القرى السكنية "البديل الأفضل للخيام" في إدلب

القرى السكنية "البديل الأفضل للخيام" في إدلب

14 نوفمبر 2023
المساكن اللائقة للعيش قليلة في إدلب (بكر قاسم/ الأناضول)
+ الخط -

في وقت تشهد مناطق إدلب وأريافها في سورية حركة نزوحٍ متكررة للأهالي نتيجة الحملات العسكرية التي تشنها قوات النظام والمليشيات الموالية لها بدعم روسي، أو بسبب الكوارث الطبيعية مثل زلزال 6 فبراير/ شباط الماضي والسيول، لا يزال عدد المجمعات التي تتمتع بخدمات وتعتبر لائقة للعيش محدوداً وغير كافٍ.
يقول إبراهيم السطوف الذي نزح خلال فترة القصف الأخير الذي استهدف إدلب، لـ"العربي الجديد": "تضم عائلتي ستة أفراد بينهم اثنان من ذوي الاحتياجات الخاصة، ورغم حالتي الصعبة وتهجيري القسري من منزلي في مدينة إدلب، واجهت استغلال تجار العقارات لحاجتي إلى مأوى أو حتى خيمة تؤويني، إذ وصلت بعض إيجارات المنازل إلى 400 دولار شهرياً، وتكلفة استئجار مساحة أرض لإنشاء خيمة إلى 430 دولاراً شهرياً، ما جعلني أشعر بعجز وإحباط".
وحاولت منظمات وهيئات إنسانية محلية استيعاب بعض النازحين المشردين، ومنها وقف الديانة التركي، الذي بنى قبل فترة قصيرة قرية السلام في بلدة كفرديان بريف إدلب الشمالي، وتضمنت 107 شقق لإيواء متضرري القصف والزلزال والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة.

يقول أحمد أبو عبيدة، مسؤول وقف الديانة التركي في الداخل السوري، لـ"العربي الجديد": "ليست قرية السلام الأولى التي بناها وقف الديانة التركي شمال غربي سورية، ولن تكون الأخيرة، وهي تهدف إلى إيواء أرامل لديهن أبناء ذكور فوق سن الـ12 عاماً باتوا لا يستطيعون البقاء مع أمهاتهم في المخيمات الخاصة بالأرامل، كما تستقبل القرية فئات أخرى من المجتمع".
ويتحدث عن أن مشروع بناء القرية بدأ قبل الزلزال، وأن أعماله انتهت أخيراً، واستقبل إضافة إلى الأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة أكثر من 50 عائلة من متضرري القصف والزلزال. ويشير إلى أن المشروع يتضمن جامعاً وملعباً وحدائق ومحال تجارية ومدرسة لمرحلة التعليم الأساسي، ومركزاً ثقافياً للمطالعة.
ويخبر مدير المكتب الإعلامي في وقف الديانة التركي محمود عزيزة "العربي الجديد" أنّ "تشييد مباني القرية استغرق سنة ونصف سنة، وتسكن فيها 107 عائلات حالياً، علماً أنّ كل مبنى يتألف من ثلاث طوابق تحتوي على ثلاث شقق. واختيرت منطقة كفردريان لبناء قرية السلام بسبب جمال المنطقة وقربها من مدينة سرمدا، أكثر المدن حيوية شمال غربي سورية".
ويؤكد أن القرية توفر كل خدمات المياه والكهرباء والخبز والمواد الأساسية والغذائية ومستلزمات النظافة والصحة والتعليم".
ويقول علي السيد الذي تهجر من مدينة معرة النعمان بسبب الزلزال واستفاد من مشروع قرية السلام لـ"العربي الجديد": "فقدت سبعة من أفراد عائلتي في الزلزال، وأيضاً أحد أبنائي في أحد معتقلات النظام، وقد حالفني الحظ باختياري ضمن المستفيدين من السكن في قرية السلام، وأشكر كل من ساعدني في تأمين احتياجات عائلتي، وأهمها الحصول على سكن آمن بعد المعاناة من أهوال النزوح والفقر والتشرد والفقدان التي عرفتها في حياتي".
أيضاً يسعى فريق "ملهم" التطوعي إلى إنشاء مشاريع سكنية توفر مأوى كريماً وآمناً لعائلات نازحة ومتضررة من الزلزال. ويقول أحد مسؤولي الفريق، براء بابولي، لـ"العربي الجديد": "تتضمن مشاريعنا السكنية نقل عائلات من الخيام إلى مبانٍ سكنية تساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية وتوفير خدمات أفضل لهم، وبينها، إضافة إلى السكن، المدارس والمساجد والنقاط الطبية والمساحات الخضراء. كما تشمل المشاريع إعادة بناء ما دمّره الزلزال، وتعويض عائلات عبر منحها منازل بدلاً من تلك التي دمّرت، وجعلها تتمتع بخصوصيات كاملة بعدما كانت تستخدم المرافق المشتركة في المخيمات".
ويشير إلى أنه بين المشاريع التي بناها فريق "ملهم" التطوعي، قرية "ملهم" في أعزاز بريف حلب الشمالي التي تتضمن 378 شقة، و"أوتاد ملهم" التي تتألف من 280 شقة، و"سواسية" (144 شقة)، و"غطاء الرحمة" (48 شقة)، و"بذور" (24 شقة)، و"الكوت" (360 شقة)، و"طمرة" (180 شقة). وكل هذه المشاريع تقع في منطقة أعزاز بريف حلب الشمالي، وهي مخصصة لإعادة بناء ما دمره الزلزال ضمن حملة صندوق "قادرون"، أما مشاريع المباني السكنية فتندرج ضمن حملة "حتى آخر خيمة".

