأيديولوجية الواضحة بين العداء للمسلمين ومعاداة السامية واضحة.

صدور هذا التقرير المستقل، واعتراف الجهات الحكومية الألمانية بنتائجه، وأن يكلف بإنجازه وزير من اليمين (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) ويتبنّاه، وتعلن نتائجه وزيرة من اليسار (الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، يؤكّد أهمية الموضوع وخطورته على المجتمع المقبل على مزيدٍ من التنوّع والتحوّل (رسميًا) إلى بلد هجرة، كما يؤكّد تبنّي التقرير رسميًا أن الديمقراطية والتعاون بين الجهات التنفيذية والخبرات العلمية المستقلة هي الخيار الأمثل للمجتمعات التعدّدية في معالجة مشكلاتها. هذا التوجه الحكومي يعد خطوةً أولى في الطريق الصحيح وإن جاءت متأخّرة، كما جاء متأخّرًا (2022) إطلاق اسم مروة الشربيني على حديقة بألمانيا حيث اغتيلت، بعد 12 عاما على مقتلها، عنوانا أبرز لموضوع التقرير.