النقل العام يحكي قصة سورية قبل الثورة وبعدها

النقل العام يحكي قصة سورية قبل الثورة وبعدها

31 يوليو 2015
لكلّ مرحلة شعاراتها (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -

على مدى سنوات طويلة، عكست العبارات المكتوبة على حافلات النقل العام وبعض السيارات التابعة للأجهزة الأمنية، الحالة الاجتماعية والسياسية في سورية. ويمكن لمن يتابعها قراءة التقلّبات السياسية وتوجّهات النظام في كل مرحلة. في سبعينيات القرن الماضي، ومع تسلّم حافظ الأسد السلطة، كانت وسائل النقل تنحصر في الباصات القديمة، والتي تعود ملكيتها لأفراد. هؤلاء كتبوا عبارات لصد الحسد، كونها كانت تعدّ مصدر رزق جيد. انتشرت عبارات مثل "عين الحاسد تبلى بالعمى"، و"محروسة من عين البشر"، بالإضافة إلى تعليق الخرز الأزرق، أو الكفّ الذي يحمل رسمة عين، أو أحذية الأطفال القديمة.

هذه العبارات كانت تشكّل الحالة الثقافية العامة للمجتمع. وتأثّر كثيرون بالمسلسلات البدوية وأغنيات سميرة توفيق التي اشتهرت في تلك الفترة، فكتبوا عبارات مثل "اليوم يومك يا بطيحان"، و"أخو حمدة"، و"راس غليص"، و"راعي المهرة"، و"العنود"، و"ميلي عليّا ميلي"، و"ميلي على ميالك.. أو فلان خيالك"، و"بين العصر والمغرب".

لم تكن صعبة ملاحظة الشكل الأمني للدولة من خلال بعض العبارات التي كتبت داخل الحافلات، مثل: "يجب على الركّاب حمل هوياتهم"، مع قائمة من الممنوعات على غرار: "ممنوع التدخين، وممنوع مد الرأس من النافذة، وممنوع التكلّم مع السائق". بعدها، ظهرت عبارات "سورية الأسد، والقائد المفدى، وبطل التشرينين"، مع وضع صور حافظ الأسد، بالإضافة إلى كتابة بعض مقولاته الشهيرة التي باتت تُعتمد في المناهج التعليمية.

في منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات، ومع سطوع نجم باسل الأسد، بدأت صورته تُرافق صور والده، وتغيّرت الشعارات بما عكس حرص النظام على الترويج للوريث باسل حافظ الأسد. كان أشهرها "سورية الأسد إلى الأبد"، و"ذاك الشبل من ذاك الأسد". كتبت أيضاً عبارات من وحي الأغنيات الهابطة، في نية مبطّنة لتجهيل الشعب ثقافياً. وكثرت العبارات التي تدعو إلى القناعة والخنوع، مثل "القناعة كنز لا يفنى"، و"الحمدلله مستورة".

بعد وفاة باسل، ازداد استخدام النظام لهذه الوسيلة الإعلانية المجانية. وكانت حملة استبدال باسل ببشار. بدأت تظهر صور الثلاثة معاً، حافظ وباسل وبشار، مع عبارات كانت بمثابة رسائل واضحة، مثل "الأصل.. فقيد الوطن.. الأمل". استلم بشار السلطة عام 2000، وقال حينها إنه يعارض انتشار الصور والعبارات التي تمجّد شخصه. تفاءلَ كثيرون باحتمال حدوث بعض التغييرات في سياسة البلد. في تلك الفترة، انحسر انتشار الصور والعبارات التي تمجّد الحاكم، لتستبدل بعلم سورية، وبعض الشعارات التي حاولت التأكيد على أن نظاماً شاباً جديداً ومنفتحاً سيحكم البلاد. الأمر لم يدم طويلاً. عادَ النظام الجديد إلى الأساليب القديمة عينها، من خلال صوغ شعارات جديدة كرّست الخطوط الحمراء حول الاقتراب من شخص الرئيس. بدأت الصور تنتشر بكثرة، مرفقة بصور العائلة الحاكمة في البداية، بالإضافة إلى صور شخصية له مذيّلة بعبارات مثل: "بشار الأمل"، و"سورية الله حاميها"، و"على العهد باقون".
وكان ملفتاً في تلك الفترة انتشار العبارات والصور على السيارات الخاصة، والانحسار الكبير للشعارات الشعبية لصالح الرسائل السياسية الموجهة.

