أبرز ما جاء في تسريبات المقابلة السرّية لظريف

27 ابريل 2021
+ الخط -

لا يزال "التسجيل المسرّب" لمقابلة سرية داخلية مع وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، يتفاعل في إيران، رغم مرور يومين على ذلك، بالنظر لأهمية مضامين التسجيل وتوقيت التسريب الذي يتزامن مع المباحثات النووية الجارية في فيينا واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية خلال يونيو/حزيران المقبل.
ووصلت شظايا التسريب إلى البيت الأبيض أيضا حيث تعرض وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، لانتقادات شديدة لورود اسمه في التسجيل والحديث عن أنه قدم معلومات عن هجمات إسرائيلية في سورية لظريف. 
ونشرت قناة "إيران انترنشنال"، المتهمة من قبل طهران بأنها ممولة من قبل السعودية، ومقرها لندن، هذا التسجيل الصوتي، يوم الأحد، وسرعان ما وصل إلى العالم الافتراضي وتداولته مختلف المنصات الإعلامية.  
والتسجيل المسرب، مدته أكثر من 3 ساعات، وهو جزء من مقابلة مصورة مع ظريف، لسبع ساعات، أجراها معه الاقتصادي الإيراني، سعيد ليلاز، في فبراير/شباط 2021 في إطار مشروع لـ"مركز الدراسات الاستراتيجية"، التابع للرئاسة الإيرانية لتسجيل التاريخ الشفاهي للحكومتين الإيرانيتين الأخيرتين برئاسة حسن روحاني الذي ستنتهي ولايته بعد نحو ثلاثة أشهر.

روحاني أصدر أوامر لوزارة الاستخبارات الإيرانية للتعرف على مسربي التسجيل الصوتي

وتشدد الخارجية الإيرانية على أنه لم يكن مقرراً نشر المقابلة وهي كانت "سرية" لأرشيف الدولة، فيما لم يتضح بعد من قام بتسريبها وسط اتهامات متبادلة بين القوى السياسية الإيرانية بالوقوف وراء ذلك.  
وكشف المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، اليوم الثلاثاء، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أن روحاني أصدر أوامر لوزارة الاستخبارات الإيرانية للتعرف على مسربي التسجيل الصوتي، مؤكداً أن ما حصل "سرقة" و"مؤامرة".  
وأضاف أن "سرقة الوثائق مؤامرة ضد الحكومة والنظام والانسجام الداخلي والمؤسسات الفاعلة والشامخة في الساحات والميادين وكذلك مؤامرة ضد المصالح الوطنية." 
وأوضح ربيعي: "إننا ننتظر لكي يعود السيد ظريف إلى إيران ويقدم توضيحات لازمة بشأن سوء الفهم الحاصل من تصريحاته"، مشيرا إلى أن التسجيل المسرب "تقطيع انتقائي من حوار طويل للغاية تم نشره لأغراض شيطانية."

ماذا قال ظريف؟

يتناول ظريف، في المقابلة المسربة "السرية" التي يشدد فيها عدة مرات على عدم نشرها، مواضيع متعددة مرتبطة بالسياسة الخارجية الإيرانية، منذ استلام روحاني السلطة عام 2013 وتوليه الخارجية في ذلك العام.  
وكشف ظريف دوراً روسياً "تخريبياً" في المباحثات النووية التي توجت بالاتفاق النووي عام 2015 واتهمها بالسعي لإفشال هذه المباحثات، وتطرق لدور للقائد السابق لـ"فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني في السياسة الخارجية الإيرانية، وقضية مهاجمة السفارة السعودية في طهران عام 2016، والهجمات الإسرائيلية في سورية ضد مواقع إيرانية، فضلا عن قضية إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية بالقرب من العاصمة طهران مطلع عام 2020.