الصورة
تخدم المجمعات المشيّدة في إدلب النازحين والأرامل ومنكوبي الزلزال (بكر قاسم/ الأناضول)
تخدم المجمعات المشيّدة في إدلب النازحين والأرامل ومنكوبي الزلزال (بكر قاسم/ الأناضول)

وعن المشاريع في إدلب، يقول براء إنها "تشمل مشروع هلال ملهم الذي يحتوي على 350 شقة، وملهم أرمناز (350 شقة)، وقادرون إدلب (350 شقة)، وقادرون أعزاز (132 شقة)، ويحتوي كل منها على مسجد ومدرسة ومساحات خضراء وحدائق ومراكز طبية.
ويوضح أن آلية اختيار المستفيدين تلحظ سكن نازح في خيام لمدة 3 سنوات على الأقل، وتطبيق معايير تفضيلية على العائلات بحسب أوضاعها الاقتصادية والصحية ومداخيلها، وضمنها أرامل وأيتام وذوو احتياجات خاصة، أو كونها من العائلات التي فقدت منازلها في الزلزال، وباتت بلا مأوى. 
ويكشف براء أن مشاريع أخرى ستنفذ في إدلب المدينة، بينها مبانٍ من سبعة طوابق بحسب المعايير الانشائية للزلازل.
من جهتها، تحاول جمعية "العطاء" تدارك مشاكل إيواء النازحين من خلال بناء مجمعات سكنية توفر مقومات السكن الكريم للأهالي، وتقديم خدمات لتأهيل وترميم المساكن والبنى التحتية داخل المخيمات وخارجها منذ عام 2015، ما يساعد في توفير حياة كريمة وآمنة تمنح الناس الاستقرار والخصوصية، من خلال أفضل الحلول المتاحة.
وافتتحت الجمعية، بدعم من جمعية القلوب الرحيمة، مجمع "كللي" السكني شمالي إدلب، بهدف إنهاء معاناة العائلات الأكثر تضرراً، ونقلهم إلى بيوت إسمنتية قبل حلول الشتاء. وجاء ذلك بعد الانتهاء من بناء 342 وحدة سكنية بريف إدلب الشمالي، والتي جرى تجهيزها بكل الخدمات الأساسية من أبواب ونوافذ وتمديدات المياه والصرف الصحي، إضافة إلى بنى تحتية توفر خدمات عامة للمستفيدين.
ويتوقع الانتهاء لاحقاً من بناء مسجد ومدرسة وسوق تجاري لتوفير متطلبات الشتاء واستبدال الخيام بوحدات سكنية توفر حياة كريمة وآمنة للعائلات النازحة، وتشكل حلاً مستداماً لمشكلة تضرر وتلف الخيّم الذي يتكرر كل شتاء.
وتقول النازحة سلام الطعمة التي استفادت من أحد مشاريع جمعية "عطاء"، لـ"العربي الجديد": "كنت بلا مأوى بعدما فقدت زوجي خلال قصف مدينة معرة النعمان، ونزحت قسرياً للعيش في مخيمات بلدة كللي حيث مكثت مدة طويلة في ظل ظروف إنسانية بالغة التعقيد، ثم جرى اختياري أخيراً للسكن في مشروع جمعية العطاء، وحصلت على بيت للعيش فيه مع أطفالي الثلاثة، ما جعلنا نتخلص من حياة الخيام وعذابها طوال فصول السنة، لا سيما في الشتاء الذي يحمل العواصف والوحول ويتسبب في غرق الخيام".

ولا يزال نازحون كثيرون في مناطق الشمال السوري يتطلعون إلى العودة إلى قراهم وبلداتهم وأراضيهم تمهيداً لإنهاء معاناتهم، لكن مع عدم توفر ذلك، تبقى مشاريع القرى السكنية الحل البديل الأفضل مقارنة بالسكن داخل خيام لا تقي من حرّ الصيف أو برد الشتاء.
وتضم مناطق شمال غربي سورية نحو مليوني نازح، بينهم 630 ألفاً يقيمون في مخيمات، بحسب إحصاءات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا). ويبلغ عدد المخيمات 1489، بينها 452 عشوائية يعيش غالبية سكانها في ظل ظروف إنسانية سيئة بسبب موجات النزوح المستمرة هرباً من العمليات العسكرية والفقر وقلة فرص العمل.

المساهمون