"عقد اجتماعي" جديد في شمال شرق سورية... تأسيس لـ"الفيدرالية"؟

"عقد اجتماعي" جديد في شمال شرق سورية... تأسيس لـ"الفيدرالية"؟

14 ديسمبر 2023
أكراد يحتجون في القامشلي على استبعادهم من اللجنة الدستورية، أكتوبر 2019 (Getty)
+ الخط -

اعتمد المجلس العام في "الإدارة الذاتية" لشمال وشرق سورية، أمس الأول الثلاثاء، عقداً اجتماعياً جديداً، تضمّن تعديلات طاولت بنية هذه الإدارة التي تعد الجهاز الإداري لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في خطوة للتأسيس ربما لمبدأ الفيدرالية في أي تسوية مقبلة للقضية السورية.

وخلال جلسة، عقدت الثلاثاء الماضي في مدينة الرقة، صادق المجلس العام في هذه الإدارة على العقد الجديد المكون من 134 مادة، تتوزع على 4 أبواب، تتضمن الديباجة والمبادئ الأساسية للعقد الاجتماعي والحقوق والحريات.

سبع مقاطعات في "إقليم شمال وشرق سوريا"

ونص العقد الاجتماعي الجديد على تغيير اسم الإدارة إلى "الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا"، والتي أصبحت تتكون من إقليم واحد وهو إقليم شمال وشرقي سورية، ويتضمن سبع مقاطعات.

سيهانوك ديبو: العمل على العقد الجديد بدأ منذ عام 2020

كما تم تعديل تسمية "المجلس العام" إلى "مجلس شعوب شمال وشرق سوريا". وسيتم استحداث بعض المؤسسات وفقاً للعقد الاجتماعي الجديد كـ"مؤسسة الرقابة"، ومحكمة حماية العقد الاجتماعي، وهي بمثابة محكمة دستورية.

وتُعرّف "الإدارة الذاتية" العقد الاجتماعي على أنه "مجموعة الأسس النظرية والعملية والقوانين والقواعد التنظيمية، التي توضع لتحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتبين حقوق وواجبات الأفراد والمسؤولين داخل المجتمع".

ونص العقد الجديد في مواده على أن "الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا جزء من جمهورية سوريا الديمقراطية"، وأن "اللغات: العربية، الكردية، السريانية، هي لغات رسمية في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية"، وأن "الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا تعتمد مبدأ استقلالية القضاء"، و"تلتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع لوائح حقوق الإنسان ذات الصلة".

ورأى سيهانوك ديبو، عضو الهيئة التنفيذية لحزب الاتحاد الديمقراطي، وأحد أعضاء اللجنة المصغرة التي كتبت العقد الجديد، أن "إعلان هذا العقد هو بمثابة إعلان أمل للحل في سورية".

وأعرب، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا نموذج حل حقيقي وفعال للأزمة السورية على أساس القرار الدولي 2254"، آملاً "أن يعطي هذا العقد أملاً نحو حل الأزمة السورية، وأن تحظى الإدارة الذاتية ببعدها الوطني السوري المناسب".

العمل على العقد الجديد بدأ منذ 2020

وأوضح ديبو أن العمل على العقد الجديد بدأ منذ عام 2020 حين تم تكليف لجنة موسعة من 158 عضواً انبثقت عنها لجنة مصغرة، من قبل مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات الذي عُقد أواخر ذاك العام لكتابة العقد الاجتماعي الجديد.

وأشار إلى أن اللجنة عقدت عشرات الاجتماعات الجماهيرية بمناطق ومدن "الإدارة الذاتية"، مؤكداً أن هذا العقد "يأخذ بالحسبان عدة مسائل، منها حل جميع القضايا القومية والمتعلقة بمسألة مكونات سورية، ويحاول الاستفادة من التجربة الفعلية والعملية التي مرت بها الإدارة الذاتية طيلة السنوات الماضية".

وتابع ديبو: "ثمة أجسام ومجالس ومؤسسات دخلت إلى هيكلة الإدارة الذاتية في القانون الاجتماعي الجديد، حيث ستتحول هيئة البلديات إلى تجمع واتحاد للبلديات في شمال وشرقي سورية في المستقبل القريب".

وبيّن أنه "سيتم إجراء الانتخابات لهذه الهيكلية الجديدة خلال الفترة المقبلة"، مشيراً إلى أنه يجري العمل على تشكيل مفوضية عليا للانتخابات للإشراف على جميع الانتخابات، في جميع مراحلها ومستوياتها لجميع المناطق في شمال وشرقي سورية مستقبلاً. وأوضح أنه "سيتم إنشاء مكتب النقل والمدفوعات المركزي، ومحكمة حماية العقد الاجتماعي".

