أطفال شرقي سورية إلى "فسحات العنف"

أطفال شرقي سورية إلى "فسحات العنف"

23 أكتوبر 2021
ألعاب تستلهم العنف (محمد الرفاعي/ Getty)
+ الخط -

أثرّت ظروف الحرب مباشرة على أطفال مناطق شمال شرقي سورية، خصوصاً على صعيد توجههم إلى ألعاب الفيديو العنيفة التي تعتمد على القتل واستخدام الأسلحة، ولا تتناسب مع أعمارهم. وهذه الألعاب تتيح للأطفال استخدام البث المباشر حيث يتبادل اللاعبون ألفاظاً نابية، علماً أن بعض الأطفال قد يمضون الوقت في اللعب بمعزل عن عائلاتهم في صالات.
تتحدث لمى محمد، وهي أم لأربعة أطفال من مدينة القامشلي، عن الألعاب التقليدية التي كانت رائجة في المنطقة قبل دخول ألعاب الفيديو، وتقول لـ "العربي الجديد": "ألاحظ أن الأطفال ابتعدوا عن الألعاب الشعبية المألوفة لحساب ألعاب الحرب التي نشهدها على أرض الواقع. يحاولون تقليد الحرب عبر اللعب بمسدسات بلاستيكية، وممارسة ألعاب العنف مثل الملاكمة. وأرى أن الظروف أقوى مني ومن الواقع الذي نعيشه ويؤثر بهم". تضيف: "يتأثر الأطفال بمحيطهم، فخلال فترة وجود تنظيم داعش في المنطقة، استنسخ الأطفال صوراً عنه، وتحدثوا عن قطع رؤوس وأنهم سيصبحون أمراء حرب، وطلبوا ارتداء زي عسكري وحمل مسدس للدفاع عن الوطن. لم يفكروا بالمدرسة أو المستقبل، لكن من حق الطفل أن يلعب ويدرس. الحرب أثرّت بشكل كبير في أولادنا، علماً أننا كنا نلهو صغاراً بألعاب بسيطة جداً، أما حالياً فكل الألعاب ضمن جو إلكتروني عنيف وإجرامي". 

من جهتها، تعلّق كريمة العمر، على الواقع الحالي للأطفال بالقول لـ"العربي الجديد": "في الماضي كان الأطفال يلعبون بالحجلة والسبع حجرات وغيرها من الألعاب التي تجعلهم يتواصلون مع أقرانهم في الشارع ويبذلون جهداً بدنياً. أما اليوم فابتعدوا عن أجواء هذه الألعاب والتواصل مع الباقين، وانشغلوا بما يتحدث به الكبار أمامهم عن القصف والسرقات، وبالاهتمام بألعاب الفيديو التي تعتمد على القتل والحرب. يسألني أطفالي دائما حين نخرج من المنزل عن المشردين الصغار الذين يبحثون عن الكرتون في الشارع، فأعجز عن تقديم إجابة للحظات، ثم أقول لهم إن الظروف أجبرتهم على مساعدة أهلهم".
وبالانتقال إلى الأطفال نفسهم، يقول جوان عبد الرحمن، من مدينة القامشلي، المهووس بألعاب الفيديو لـ"العربي الجديد": "تستهويني هذه الألعاب أكثر من ممارسة كرة القدم مع أصدقائي أو ألعاب أخرى أعتقد أنها انقرضت. أحب الألعاب القتالية التي أمارسها حين أذهب إلى صالة التمارين الرياضية لأنها تستلهم أجواء الحروب التي تبعث الحماس لدي، فأندمج فيها وأشعر بالسعادة. لم نعد نهتم بالألعاب التقليدية التي انتهت صلاحيتها، فنحن نحب ألعاب الأكشن".
ويعلّق المدرّس عزام بركو، على وضع الأطفال في منطقة شرق سورية، ويربطه بالظروف التي دفعتهم إلى الاهتمام بألعاب العنف سواء تلك التي تمارس عبر الاحتكاك أو ألعاب الفيديو، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا شك في أنّ الإنسان ابن واقعه وبيئته التي يتأقلم معها ويأخذ كلّ شيء منها. في الماضي، كانت الحياة أكثر بساطة للأطفال الذي يتلهون بألعاب ملموسة يتعلقون بها، في حين كان الكبار يتحدثون في مجالسهم عن أشياء عادية وأفلام. أما اليوم فيتابع الجميع الأخبار والتحليلات السياسية. وبمجرد دخول الأطفال مرحلة الوعي يجدون أنفسهم أمام أصوات قذائف المدافع ورصاص الرشاشات وقصف الطائرات، ويشرعون في تقليد هذه الأشياء، وحين يحملون الهواتف الخلوية يبحثون فيها عن ألعاب عنف، ويتطلعون إلى تقليد الشخصيات الخيالية الخارقة كي يخرجوا من فسحة الأجواء التي يعيشون فيها، ويبتعدوا عن الواقع". يضيف: "إذا أردنا إخراج أطفالنا من هذا الوضع الرديء يجب أن تنتهي الحرب. حينها ستظهر أساليب حياة في تعاطيهم مع الواقع واللعب، وتختلف روحية ممارستها لديهم. وستلعب المنظمات سواء كانت تابعة للدولة أو غيرها دوراً إيجابياً في حل هذه المشاكل، وجعل الأطفال يتجاوزون محنة العصر".

الصورة
ألعاب فيديو العنف من قلب الواقع (سيم جنكو/ الأناضول)
ألعاب فيديو العنف من الواقع (سيم جنكو/ الأناضول)

من جهته، يؤكد الاختصاصي في علم النفس، شفان إبراهيم، لـ"العربي الجديد" أنّ الإعلام يلعب دوراً سلبياً غالباً في توجيه الأطفال الذين قد يشاهدون أفلاماً تحتوي على عنف مع أهلهم، إلى جانب مظاهر العنف اليومية التي ينقلها التلفزيون ويمكن أن تظهر على أرض الواقع بسبب الحرب التي تجعل السلاح يظهر في كلّ مكان. وتقليد الأطفال أبطال الأفلام الذين يطلقون الرصاص على بعضهم البعض يؤثر عليهم وعلى سلوكهم وتوجيههم وأخلاقهم في المستقبل. واليوم يمارس التلاميذ ألعاباً عنيفة في المدارس، ويتداولون عبارات تدل على أنهم يحبذون السلاح أكثر من السلم والأمان، في حين لا منهج لمساعدتهم في التخلص من هذه الحالات. أما الأطفال في المرحلة الابتدائية وهم الحلقة الأضعف، فمشاهدتهم السلاح في التلفزيون أو الشارع أو حتى في متاجر البيع والمراكز العسكرية تطبع صوراً عنيفة في ذاكرتهم، وتجعلهم يميلون إلى ألعاب الحرب والقتال".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويشير إبراهيم إلى مقتل أطفال كثيرين بحوادث تسببت بها أسلحة يطالب بعدم بيعها في الأسواق، وبإبعاد الأطفال عنها خصوصاً في البيت. كما يدعو إلى إنشاء تلفزيون خاص بالأطفال، وزيادة أماكن اللعب لحمايتهم، وإلى تضمين مناهج التعليم مواد تساعد الطفل في الشعور بالسلام والابتعاد عن العنف.

المساهمون