دراسة الصليب الأحمر: العالم أصبح أكثر تسامحاً مع التعذيب

دراسة الصليب الأحمر: العالم أصبح أكثر تسامحاً مع التعذيب

06 ديسمبر 2016
مسؤولو الصليب الأحمر يعرضون نتيجة الدراسة في بيروت(حسين بيضون)
+ الخط -
لا يزال ثلثا سكان العام إنسانيين. هذه هي الخلاصة التي يمكن الخروج بها بعد الاطلاع على دراسة "الناس حول الحرب" التي أعدها "الصليب الأحمر الدولي"، بعد استطلاع 17 ألف شخص في 16 بلداً حول العالم: أفغانستان، أوكرانيا، جنوب السودان، روسيا، سورية (السوريون في لبنان)، لبنان، سويسرا، الصين، العراق، فرنسا، فلسطين، "إسرائيل"، كولومبيا، المملكة المتحدة، نيجيريا، والولايات المتحدة.

تأتي هذه الدراسة بعد عقدين من الحروب الواسعة التي ضربت الشرق الأوسط، وامتدت آثارها الإنسانية والأمنية والاقتصادية لتشمل مُختلف الدول. وقدمت الدراسة نسباً لافتة عن تقبل المواطنين لواقع مقتل المدنيين كنتيجة "طبيعية وعادية" للحروب. كما رسمت النتائج علامات استفهام عن فعالية الاتفاقيات الدولية الناظمة للحروب. ويمكن مقارنة نتائج هذه الدراسة التي أُعدت بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 2016، مع نتائج دراسة سابقة أُعدت عام 1999 وتضمنت الأسئلة نفسها. وأظهرت النتائج الرئيسية للدراسة وجود اعتقاد لدى معظم المقيمين في بلدان متضررة من الحرب بـ"أهمية القانون المحلي والدولي"، مع دعوة ثلثي المقيمين إلى "فرض قيود على الحرب". ويؤكد نصف المُستطلعين أن اتفاقيات جنيف المختلفة "تحول دون تفاقم الحروب". ويرفض المستطلعون "العنف الممارس ضد مقدمي الرعاية الصحية والمنشآت الصحية". ويرى ثلاثة أرباعهم أن الهجوم على المستشفيات وسيارات الإسعاف والعاملين في مجال الرعاية الصحية "أمر خاطئ". ولكن وبالمقارنة مع الدراسة الأولى التي أعدت عام 1999، سجل الصليب الأحمر الدولي درجة أعلى من قبول المُستطلعين في الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، بموت المدنيين كـ"جزء لا يمكن تفاديه من الحروب". كما أظهرت النتائج تحولاً سلبياً في المواقف العامة تجاه التعذيب، إذ على الرغم من أن ثلثي من شملهم الاستطلاع يعتبرون أن التعذيب "أمر خاطئ"، كانت النسبة أقل مما أظهرته دراسة عام 1999. كما ارتفع عدد من فضلوا عدم الإجابة أو لا يعرفون الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالتعذيب.

قواعد الحرب والقانون الدولي
غطت أسئلة الدراسة مختلف الجوانب المرتبطة بالحروب والانتهاكات التي يمارسها المتقاتلون ضد المدنيين وضد المنشآت. وأظهرت النتائج فصْل من شملهم الاستطلاع، بين الرأي العام والسياسات التي تتبعها الدول والمجموعات المسلحة في الحروب. على صعيد الرعاية الصحية، قدمت الحرب السورية نموذجاً جديداً للاستهداف الممنهج والمقصود، ليس للمستشفيات الميدانية وحسب، بل لمستشفيات الأطفال ومختلف فئات المدنيين. ويوافق تسعة من عشرة أشخاص على "حق كل مريض أو مصاب خلال النزاع بالحصول على الرعاية الصحية"، وترتفع هذه النسبة أكثر في البلدان المتضررة من النزاعات. كما تتقارب نسب منح الرعاية الصحية للجميع مع نسب رفض مهاجمة سيارات الإسعاف والعاملين في القطاع الطبي بهدف إضعاف العدو. ويعتقد 23 في المائة أنه "على العاملين في القطاع الطبي تقديم الرعاية الصحية للمرضى والمصابين المدنيين "من طرفهم في النزاع فقط وليس لجميع المدنيين المصابين"، مقابل 71 في المائة يدعون لتلقي كل المدنيين المصابين للعلاج.