اقرأ أيضاً: سوريّون في الجزائر.. العين هنا والقلب هناك

بعد حرب يوليو/تموز عام 2006، ودعم الأسد لـ"حزب الله" في لبنان، صارت معظم الباصات وسيارات الأمن والجيش، بالإضافة إلى السيارات الشخصية، تضع صور الأمين العام للحزب حسن نصرالله مرفقة بصورتي حافظ وبشار الأسد، مع شعارات على غرار "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه"، و"هكذا تنظر الأسود"، و"النصر للمقاومة"، و"سورية الأسد قلب المقاومة والتصدي"، لتنطلق الكلمة الأكثر شيوعاً بعد تجديد البيعة لبشار وهي "منحبك"، و"منحبك يا كبير".
مع بداية الثورة، عمد الثوار إلى إزالة تلك الصور والشعارات بهدف كسر التابو الذي فرض عليهم لعقود. بدأت تلك المظاهر تتراجع في معظم المناطق الثائرة في البلاد، لتبدأ مرحلة جديدة حملت معها عباراتها. وبشكل تدريجي، انقسمت البلاد إلى مناطق موالية وأخرى معارضة للنظام، ولكل منها شعاراتها.

في المناطق الموالية للنظام، بدأت باصات وسيارات الأجرة، بالإضافة إلى السيارات التابعة للجهات الأمنية والجيش وحتى تلك الخاصة، وضع صور لبشار الأسد وكتابة عبارات تمجد القائد والجيش، مثل "لن تركع أمة قادتها أسود"، و"ستبقى سورية الأسد إلى الأبد". لكن أسوأ ما في الأمر، كانت تلك العبارات التي دلّت على استراتيجية النظام المرعبة في التعامل مع الثورة، مثل "الأسد أو لا أحد"، و"الأسد أو نحرق البلد"، و"الله سورية بشار.. وبس". واستخدمت هذه العبارات في بعض الأحيان لتحقيق أكثر من هدف، منها بث الرعب في نفوس الشريحة الصامتة، وتجييش الموالين، بالإضافة إلى فرض سلطة كاتبها على من حوله من خلال الاستقواء بدعم النظام اللامتناهي له.

ومع الوقت، ظهرت عبارات تحمل أبعاداً طائفية، مثل "السيف ذو الفقار"، أو "يا علي"، أو "لبيك يا سلمان"، لتعكس تركيز النظام على هذا البعد في معركته. وفي مناطق المعارضة، عمد الشباب إلى إزالة كل شعارات النظام السابقة واستبدالها بشعارات الثورة الوطنية مثل "حرية"، و"الله سورية حرية وبس"، و"الشعب السوري ما بينذل"، و"بدنا حرية"، و"ثورة حتى النصر"، و"لن نركع إلا لله"، بالإضافة إلى استبدال العلم السوري بعلم الاستقلال الممثل لثورة الكرامة.

لكنّ تطوّر أحداث الثورة انعكس أيضاً على العبارات والصور، التي أخذت تتبدّل تدريجياً في معظم المناطق، وبات طابعها عسكرياً. ظهرت على السيارات وواجهات المحال التجارية عبارات تدعم الجيش الحر كـ"الجيش الحر السوري.. صقور الديار"، "الجيش الحر عزنا وأملنا وحامينا"، و"الجيش الحر جيشنا". ظهرت أيضاً الشعارات الإسلامية، مثل الراية السوداء مع عبارة "لا إله إلا الله"، و"سنعيد دولة الخلافة". كما أن العديد من الأشخاص الذين رفعوا شعارات الثورة في بيوتهم وعلى سياراتهم، عادوا ليستبدلوها بشعارات إسلامية.

اقرأ أيضاً: أطفال سورية.. الشارع يبتلع المستقبل