كرة القدم حلاً لمشكلات الشعوب

كرة القدم حلاً لمشكلات الشعوب

07 ابريل 2022
+ الخط -

تواجه السلطويات العربية أزمة شرعية غير مسبوقة. وأمام حالة الانسدادين، السياسي والاجتماعي، الناتجة عن إخفاق الموجة الثانية للربيع العربي، وتداعيات جائحة كورونا، وتغوّل الاستبداد الجديد، فضلا عن التداعيات الكارثية التي يُتوقع أن تخلفها الحرب الروسية الأوكرانية في المنطقة، أمام ذلك كله تزداد هذه الأزمة تفاقماً، ما يجعل التوسّل بالإنجازات الرياضية، سيما في كرة القدم، سمةً رئيسةً تشترك فيها هذه السلطويات التي تبيع الوهم لشعوبها الغارقة في البؤس والتخلف.

مناسبة هذا الكلام أجواء التحشيد الإعلامي والنفسي التي واكبت وصول خمسة منتخبات عربية إلى الجولة الأخيرة من تصفيات كأس العالم في كرة القدم التي ستقام أطوارها النهائية في قطر في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وقد كان لافتاً نجاح طيفٍ عريضٍ من الإعلام الرسمي العربي في تحويل مباريات هذه الجولة إلى معركة إعلامية وسياسية، يجدر بالجميع الانخراط فيها، ليس فقط من أجل كسب تذكرة التأهل، بل أيضاً لإبراز تميّز الشخصية الوطنية، والدعوة إلى استخلاص العبر والدروس التي تبدو الأجيال القادمة بحاجة إليها، أكثر من حاجتها إلى أنظمة ناجعة في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. وبقدر ما مثّل تأهل منتخبات السعودية وتونس والمغرب فرصةً لتدوير هذا الإنجاز إعلاميا، حمّل الإعلام الرسمي، في كل من مصر والجزائر، مسؤولية الإقصاء لأخطاء التحكيم وتآمر الخصوم وأحداث الشغب التي رافقت، على وجه الخصوص، مباراة مصر والسنغال.

لا مبالغة في القول إنّ الإعلام الرياضي أضحى جزءاً من منظومة الدعاية السياسية التي توظفها هذه السلطويات للتأثير في الرأي العام وتوجيهه، خصوصاً مع عجزها عن الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية. ولذلك يعمد هذا الإعلام إلى إشاعة أجواء التعصّب وزرع بذور الفتنة، بحيث يصبح التأهل لكأس العالم فرصةً ثمينةً لا تعوّض لتصريف فائض الاحتقانين، الاجتماعي والسياسي، فالمواطن البسيط يعرف أن منابع السياسة جرى تجفيفها، ولا هامش أمامه للتعبير عن تطلعاته السياسية والاجتماعية، وبالتالي، من حقّه أن يعبر، في لحظةٍ منفلتة، عن فرحته بتأهل منتخب بلاده لكأس العالم. وبالتوازي مع ذلك، لا يفتأ هذا الإعلام (من دون قصد؟) يُقدّم كرة القدم باعتبارها وسيلة للترقي الاجتماعي السريع، وتحقيق الشهرة وما تمنحه من موارد مادية ورمزية لا تعدّ ولا تحصى، وذلك بالتركيز على لاعبين يملؤون الدنيا ويشغلون الناس بأخبارهم وإنجازاتهم.

لقد حوّل هذا الإعلام كرةَ القدم إلى أداة للتحشيد والتعبئة واستثارة العصبيات القُطرية والجهوية في مسعى إلى صرف انتباه شعوب المنطقة عن المشكلات الحقيقية التي تواجهها منذ عقود. ولعلّ المفارقة هنا أنّ معظم الدول العربية لا توجد فيها سياساتٌ عموميةٌ في المجال الرياضي، وبالأخص في كرة القدم التي تفتقد مؤسساتها وأجهزتها أبسطَ قواعد التسيير الاحترافي، إذ غالباً ما تُدار من دون تخطيط أو سياسة واضحة تأخذ هذه الرياضةَ باعتبارها منظومةً متكاملةً تكاد لا تنفصل عن الدينامية العامة للمجتمعات، وهو ما يُفسح المجال أمام تفشٍّ واسعٍ للفساد والمحسوبية واستغلال النفوذ في كرة القدم العربية.

قد يقول قائل إنّ ما أصبحت عليه كرة القدم لا يقتصر على البلاد العربية، فحتى الدول المتقدّمة تشهد ارتفاعاً في منسوب التعبئة التي تواكب المباريات المصيرية. وقد بات شبه مسلّمٍ به أنّ كرة القدم أصبحت بمثابة الديانة الشعبية الأكثر انتشاراً في العالم. كما أنّ من حق الشعوب العربية فسحة فرح، ولو عابرة، تُنسيها ما تتخبّط فيه من مشكلات متراكمة. ذلك كله صحيح، وينطوي على قدر من الوجاهة والصواب. لكن حين يتحوّل الفوز في مباراة كرة قدم إلى ما يشبه ''الملحمة الوطنية الخالدة''، التي تغطّي على حالة التردي العام التي تقيم فيها دول ومجتمعات عربية بأسرها، فذلك ما يبعث، فعلاً، على الأسى والشفقة.