دور سليماني 
وتحدث ظريف في المقابلة عن "الميدان" الذي كان يقوده سليماني في المنطقة، مؤكداً أن سليماني كانت له الكلمة الأولى في السياسة الخارجية، مضيفاً: "أنا والقائد سليماني لم نكن متفقين في كل شيء بالضرورة، لكننا كنا نشعر بأنه علينا أن ننسق أحدنا  مع الآخر وكنا نفعل ذلك، وأقول بجرأة إنني أنفقت الدبلوماسية لأجل الميدان (ساحة المعركة) أكثر من أن يضحي الميدان للدبلوماسية".
وتابع: "خلال عملي، لم أستطع وليس لأنه لم أرغب في ذلك من أن أطلب من قائد الميدان أن يفعل فلان عملاً، لأنني بحاجة إليه في الدبلوماسية، وفي كل مرة كنت أذهب إلى التفاوض كان الشهيد سليماني هو الذي كان يقول خذ هذه النقاط في الاعتبار. كان يقول لي وأنت تذهب للتفاوض (حول سورية) مع لافروف (وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف) أطلب منه كذا وكذا". 

ظريف تحدث أيضا عن "علاقات صداقة قوية" جمعته مع سليماني، متحدثاً عن أنه كان يلتقي به كل أسبوع مرة واحدة

وكشف أن قائد "فيلق القدس" السابق لم يكن يستمع إليه، ضاربا في ذلك مثالا حول عدم تجاوبه مع مطلبه بعدم استخدام طائرات شركة الطيران الحكومية "هما" بين إيران وسورية، موضحا أن "الكثير من التكاليف الدبلوماسية التي تحملناها كان بسبب أن الميدان كان له الأولوية للنظام وإلى هذا المستوى تمت التضحية بالدبلوماسية لأجل الميدان وهذا نتيجة أن يكون القرار بيد الميدان".  
غير أن ظريف تحدث أيضاً عن "علاقات صداقة قوية" جمعته مع سليماني، متحدثاً عن أنه كان يلتقي به كل أسبوع مرة واحدة، وقال إن "الشعب الإيراني يحبذ البطولة في المنطقة، وإنه بين الدبلوماسية وهذه البطولة يحبذ الأخيرة".  
ولفت إلى أنه، حسب نتائج الاستطلاعات من 2016 حتى 2020 "انخفضت شعبيتي من 90 بالمائة إلى 60 بالمائة، وارتفعت شعبية الشهيد سليماني إلى 90 بالمائة"، مؤكداً أن إيران تلقت "ضربة كبيرة" بعد اغتياله.   
وأضاف أن اغتيال سليماني "وجّه للبلاد ضربة كانت أكبر من تدمير مدينة"، مشيراً إلى أن المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، كان المنسق بينه وبين سليماني.

سورية

ونفى ظريف في المقابلة رواية إيرانية تقول إن سليماني هو الذي أقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخل عسكرياً في سورية خلال زيارته له إلى موسكو ولقائه مع بوتين عام 2016، قائلاً إن الرئيس الروسي كان قد اتخذ قراره وأرسل السلاح الجوي إلى سورية قبل الزيارة.   
واتهم ظريف الرئيس الروسي بـ"جرّ القوة البرية الإيرانية أيضاً إلى الحرب"، قائلاً: "لم تكن لدينا قوة برية هناك حتى ذلك الوقت، والسوريون والعرب والأفغان المتطوعون هم الذين كانوا متواجدين".  
وانتقد ظريف خلال المقابلة عدم إطلاعه من قبل "فيلق القدس" على الأوضاع الميدانية في سورية، مشيراً إلى أن كيري هو الذي أخبره بأن إسرائيل نفذت 200 هجوم.  
وأثارت هذه النقطة من تسريبات ظريف غضب الجمهوريين الأميركيين على كيري، ليطالب عدد من النواب الجمهوريين بفتح تحقيق معه وإقالته من الإدارة الأميركية (يشغل حاليا منصب المبعوث الأميركي الخاص لشؤون المناخ) لتقديمه "معلومات سرية" لظريف.  
ودفعت هذه الانتقادات وزير الخارجية الأميركي الأسبق إلى نشر تغريدة ينفي فيها تقديم معلومات عن الهجمات الإسرائيلية "السرية" في سورية إلى ظريف.

اتهامات "ثقيلة" لروسيا 

ولعل أحد أهم محاور مقابلة ظريف المسربة، هو ما كشف عنه بخصوص السياسة الروسية تجاه الاتفاق النووي والمباحثات التي أفضت إلى هذا الاتفاق، مع توجيهه اتهامات ثقيلة للجانب الروسي بالسعي لإفشال تلك المباحثات والاتفاق.  

