نازحو غزة... لا خدمات في مدارس "أونروا"

نازحو غزة... لا خدمات في مدارس "أونروا"

27 مايو 2021
في إحدى مدارس الأونروا (محمد الحجار)
+ الخط -

تعيش نعيمة المصري (45 عاماً) في مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في حي النصر غرب مدينة غزة، بعدما دُمّر منزلها، الواقع في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، بالكامل خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع. خرجت وأبناؤها حفاة من بلدتها التي كان الدمار فيها كبيراً، وقد بات منزلهم مجرّد ركام.
تشعر المصري بالضيق في المدرسة. وهذا ينسحب على ابنتها مرح (20 عاماً)، الطالبة في كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية في غزة. على الرغم من الدمار، فكرت في نصب خيمة على مقربة من المنزل، لكنها لم تجد خيمة. كما أنها لا تملك المال لاستئجار منزل كحلّ مؤقت بديل عن المدرسة ريثما تعيد إعمار بيتها.
وبعد إعلان وقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، عادت عشرات آلاف العائلات التي نزحت إلى مدارس "أونروا" طلباً للأمان، إلى مناطقها وبيوتها. لكن بعض العائدين وجدوا أن بيوتهم دُمّرت بالكامل. فلم يكن أمامهم غير العودة إلى المدارس لتستمر معاناتهم، إذ يعيشون وسط ظروف مأساوية في ظل عدم توفر احتياجاتهم الأساسية.
بعض العائلات التي وجدت غرفاً صالحة بعض الشيء في بيوتها، فضلت البقاء داخل منازلها المدمرة جزئياً، بدلاً من البقاء في مدارس "أونروا"، بعدما اختبرت انعدام الأمان فيها في ظل عدم توفر احتياجاتها الأساسية، خصوصاً النظافة.
  
350 أسرة في المدارس
أعلنت "أونروا"، استناداً إلى إحصاء أعدته يوم السبت الماضي، في 22 مايو/أيار الجاري، أي بعد يوم من وقف إطلاق النار، بقاء نحو ألف نازح في مرافقها ومدارسها في قطاع غزة، بعدما استقبلت نحو 60 ألف نازح في 60 مدرسة تابعة لها في القطاع الذي شهد عدواناً إسرائيلياً استمر 11 يوماً. وأشارت إلى أن النازحين في القطاع المحاصر جاؤوا إلى المدارس للاحتماء من القصف الإسرائيلي بعدما دمرت بيوتهم، لكن معظمهم عاد إلى منازله ليبقى نحو ألف نازح في مدارس الوكالة، بعدما باتوا بلا مأوى، وعددهم 350 أسرة.

الصورة
في إحدى مدارس الأونروا (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

بقاء المصري في إحدى مدارس "أونروا" أعادها بالذاكرة إلى العدوان الإسرائيلي الأول على غزة عام 2008 - 2009، حين دمّر منزلها أيضاً، فهربت وعائلتها إلى مدرسة الفاخورة التابعة لوكالة "أونروا" داخل مخيم جباليا. كذلك، تعرضت المدرسة لمجزرة إسرائيلية في التاسع من يناير/كانون الثاني عام 2009، أودت بحياة 43 شهيداً وأدت إلى إصابة العشرات. وكانت المصري شاهدة على المجزرة.
تقول المصري لـ "العربي الجديد": "هربنا من الموت ثلاث مرات في نهاية عام 2008 وعام 2009 وخلال العدوان الأخير في الرابع عشر من مايو/أيار الجاري. خلال العدوان الأول، استخدمنا غرفة من المنزل الذي دمر نصفه ونصبنا خيمة منحتنا إياها إحدى الجمعيات. لكن في الوقت الحالي، لا نعرف متى يمكن أن يعاد إعمار منزلنا فنشعر بالاستقرار النفسي بعدما واجهنا موتاً محققاً ثلاث مرات حتى اليوم".

الصورة
في إحدى مدارس الأونروا (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

في هذا السياق، ذكرت وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة أن الأضرار لحقت بـ 1800 وحدة سكنية، وقد تعرّضت للهدم الكلي، بينما تعرضت 16800 وحدة سكنية للضرر جزئياً، وخمسة أبراج للهدم الكلي، في وقت شرّد العدوان الكثير من الأسر الغزية لتلجأ إلى المدارس، فيما لجأ البعض إلى منازل ذويهم أو إلى مساكن جماعية.
في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وفي مدرسة أبو عاصي الواقعة في منطقة الشمالي بالمخيم، تعاني هديل السلطان (34 عاماً) بسبب عدم توفر معظم الخدمات الأساسية داخل المدرسة التي تحولت إلى مركز إيواء، خصوصاً أدوات النظافة، وقد هدم منزلها الواقع شمال منطقة السلاطين في شمال غزة بشكل كلي، وأصيب زوجها إصابة متوسطة في قدميه.
قبل خروجها من المنزل، حملت السلطان هوية زوجها فقط، وتركت هويتها وأوراقها الرسمية، ولم تكن تملك المال. حصلت على بعض الأغطية من إحدى الجمعيات المحلية، بالإضافة إلى الطعام. لكنّها في حاجة ماسة إلى بعض الأدوية لأنها تعاني من مشاكل صحية. كذلك، تعاني من البرد لأن المدرسة قريبة من الشاطئ. تقول لـ "العربي الجديد": "على مدى 9 أيام في المدرسة، لم نعرف الخصوصية. كانت المراحيض متسخة جداً، وكان هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون أمراضاً مزمنة. للأسف، ما زال من في المدرسة يعيش المعاناة"، لافتة إلى أننا "لا نعرف مصيرنا، ولا نريد البقاء في الملاجئ بل العودة إلى حياتنا الطبيعية فقط".