في ما يتعلق بالتعذيب، فهو يشكل مسألة مهمة تطرق إليها التقرير، خصوصاً بعد انتشار صور التعذيب الجماعي والممنهج الذي اعتمدته الأنظمة العربية عموماً، والنظام السوري تحديداً. وأظهرت الدراسة ارتفاع عدد الأشخاص الذي يعتقدون أن "التعذيب بهدف الحصول على معلومات" ممكن، مقارنة بالدراسة السابقة عام 1999. ورفض 66 في المائة من الأشخاص الذي شملتهم الدراسة، التعذيب، مقابل 27 في المائة قالوا إنه "جزء من الحرب". وعن تعذيب "أسير من مقاتلي العدو بهدف الحصول على معلومات عسكرية مهمة"، ارتفعت نسبة من يعتبر ذلك جزءاً من الحرب إلى 36 في المائة، مقابل 66 رفضوا الأمر. وأيد 50 في المائة من الإسرائيليين المستطلعين عملية تعذيب الأسرى بهدف الحصول على معلومات، مقابل 33 في المائة من الفلسطينيين. وسجلت نيجيريا أعلى نسبة قبول لتعذيب مقاتلي العدو مع 70 في المائة.


ولدى سؤالهم عن تأثير التعذيب على الأشخاص الذي يتعرضون له وأولئك المشاركين به، رأى 61 في المائة أنه "يترك آثاراً جسدية ونفسية على الشخص الذي تعرض للتعذيب". واعتبر 43 في المائة أنه "يسلب آدمية الضحايا والمشاركين في عملية التعذيب"، مقابل 40 في المائة من المستطلعين الذين ذكروا أنه "يترك آثاراً نفسية على الشخص الذي يقود التعذيب"، و31 في المائة أنه "يدمر سمعة المجتمع"، و27 في المائة أنه "يضعف نزاهة النظام السياسي للمجتمع".

وبعد إعلامهم أن التعذيب محظور بموجب القانون الدولي الذي صادقت عليه 159 دولة، لا يزال 60 في المائة من المُستطَلعين يوافقون على "تعذيب المقاتل العدو المأسور بهدف الحصول على معلومات عسكرية مهمة منه"، مقابل إعلان 37 في المائة أنهم "لم يكونوا على علم بتوقيع بلادهم لاتفاقية مناهضة التعذيب".

وحول سلوك الحرب، رفض 68 في المائة من الأشخاص الذي شملتهم الدراسة "مهاجمة المقاتلين الأعداء في قرى أو مدن مأهولة بالسكان بهدف إضعاف العدو"، مقابل اعتبار 30 في المائة منهم ذلك كـ"جزء من الحرب"، وذلك على الرغم من إدراكهم حتمية مقتل مدنيين. وفي سؤال عن نظرتهم لاتفاقيات جنيف، قال 52 في المائة من الأشخاص إنها "تمنع الحروب من أن تصبح أسوأ"، مقابل 36 في المائة لم يروا أنها "تشكل فرقاً حقيقياً". لكن ثلثي المستطلَعين يؤكدون أن مرور 70 عاماً على اعتماد اتفاقيات جنيف لا يعني أن "فرض القيود على الحرب أصبح بلا معنى".

وفي المناطق المتضررة من النزاعات بشكل مباشر يرى نصف المشاركين في الدراسة أن "عدم احترام أحد طرفي النزاع قوانين الحرب، لا يعطي الحق للطرف الآخر أن يقوم بالمثل"، بينما تتدنى هذه النسبة في الدولة الأخرى (سويسرا والدول الخمس دائمة العضوية). وعند سؤالهم عن مهاجمة المعالم الدينية والتاريخية وتعرض العاملين في مجال الإغاثة للقتل، كادت النسب أن تتناصف بين من يعتقد أن هذه الأمور "جزء من الحرب"، مقابل اعتقاد الجزء الآخر أنها "أمر خاطئ".


وتطرقت الدراسة إلى موضوع الهجرة. وقد فتحت مآسي الأزمة السورية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعقدة لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الباب واسعاً أمام طالبي الهجرة لعبور البحار الفاصلة عن أوروبا بأكثر الطرق خطورة وبدائية بحثاً عن حياة جديدة. وتبين من أجوبة من شملتهم الدراسة، أن 67 في المائة يتوقعون "تراجع الميل لدى المدنيين على الفرار إذا ما تم احترام قوانين الحرب من المتقاتلين". ويظهر المستطلعون في الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بُخلاً لدى سؤالهم عن رغبتهم في تقديم بلدانهم مساعدات إضافية للفارين من بلدانهم، إذ فضل 46 في المائة فقط ذلك، مقابل 79 في المائة من الشريحة المستطلعة في الدول التي تعاني مباشرة من النزاعات، والتي عبرت عن رغبتها بزيادة هذه المساعدات.