روسيا وفرنسا اقترحتا إجبار إيران على الحصول على تصريح من مجلس الأمن لتمديد الاتفاق النووي كل ستة أشهر مرة واحدة

وقال ظريف إن "روسيا كانت عازمة ألا يتم التوصل إلى الاتفاق النووي"، مضيفا أن "الروس لم يتوقعوا أن يتم الوصول إلى الاتفاق النووي، وفي الأسابيع الأخيرة من المفاوضات عندما وجدوا أنها ستتوصل إلى النتيجة بدأوا بتقديم مقترحات جديدة" لعرقلة الوصول إلى الاتفاق.  
وأشار إلى أن روسيا وفرنسا اقترحتا إجبار إيران على الحصول على تصريح من مجلس الأمن لتمديد الاتفاق النووي كل ستة أشهر مرة واحدة، أي "أن تضطر إيران للتفاوض كل ستة أشهر مع الخمسة أعضاء الدائمين والـ10 أعضاء غير الدائمين في المجلس لتمديد الاتفاق". 
وكدليل على هذا الانزعاج الروسي، أشار إلى غياب وزير الخارجية الروسي في الصورة المعروفة التي جمعت وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتفاق النووي بعد دقائق من التوصل إليه في لوزان السويسرية.   
وأوضح أن روسيا قبل الوصول إلى الاتفاق بثلاثة أشهر وبعدما علمت باقترابه، حاولت "بكل ثقلها" عرقلته، مشيراً إلى أن لافروف حاول عشية المباحثات وقفها، وأنه أبلغ كيري ومنسقة السياسة الخارجية الأوروبية السابقة، فيدريكا موغيريني، بأنه سيغادر المباحثات ويعود بعد أربعة أيام.

وأضاف ظريف أنه عشية الاتفاق شارك في اجتماع مع لافروف وكيري وموغيريني، مخبراً وزير الخارجية الأميركي الأسبق أنه لن يقبل بما طرحه من نقاط جديدة، حينئذ قال لافروف: "أنت إذًا ليست عندك تعليمات، فلنغادر نحن وننتظر حتى تأتي بتعليمات، هنا غضبت كثيرا منه وخاطبته بكلمة حادة وقلت لا دخل لك بالأمر بتاتا".  
وأشار، في السياق، إلى "التطورات مع روسيا وما بعدها والأحداث التي وقعت في المنطقة ومهاجمة السفارة السعودية (في طهران) وكتابة شعار محو إسرائيل عن الوجود على الصواريخ واحتجاز زورقين أميركيين" في الخليج عام 2016 من قبل "الحرس الثوري" واعتقال 10 بحارين أميركيين. ولفت إلى أن "كل ذلك حصل حتى لا ينجح الاتفاق النووي". 
ووصف ظريف خلال المقابلة مهاجمة السفارة السعودية في طهران عام 2016 من قبل شباب غاضبين على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي محمد باقر النمر بأنها "خيانة".

مواضيع أخرى

كما تطرق ظريف في المقابلة المسربة إلى مسألة إسقاط الدفاع الجوي الإيراني الطائرة الأوكرانية المدنية مطلع العام الماضي، قائلا إنه بعد ثلاثة أيام من وقوع الحادث أكد خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي الإيراني أن "العالم يقول إن الصاروخ أصاب الطائرة وإذا بالفعل أصيبت بالصاروخ أخبرونا لكي نجد له حلاً"، مشيراً إلى أنه واجه اعتراضا شديدا "كأنني أنطق بالكفر".  
ويوم الثامن من يناير/ كانون الثاني 2020، وبعد ساعات من هجمات صاروخية إيرانية على قواعد أميركية في العراق، رداً على اغتيال سليماني في ضربة جوية أميركية بالقرب من مطار بغداد، أسقط الدفاع الجوي التابع للحرس الثوري الإيراني طائرة مدنية أوكرانية، بعد دقائق من إقلاعها من مطار "الإمام الخميني" الدولي جنوب العاصمة طهران، ما أدى إلى مقتل 176 راكباً، من جنسيات أوكرانية وكندية وأفغانية وسويدية وبريطانية، إلا أن معظمهم كانوا إيرانيين، بينهم 57 كندياً من أصول إيرانية.   
وبعد ثلاثة أيام من وقوع الحادث، أصدرت القوات المسلحة الإيرانية، بيانا بشأنه، مشيرة إلى أن الطائرة سقطت من قبل الدفاع الجوي الإيراني بـ"الخطأ". وعزت إيران الحادثة في وقتها إلى حالة "التأهب القصوى" لقواتها المسلحة في مواجهة "أي هجمات محتملة للجيش الأميركي".
كما أن ظريف أشار أيضا في التسجيل الصوتي إلى أنه علم بالهجوم على قاعدة عين الأسد الأميركية بالعراق بعدما علم الأميركيون بذلك.