الصورة
في إحدى مدارس الأونروا (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

إمكانيات محدودة
وكان المستشار الإعلامي لـ"أونروا" في غزة عدنان أبو حسنة، قد قال عبر إحدى الإذاعات المحلية، إنّ الوكالة استقبلت اللاجئين في مناطق وسط مدينة غزة، موضحاً أن الوكالة تقدم خدماتها للنازحين في حدود إمكانياتها المتاحة. وأشار إلى أنّ هناك مدارس غير معدة لاستقبال اللاجئين، لافتاً إلى أن هناك محاولات لتوفير المستلزمات لهذه المدارس بقدر الإمكانيات.
وكانت إسرائيل ترفض دخول المساعدات الإنسانية والطبية إلى "أونروا" والقطاعات الصحية وغيرها، وقد منعت المفوض العام لـ"أونروا"، فيليب لازاريني، من دخول غزة. لكن بعد يومين من اتفاق وقف إطلاق النار سمحت بدخولها ووصول لازاريني.

الصورة
في إحدى مدارس الأونروا (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

من جهتها، تشكو عائلة سمير عبسي (32 عاماً) من عدم توفر المياه الصالحة للشرب داخل مدرسة غزة الجديدة بشارع الشفاء في حي النصر، وهي تعاني بسبب ملوحتها. وتعتمد العائلة على المياه التي يجلبها بعض الناس من منطقة قريبة من المدرسة للشرب. يقول عبسي إنه نزح في الخامس عشر من الشهر الجاري، ولم يجد أغطية كافية ولا فرشات للنوم في المدرسة. وكان يتشارك فرشة واحدة مع ثلاثة رجال، في وقت يحصل هو وآخرون على وجبتي طعام تقدمها جمعيات خيرية. صحيح أنه بات ينام على فرشة وحده اليوم بعد عودة الكثير من العائلات إلى بيوتها، إلا أن المعاناة مستمرة بسبب نقص الخدمات الأخرى.

قضايا وناس
التحديثات الحية

كثيراً ما شعر بالقلق الشديد من الإصابة بفيروس كورونا، خصوصاً عندما أحس ببعض الأعراض بعد مرور أربعة أيام على تواجده في المدرسة، لكن كان مستحيلاً عليه التأكد وإجراء الفحص بعدما دمّر الاحتلال المختبر المركزي التابع لوزارة الصحة. لكنه اطمأن بعد إجرائه الفحص يوم وقف إطلاق النار في 21 مايو/أيار الجاري. يقول عبسي لـ "العربي الجديد": "ما من رقابة داخل المدارس لتأمين النظافة أو الحد من الاختلاط. كنت أشعر بالقلق الشديد وأعتقد أن هناك إصابات بالفيروس. لكن الخوف يمنع كثيرين خلال العدوان وبعده من التوجه إلى مراكز إجراء فحوصات كورونا. حالياً، ليس لدينا منزل وقد دمّر في منطقة العطاطرة شمال قطاع غزة. ولا نملك مالاً لاستئجار شقة في أي مكان. أنا أب لثلاث أطفال وعاطل عن العمل".

الصورة
في إحدى مدارس الأونروا (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

تجدر الإشارة إلى أن لجنة زكاة منطقة الشاطئ الشمالي وحي النصر غرب مدينة غزة أمّنت مساعدات لأربع مدارس ضمت أكثر من ألفي نازح أثناء العدوان الإسرائيلي، كما يقول رئيس مجلس إدارة اللجنة عبد المنعم لبد. ويشير إلى بدء العمل على توزيع المساعدات "بعدما لاحظنا ضعف تزويد اللاجئين بالخدمات الأساسية، وقد وفرنا وجبات وأدوية ومياها معدنية بشكل يومي للنازحين. في المقابل، عمل الكثير من المتطوعين على تزويد اللاجئين بما تيسّر من خدمات ضمن اللجنة".

إلى ذلك، اضطر سمير العطار (28 عاماً) ووالدته أمينة (58 عاماً) للتوجه إلى منزل أقاربهما داخل مخيم جباليا شمال القطاع، بعدما وجدا أن الظروف صعبة داخل مدارس "أونروا"، عدا عن عدم تأمين العلاج لوالدته وهي مريضة قلب. في المدرسة، كانت تشعر بالتعب وضيق مستمر في التنفس، فحرص ابنها على نقلها إلى مكان ملائم بعد وقف إطلاق النار. إلا أن عائلته المكونة من زوجته وأطفاله الثلاثة بقيت في مدرسة الرمال للذكور في حي النصر، نظراً لتدمير منزله بشكل شبه كلي، ووجود صاروخ لم ينفجر في المنزل. ولم يتمكن بعد من إصلاح غرفة واحدة بالداخل للبقاء فيها، علّ ذلك يكون أفضل من المدرسة.

المساهمون