وحول التدخل السياسي، يدعو بين 68 و76 في المائة من المُستطلَعين لزيادة التدخل السياسي من المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات في الحروب، مقابل 17 إلى 21 في المائة رفضوا ذلك. وهو ما يؤكد استمرار إيمان المواطنين بقدرة المجتمع الدولي على إحداث فرق في فرض احترام القوانين الدولية في الدول التي تعاني من نزاعات.

وفي ما يتعلق بتقليص أعداد الضحايا، طُرح على المستطلعين مجموعة أدوات تساعد على تقليص أعداد الضحايا في الحروب، بعضها مدني وبعضها الآخر عسكري. وسجلت الوسائل المدنية أعلى نسبة تأييد. ومن هذه الوسائل: "زيادة فعالية قوانين الحرب" مع نسبة تأييد بلغت 74 في المائة. وهي نفس النسبة التي حصل عليها خيار "زيادة المساءلة عن الأعمال الوحشية من خلال المحاكم الدولية". ثم تلاهما خيار "زيادة دقة الأسلحة للحد من الخسائر غير المقصودة". ودعا 58 في المائة إلى "تقليص الأسلحة المتاحة للجنود والمقاتلين في العالم". وفي إشارة إلى أهمية وسائل الإعلام في تغطية الأزمات والحروب، دعا 69 في المائة من المستطلعين إلى "زيادة التغطية الإعلامية لهذه الحروب بحيث يتم فضح الأعمال الوحشية". هذا الواجب الإعلامي يفرض نفسه إذاً على الرغم من الصعوبات التي تواجه الصحافيين أثناء تغطية الحروب. وخير دليل على ذلك، التجربة الإنسانية للمصور الصحافي، جيل ديولي، الذي توقفت الدراسة عند شهادته، بسبب تعرّضه لبتر ثلاثي بعدما داس على لغم أرضي في أفغانستان أثناء تغطية المعاناة الإنسانية للأفغان نتيجة الحرب. ويقول ديولي "الإصابة منحتني مزيداً من التعاطف مع من كنت أقوم بتصويرهم". وقد عاد المصور المصاب إلى أفغانستان بعد مدة قصيرة والتحق بمركز الأطراف الاصطناعية التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، وهو على احتكاك يومي مع عشرات المصابين المدنيين.

وفي سؤال ثالث عن "المؤثرات الأقوى على سلوك المقاتلين"، اختارت العينة "القادة العسكريين" كخيار أول بنسبة 81 في المائة. تلاه أثر "الزملاء المقاتلين" بنسبة 67 في المائة، وبعده خيار "قادة المجتمع" بنسبة 55 في المائة. وهي نفس النسبة التي حازها خيار "الزعماء الدينيين". وأظهر المُستطلعون تناقضاً بعد تعبير معظمهم عن رغبتهم بالمزيد من التدخل الدولي في البلدان التي تعاني من النزاعات، مقابل اعتقاد 50 في المائة منهم فقط أن "التهديد بالعقاب بواسطة المحاكم الدولية" يمكن أن يؤثر في سلوك المقاتلين. وهو آخر الخيارات في نسب التصويت، وحل معه في المرتبة الأخيرة "التهديد بالعقاب بواسطة المحاكم الوطنية".

وفي ختام التقرير قدم الصليب الأحمر الدولي "دعوة للعمل"، شملت:
  • تذكير كافة أطراف النزاع بالتزاماتها تجاه القانون الدولي، ووقف داعمي أطراف النزاع التي لا تحترم كرامة الإنسان وحريته.
  • إظهار إرادة سياسية لتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني، ومساءلة منتهكي القانون.
  • وقف حرمان الجرحى والمرضى في النزاعات من العلاج الطبي، وإدراك امتدادات حالة المنع هذه على تعافي المجتمعات المحلية بعد انتهاء حالة القتال.
  • محاكمة ممارسي التعذيب، وتكريسه كفعل غير قانوني وغير إنساني.


المساهمون