تعليقات غاضبة 

وأثارت تصريحات ظريف في المقابلة انتقادات واسعة من التيار المحافظ مع توجيه اتهامات له بأن هذه التصريحات تحمل "إهانات" لقائد "فيلق القدس" السابق وتقلل من أهمية دوره.  
ظريف المتواجد حالياً في العراق، اكتفى حتى بتعليق على ردود الفعل الغاضبة على تصريحاته، قائلا في تسجيل صوتي عبر حسابه على "إنستغرام": "اتركوا التاريخ. لأنني تحدثت للتاريخ فلا تقلقوا على التاريخ وكونوا قلقين بسبب الله والشعب".  

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Javad Zarif (@jzarif_ir)


وتستمر هذه الهجمات على ظريف فيما تدعو الحكومة إلى عدم الحكم على تصريحاته بـ"تعجل وبصورة غير منصفة"، داعية إلى عدم تجزئتها وقراءتها بشكل شامل.  
رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف الذي كان من المقربين للجنرال سليماني، علق في تغريدة على التسجل المسرب قائلاً إن "الحكمة والشجاعة للحاج قاسم فتحت الساحات وسلكت المعابر للدبلوماسية، لا شيء سوى التلاعب بالسياسة والسذاجة يمكن أن يكتما هذه الحقيقة".  
وأضاف قاليباف: "اليوم الحاج قاسم ليس بيننا لكننا لن نسمح بأن يظلموه بانتهازية للوصول إلى أهدافهم السياسية وقلب الدور التاريخي للشهيد سليماني"، حسب قوله.  
من جهته، رأى وزير الخارجية الإيراني الأسبق، منوجهر متكي، أن تصريحات ظريف "اغتيال سياسي" لسليماني بعدما اغتالته الولايات المتحدة "عسكرياً". 
واتهم ظريف بأنه لا يعرف معنى "الميدان والدبلوماسية"، داعيا إياه إلى النظر للولايات المتحدة الأميركية "حيث الميدان والدبلوماسية مكملان لبعضهما البعض ويتحركان كتفا إلى كتف".  
كما غرّد البرلماني نظام الدين موسوي مخاطبا وزير الخارجية بالقول: "السيد ظريف! نشر تسجيلكم الصوتي السري من قبل قناة تلفزيونية تابعة لآل سعود يؤكد أن عدم إعلامك مسبقا بالهجوم الصاروخي على عين الأسد وزيارة بشار الأسد إلى طهران كان عملا صحيحا في غاية الدقة والحذر. الجواسيس كثر حولك السيد الوزير!".  
إلى ذلك، دعا البرلماني محمد تقي نقد علي، ظريف إلى الاعتذار لـ"إهانته" سليماني، مؤكدا أن البرلمان الإيراني "لن يبقي هذه الإهانة من دون رد".  
في هذه الأثناء، تواصل وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المحافظة، هجماتها على ظريف مع اعتبار أن تصريحاته تروج "صورة خاطئة" عن إيران. فكتبت وكالة "فارس" الإيرانية أن "خلاصة رسالة التسجيل الصوتي تأتي في جملة واحدة وهي أنه خلافا للتصور السائد في الجمهورية الإسلامية، فلا يمتلك رئيس الجمهورية صلاحية فحسب، بل إنه على عكس التصور السابق لا وجود أيضا لازدواجية في الحكم، والقاعدة الوحيدة التي تحكم في إدارة البلاد هي قواعد الميدان والاستراتيجية العسكرية".  
وحاول البعض على شبكات التواصل ومواقع وصحف التقليل من أهمية تصريحات ظريف مع الإشارة إلى أنها لا تتضمن جديدا وما باح به كان معروفاً.

المساهمون