أنس الشواخ: تحركات قسد منفردة ما يعني أنه لا غطاء سياسيا لها حتى من الولايات المتحدة

وحول مصير هذا العقد في حال التوصل لتسوية سياسية للقضية السورية، أوضح أن "العقد يتضمن بنداً يتيح تعديل هذا العقد بشكل كامل، في حال تم الوصول إلى دستور ديمقراطي توافقي لكل السوريين".

العقد خطوة عملية ومتقدمة باتجاه الفيدرالية

من جهته، رأى الباحث السياسي أنس الشواخ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا العقد "خطوة عملية ومتقدمة باتجاه الفيدرالية في سورية"، مضيفاً: "القول إن الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سورية جزء من جمهورية سورية الديمقراطية، دليل على ذلك".

وأشار إلى أن "ما قامت به الإدارة الذاتية هو تطوير ودمج عدة مرجعيات بسنّ القوانين الخاصة بها"، مضيفاً: "جرى توحيد هذه المرجعيات وفق العقد الجديد".

وبيّن أن الجديد في هذا العقد "تحويل شمال شرقي سورية إلى إقليم واحد"، مضيفاً: تم تغيير التسمية من "روج آفا" (غرب كردستان) إلى شمال وشرق سورية.

ورأى الشواخ، المواكب للمشهد السياسي في شمال شرقي سورية في مركز "جسور" للدراسات"، أن استمرار هذا العقد "مرهون باستمرار مشروع قسد والإدارة الذاتية، والأهم هو تطبيقه". وتابع: "معظم تحركات قسد خطوات منفردة غير متفق عليها مع النظام والمعارضة ما يعني أنه لا غطاء سياسيا لها حتى من الولايات المتحدة".

ملاحظات حول العقد الجديد

وفي السياق، أبدى المحلل السياسي فريد سعدون، في حديث مع "العربي الجديد"، ملاحظات حول العقد الجديد، أوّلها استبعاد المعارضة الكردية لـ"الإدارة الذاتية" المتمثلة بـ"المجلس الوطني الكردي" عن المشاركة في كتابته، مضيفاً: كتابة أي دستور لا تتم من طرف واحد.

وتابع: هناك مشاكل بين المكوّن العربي في شمال شرقي سورية وبين الإدارة التي تدعي وجود أحزاب وجهات عديدة شاركت في الكتابة، ولكن الحقيقة أن هذه الأحزاب تدور في فلك حزب الاتحاد الديمقراطي صاحب السلطة في المنطقة.

وأشار إلى أنه "كان من المفترض وجود أكاديميين ووجهاء مجتمع في لجنة الكتابة"، مضيفاً: الإدارة شكلت لجاناً من نفسها بعيداً عن المشتغلين بالشأن العام. وأشار إلى أنه "من المفترض وجود برلمان منتخب يصادق على العقد، وتتشكل حكومة تعددية وفق العقد"، مضيفاً: لم يكن هناك استفتاء شعبي على العقد، فضلاً عن أن مجلس الإدارة العام جهة غير منتخبة لا يحق لها إصدار دستور.

وتأسست "الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا" عام 2013 لإدارة المناطق التي سيطرت عليها "وحدات حماية الشعب الكردية"، والتي أصبحت في 2015 الثقل الرئيسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والتي تحكم اليوم نحو ثلث مساحة سورية يشكل العرب غالبية سكانه، ويعد الأهم لغناه بالثروات الزراعية والنفطية.

وتسيطر "قسد"، التي تحظى بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، على قسم كبير من محافظة الرقة، بما فيه مدينة الطبقة الاستراتيجية، إضافة إلى شريط القرى على الضفة الجنوبية من نهر الفرات الممتد من قرية "شعيب الذكر" غرباً، إلى قرية "كسرة شيخ الجمعة" شرقاً.

كما تسيطر "قسد" على كامل ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات الغني بالنفط، إضافة إلى معظم محافظة الحسكة مترامية الأطراف في شمال شرقي سورية، والتي تضم أكبر حقول النفط، والتي تعد المصدر الرئيسي لتمويل هذه القوات و"الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرقي سورية.

كما تسيطر على منطقة منبج غربي نهر الفرات ومنطقة تل رفعت ومحيطها في ريف حلب الشمالي. وكانت خسرت في عام 2018 منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال غربي حلب، لصالح المعارضة السورية. وخسرت في 2019 مدينة تل أبيض وقسماً كبيراً من ريفها شمال الرقة، ومنطقة رأس العين، شمال غربي مدينة الحسكة.

المساهمون